أزعج بوتين فطبخ الإسرائيليون وباشر الغرب.. قضية سكريبال ومنتهى الدرب؟

جمعة, 03/16/2018 - 19:17

 

اليوم آنفو 

الدكتور محمد بكر

يتواصل التصعيد والاتهام الغربي لموسكو بقيادة بريطانيا حول مسؤولية الروس عن تسميم العميل المزدوج سكريبال، لم يكن الموضوع منحصراً في هذا لإطار فقط، فقضية التسميم بغاز الأعصاب لها رابطها وامتداداتها المتعلقة بالسلوك الروسي في المنظومة الدولية خلال السنوات القليلة الماضية، وهي( أي القضية) مجرد حدث ونتيجة لها مسبباتها الأعمق في أبعاد مايحدث من كباش غربي روسي.

في نظرة سريعة لاتحتاج للكثير من البحث والتحميص، يستطيع المرء إدراك الدور الروسي في مرحلة بعينها في تعزيز حضوره الدولي، عبر صياغة متينة لجملة من التحالفات، ظهّرت موسكو وأعادتها للمجموعة الدولية على أرضية صلبة من الثبات والقدرات والتواجد العسكري، ولعل جبهة سورية وكيفية التعامل الروسي في كل مرة بنجاح مع جملة من السيناريوهات التي كانت معدة لدمشق، وسقوط أحرجها بالضربة القاضية على مسرح الاشتباك الدولي، هو مايفرز اليوم كل هذا الغضب الغربي الذي يخطه ويتصدره القلم البريطاني.

بوتين الذي ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن القومي الروسي كان قد عد الموقف البريطاني ضد بلاده موقفاً هداماً واستفزازياً، بينما وجد لافروف من وصفهم بالزملاء لجهة أن دوافعهم لهذا التصعيد هي دوافع غير صادقة وهو نفسه الذي كشف مؤخراً عن أن مجموعة من الدول بقيادة واشنطن تعرقل التعددية القطبية للعالم،  مايؤكد أن قضية الجاسوس ماهي إلا غطاء لما هو أبعد في استهداف موسكو، وتالياً التفسير الموضوعي لكل الصدام السياسي الحاصل.

ما كتبته اسرة التحرير في صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا لجهة أن واشنطن تخسر في سورية ولم يتبقى من المعتدلين إلا القليل، وإن خسرت حلفاءها الكرد في سورية فيتعين عليها البدء من جديد، ولا أحد يعرف إن كان ثمة اتفاقات لا تمانعها دمشق،  بين أنقرة وموسكو على المناطق التي ستخضع لسيطرة القوات التركية في الشمال، كل ذلك يشكل ملامح وسببية الغضب الغربي ونقمته على موسكو.

ربما من غير المستبعد أن تكون الأيادي الإسرائيلية هي التي طبخت بشكل غير مباشر كل هذا التصعيد الحاصل اليوم،  ولاسيما بعد الفشل مرات عديدة في تغيير المواقف الروسية في سورية من جهة، وعقم الجهود لجهة التأثير على بوتين من أجل الضغط على إيران للحد من نفوذها في الجنوب السوري من جهة أخرى، ولاسيما بعد حادثة إسقاط ال F16  الذي وجد فيها الإسرائيليون حدثاً وتصعيداً لم يكن ليتم لولا الموافقة الروسية،  وكذلك الاتهام الإسرائيلي المتكرر للولايات المتحدة بأنها تركت الملف السوري للروس ليتحكموا بمصيره ونتائجه.

ماقيل عن ضوء أخضر أميركي تم إعطاؤه لنتنياهو في زيارته الأخيرة لواشنطن لتوجيه ضربة عسكرية لحزب الله، وجولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في المنطقة وتحديداً إلي بريطانيا،  وتصعيد الأخيرة تجاه روسيا، كلها أحداث لم تتزامن مصادفة وإن لتوقيتها الكثير من الدلالات والرسائل.

لا نعرف بالضبط ما هو الهدف الرئيس من كل التصعيد الحاصل تجاه موسكو، وهل تتجاوز رسائله الإطار السياسي إلى مرحلة مواجهة مع موسكو في سورية، والأهم ماهية هذه المواجهة وشكلها ومستواها فيما لو كانت حاضرة في الأجندة الغربية، وهل ستكون مباشرة أم غير مباشرة بما يحقق إزعاج موسكو في جبهات وعمليات عسكرية قادمة في الميدان السوري.

قِدْرُ التصعيد السياسي الغربي الروسي يتجهز للغلي ، وثمة من يُوقد النار، وثمة من يتحضر، وثمة من يمتهن الثبات ( على قاعدة عينٌ بعين ونووي بنووي) ، وثمة من يدفع ضريبة الصراع الدولي.

* كاتب صحفي فلسطيني

روستوك – ألمانيا

Dr.mbkr83@gmail.com