هل يقبلُ المجلس الدستوري المغربي رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا؟

ثلاثاء, 01/16/2018 - 23:05

عبد السلام بنعيسي

يُطالب نشطاء الحركة الأمازيغية بالمغرب الحكومةَ بأنْ تجعل رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة مؤدّى عنها، وازداد هذا الطلب إلحاحا، بعد إقدام الجزائر على الاستجابة له. ولوحظ أن وسائل الإعلام الرسمية المغربية خصوصا منها السمعية البصرية، وتحديدا القناة الثانية، أعطت أهمية قصوى لرأس السنة الأمازيغية، وأولتها عناية خاصة هذا العام، حيث قامت بتغطية العديد من الأنشطة المرتبطة بها، وبوضع الفنان الأمازيغي، وبمطالبه وانتظاراته.

مبدئيا لا يمكن للمرء الاعتراض على الاهتمام بالثقافة الأمازيغية وبناسها، فهؤلاء مغاربة، ومن الواجب على الدولة أن توفر لهم كافة حقوقهم، وأن تتجاوب مع مطالبهم العادلة والملحة، لكن التجاوب مع المطالب يتعين أن يتم في نطاق الدستور، وضمن بنوده، وألا يحيد عنها حيفا، أو تمييزا، ذلك أن هوية المغرب الحضارية كما حددها الدستور: عربية – إسلامية، وأمازيغية، وصحراوية حسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

فإذا بادرت الحكومة المغربية إلى جعل السنة الأمازيغية عيدا وطنيا وعطلة مؤدى عنها، فإنها ستحتفل بمناسبة تخص فقط أناس مكون واحد من عدة مكونات للهوية المغربية كما أوردها الدستور، ألا وهو المكون الأمازيغي، وسيحق لباقي المكونات الشعور بالغبن وبالتمييز ضدهم، إذ سيُطرح السؤال تلقائيا حول كيف للدولة التي تحكم مغاربة من أعراق، وأجناس، وأصول متعددة، الاحتفال برأس سنة لطرف منهم، دون المبالاة بالأطراف الأخرى؟

سيصبح وقتها من حق الصحراويين الحسانيين اختيار يوم ما في السنة، طبقا لقناعاتهم، ووفقا لتصورات لديهم، مستمدة من تاريخهم الخاص بهم، والمطالبة بجعله عيدا وطنيا، وعطلة مؤدى عنها، وسينطبق ذلك على العرب، وعلى المنحدرين من روافد إفريقية، وأندلسية، وعبرية، ومتوسطية، فكل مكون من مكونات الهوية المغربية سيصبح من الجائز له أن يحصل على ما أعطته الدولة للأمازيغ، وإلا فإنها ستكون دولة غير عادلة بين أبنائها، إذ كيف تحتفل بمناسبة أمازيغية، وتتجاهل المناسبات الذي قد تبدو لباقي المكونات الأخرى للهوية المغربية أنها أهل للاحتفال بها.

قد يرى العربي مثلا أن يوم اعتلاء أول عربي لعرش المملكة المغربية الذي هو المولى إدريس الأول وإنشائه للدولة المغربية الإسلامية الأولى التي ستعقبها دول على نهجها، وستحافظ على استقلال المغرب، وتميزه، بلغته الرسمية العربية ودينه الإسلامي، إلى حدود سنة 1912، يوم، يحقُّ أن يكون عيدا وطنيا، وعطلة رسمية ومؤدى عنه، وقد يرى الأندلسيون أن يوم وصول أول فوج منهم قادما من الأندلس هربا من المذابح النصرانية، يشكل مناسبة تستحق الاحتفاء بها، ما دام الأندلسيون قد ساهموا، عبر أجيالهم المتلاحقة التي عاشت في المغرب، في الدفاع عن وحدته الترابية، وسلامة أراضيه، وساهموا في تكوين هويته الوطنية كما هي متبلورة حاليا في الدستور المغربي.

ونفس الأمر سينطبق على المنحدرين من روافد إفريقية، وعبرية، ومتوسطية. فكل مكون من هذه المكونات التي تتشكل منها الهوية المغربية، سيصبح من حقه أن يعامل من طرف الدولة على قدم المساواة مع المكون الأمازيغي، بأن تجعل له يوما خاصا به، لنحتفل به، ونعُدَّه عيدا وطنيا، وعطلة رسمية، فكم من عيد وطني سيصبح، وقتها، لدينا؟ وألا يشتكي البعض منا اليوم من كثرة العطل والأعياد الوطنية والدينية؟

الاحتفال برأس السنة الهجرية ليس خاصا بمكون واحد من مكونات الهوية المغربية، الذي هو المكون العربي، كما يزعم البعض، رأس السنة الهجرية مناسبة دينية يحتفل بها كافة المسلمين وجميع المغاربة، لأنهم كلهم تقريبا مسلمون، ولذلك لا يجوز اعتبار أن السنة الهجرية خاصة بالمغاربة من أصول عربية، كما أن الاحتفال برأس السنة الميلادية صار احتفالا أمميا، ولا يخص جهة مغربية محددة. الاحتفال بالأعياد الرسمية له طابع وطني، سواء كانت هذه الأعياد دينية، مثل عيد الأضحى، وعيد الفطر، أو كانت أعياد وطنية، مثل أعياد العرش، والاستقلال، والمسيرة.. إنها مناسبات يجتمع حولها المغاربة باختلاف أصولهم، وأعراقهم، وتدفعهم للشعور أنهم أمة واحدة، متماسكة، ومتضامنة، ولديها ثوابت تجمعها.

أما الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، فهذا أمر سيدفع للشعور بأن المناسبة عرقية صرفة، لأنها تخص الأمازيغ لوحدهم، وليس للمغاربة الآخرين حظ فيها، وإذا صارت لدينا مناسبات على أسس عرقية،  ستنتقل الاحتفالات بالمناسبات بين مكونات الهوية، إلى المطالبة بالمحاصصة العرقية في كل شيء، وستكون هذه أحسن وصفة لضرب الوحدة الوطنية، التي تمتع بها المغاربة طوال تاريخ دولتهم منذ عهد المولى إدريس الأول إلى يومنا هذا.

فالخوف كل الخوف هو أن الفتنة التي يشتغل عليها الغرب في المشرق العربي في صورتها السنية الشيعية، يريد أن ينقلها إلى منطقتنا في هيئة فتنة عربية أمازيغية. من حق الأمازيغ تنظيم احتفالات بمناسبة رأس السنة الأمازيغية، فحين يحتلفون بها لذواتهم، فلا مانع في ذلك، ومن الواجب على وسائل الإعلام العمومية وحتى الخاصة الاحتفاء بهذه المناسبة،ولكن فرضها بشكل رسمي ومن طرف الدولة على باقي المغاربة عيدا وطنيا، فهذا هو ما سيكون مجانبا للصواب، بل سيكون متضاربا حتى مع الدستور المغربي.

فلقد أصدر المجلس الدستوري يوم الخميس 28 أبريل 2016 قرارا يقضي بإلغاء انتخاب السيد ياسين غنموني عضوا بمجلس المستشارين لأنه  اختار (( اسم السوسية)) للائحة الانتخابية التي ترشح باسمها في دائرته الانتخابية. ورأى السادة قضاة المجلس الدستوري أن المطعون في انتخابه، باعتماده على كلمة (( السوسية)) تسمية للائحته الانتخابية، بما يتضمنه ذلك من إيحاءات ودلالات تمييزية، يكون قد خالف بالفعل أحكام  الدستور الذي نص في تصديره على تشبث المملكة المغربية (( بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة  تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية..))، وعلى حظر كل أشكال التمييز، بسبب الثقافة، أو الانتماء الاجتماعي، أو الجهوي، أو اللغوي، كما خالف أيضا أحكام الفصل الأول من الدستور فيما تضمَّنه من أن الوحدة  الوطنية متعددة الروافد تعد من الثوابت الجامعة التي تستند عليها الأمة في حياتها العامة.

إذا كان المجلس الدستوري قد ألغى انتخاب عضو برلماني بسبب أنه اختار اسم السوسية للائحته الانتخابية، وأمر برفض وجوده في البرلمان على أساس أنه وظَّف كلمة السوسية لصالحه في الحملة الانتخابية، فكيف سيقبل المجلس المذكور بجعل رأس السنة الأمازيغية برمتها عيدا وطنيا؟؟ من المرجح جدا أنه سيرفض ذلك، حرصا منه على المصلحة الوطنية العليا العابرة للقبلية وللعرقية، وبما يحصّن المغرب ضد الفتنة المدمرة.

كاتب مغربي