لماذا نحن العرب متخلفون؟

خميس, 04/05/2018 - 13:19

د. معن علي المقابلة

  قد تكون الاجابة المباشرة على هذا السؤال أننا لم نجرئ حتى يومنا هذا الاجابة على الكثير من القضايا والمسائل والاسئلة الجوهرية ، بل ان الكثير من هذه القضايا والمسائل والاسئلة اصبحت سبباً في نزاعاتنا وصراعاتنا الظاهرة والمستترة ، حكاماً ومحكومين ، نخباً وعواماً ، فنحن نكاد نكون الأمة الوحيدة في هذا العالم التي لا زال تاريخها محط خلاف، وسبب للفرقة لا للوحدة ، فمنا يرى بهذا التاريخ سبباً في تخلفنا وتراجعنا ، بل ويعتبره البعض السبب الرئيس في هذا التخلف التي تعاني منه الأمة ، والحل من وجهة نظرهم قطع صلتنا بهذا التاريخ والاستفادة من التجارب الحديثة في الغرب واليابان ، بينما البعض الأخر يرى بهذا التاريخ كنزاً وبلسماً وترياقاً لكل مشاكل الأمة ومصدراً لتطورها وتقدمها ، فهو الشيء الوحيد الذي يحق للامة ان تفتخر وتعتز ، ولطالما ردد انصار هذا الرأي عبارة الخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله” ، او قول الامام مالك – رحمه الله – :”لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.

   وليس هذا فحسب بل نجد الخلاف على علماء الأمة ومفكريها قديماً وحديثاً ، فالبعض يرى بهؤلاء العلماء ابعد ما يكونوا للعلم ، فهم كفرة وزنادقة واخرجوهم من الملة ، كابن رشد وابن سينا والفارابي والسهروردي “المقتول” – قتل بأمر من صلاح الدين الأيوبي- ….الخ قديماً ، وفرج فودة وحسين مروة ومحمد اركون …الخ حديثاً ، بينما يرى انصار هؤلاء انهم علماء مستنيرين حملوا مشروعاً تنويرياً حداثياً يتعامل مع تاريخ الأمة على انه تاريخ من صنع البشر قابل للمراجعة والنقد ، مشروعاً سينقل الأمة من حالة التخلف الى حالة التقدم ومواكبة الأمم الحديثة.

   كما ان الأمة لازالت مختلفة حول الدولة العثمانية ، التي حكمت عالمنا العربي زُهاء اربعة قرون ، هل هي دولة مستعمِرة ومحتلة ام هي امتداد لدولة الخلافة والتي حمت البلاد العربية من اطماع الدول الاستعمارية الغربية؟ على اعتبار انها دولة تدين بالإسلام دين العرب ، وقد اخذ هذا الخلاف يتصاعد في الآونة الأخيرة ، بعد وصول الاسلاميين للسلطة في تركيا ، فقد اعتبرهم البعض امتداداً للعثمانيين ، ثم تأجج هذا الخلاف بعد انخراط تركيا في الملفين العراقي والسوري.

   ثم دخلت نخب الأمة بسجال عنيف طيلة ما عرف بالربيع العربي حول زعمائها ، فمنهم من يضع هؤلاء الزعماء بمرتبة الخالدين والملهمين وولاة الأمر التي ارسلتهم العناية الالهية لإنقاذ الأمة ، ومخالفتهم رجس من عمل الشيطان ، ومدعاة للفتنة وشق لصف الأمة ، بينما البعض الأخر يرى بهم العكس تماماً ، عملاء ومستبدين ، معظمهم جاءوا بانقلابات عسكرية غير شرعية ، او على ظهور دبابات اعداء الأمة ، او بانتخابات مزورة ، كما يروا بهؤلاء الزعماء سبباً في هزائم الأمة ، وسداً منيعاً في سبيل تقدمها وازدهارها.

هذا الانقسام الأفقي والعمودي والذي اخذ يتجذر في جسد الأمة كل يوم في كثير من المسائل الجوهرية ، اصبح عائقاً ومثبطاً في تقدمها ونهضتها ، وفي صراعها مع التخلف والجهل والفقر والمرض ، بل ان هذا الانقسام اذا ما استمر سيولد بيئة مثالية لصراعات عنيفة قد تؤدي في نهاية المطاف لحروب اهلية دموية ، كما حدث في اوروبا والولايات المتحدة ، وللخروج من هذا المأزق ، ولتجنب الانزلاق في وادي الصراعات الدموية السحيق ، يجب على النخب الاجتماعية والثقافية والاكاديمية والسياسية اخذ دورها بكل شجاعة ، من خلال عقد حوارات مفتوحة بين هذه النخب ، تتبناها مؤسسات المجتمع المدني والجامعات والمراكز البحثية ، وتنطلق هذه الحوارات من ارضية الثقة المتبادلة ، والابتعاد عن لغة التخوين ، والحكم على النوايا ، وان ليس هناك جهة محددة تحتكر الحقيقة ، وان كل شيء قابل للبحث والحوار ، اليس في تراثنا مقولة احد الأئمة الكبار وهو الامام مالك – رحمه الله – “كل يؤخذ عليه ويرد الا صاحب هذا القبر” وأشار الى قبر الرسول – صل الله عليه وسلم – ، فليس من المعقول ان كل كتب التراث في تفاسير القرآن والحديث كتب لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها ، واصبحت او تكاد بمنزلة القرآن الكريم والصحيح من احاديث الرسول.

باحث وناشط سياسي / الاردن

Maen1964@hotmail.com