تعرف سر حب الرجال للسترات السوداء

أربعاء, 12/27/2017 - 16:38

في السطور القادمة، "تنسج" سارا كيتنغ خيوط قصة شغفنا الدائم بالأزياء ذات الحواف الحادة مثل السُترات أو البزات.

في حي "مايفَير" اللندني، يقع المتجر الخاص بشركة "هنري بول آند كو"؛ تحديداً في قلب شارع "سافيل رو"، الذي يشكل اسمه مُردافاً لأرقى أنواع وأشكال السُترات الرجالية.

وأُنشئِت الشركة عام 1806. وخلال القرن التالي لذلك، أصبحت صيحات الأزياء البريطانية ظاهرةً عالمية، وباتت سُتراتها الداكنة المُفضلة بمثابة نموذجٍ ومعيارٍ دولي معتمد. ولكن ما السبب في ذلك؟

إذا نظر المرء إلى أسعار بيع السُترات التي تُنتجها هذه الشركة، والتي تتراوح حول مستوى 5300 دولار أمريكي، فسيسهل عليه افتراض أن تفصيل هذه البزات التي تُحاك بالطلب، ليس سوى إحدى علامات الترف الذي لا يحظى به سوى الصفوة.

يمكنك أيضا قراءة: كيف تتغلب على رهبة مقابلات العمل؟

ولكن سايمون كَنْدي، المدير المسؤول عن "هنري بول آند كو" لا يتفق مع هذا الرأي. وفي معرض تفسيره للجاذبية المستمرة التي تكمن في ارتداء المرء لسُترة؛ يقول كَنْدي: "إنها زيٌ عملي. وما يزال الرجال يشعرون براحةٍ واطمئنان كبيريْن (وهم يرتدونها)، كما يسعدون لأن يكونوا في رداءٍ يلائمهم".

ويضيف بالقول: "الكثيرون في عالمنا ذوو عقلياتٍ عملية للغاية، وليس لديهم الكثير من الوقت للتسكع من متجرٍ لآخر، مُحاولين العثور على رداءٍ يناسبهم".

ويقر كَنْدي بأن شراء سُترات شركته "أمرٌ مُكلف"، ولكنه يقول إنه إذا حَسِبَ المرء هذه التكلفة على مدار عشر سنوات "وهي الفترة التي يُفترض بشكل عام أن تبقى السُترة خلالها صالحة للارتداء"، فسيجد أن ذلك يجعل سعرها معقولاً، في ضوء أن المدة الزمنية التي سيُستخدم المُنتج أثناءها، تشكل عاملاً منطقياً في تحديد السعر.

يمكن القول إن السُترات موجودة بتصميمها الأساسي للغاية منذ القرن السابع عشر، أما إذا نظرنا إلى شكلها المعاصر، فقد ساد اعتباراً من بداية القرن الماضي.

ومع أن شكل السُترة ما زال ثابتاً في جوهره، فقد تعدد وتنوع في مختلف أنحاء العالم بين الرجال من الصفوة أولاً، ثم بين المستهلكين العاديين بعد ذلك، وصولاً إلى انتشاره في نهاية المطاف بين النسوة اللواتي يروق لهن ارتداء نمطٍ مختلف من السُترات، التي يتم استخدامها في مكان العمل.

وترى فاليري ستييل مديرة معهد الأزياء التابع لمتحف التكنولوجيا بمدينة نيويورك الأمريكية أن السُترة تحظى دائماً بتأثيرٍ قويٍ لأنها "تشير ضمناً إلى الحداثة .. أعتقد أنها تبدو عصريةً وفعالةً في أداء وظيفتها. سيقول البعض إنها عملية، (ولكنني) أرى أن الأمر يتعلق بشكل أكبر بكونها تنطوي على إشاراتٍ ضمنية لمواكبة صاحبها للعصر ولارتدائه زياً عملياً، ولمكانته" في الوقت نفسه.

ولعل الوقت الآن قد حان للاستفادة من خبرة السير بول سميث، فهو ممن لديهم قدرٌ من المعرفة بشأن أصل التصميمات العصرية للسُترة، بالنظر إلى أن الكثيرين ارتدوا سُتراتٍ من تصميمه، بدايةً من أعضاء فريقيْ "بينك فلويد" والـ"بيتلز"، وصولاً إلى المغني والموسيقي دافيد بوي.

يمكنك أيضا قراءة: كيف تتميز عن الآخرين وتسوق مهاراتك؟

وخلال وجوده في مقر عمله الذي افتتحه عام 1979 في منطقة كوفنت غاردن بلندن، قال سميث: "أرتدي السُترة يومياً، حتى في عطلة نهاية الأسبوع .. إنني أجدها عمليةً بحق بالنسبة لي".

ويتذكر الرجل كيف كان مرتدو السُترة خلال الفترة التي بدأ فيها مسيرته في التصميم، ينحصرون في رجال الأعمال أو المدعوين إلى حفلات زفاف أو الذاهبين إلى جنازات أو إلى مقابلات توظيف. ولكن التصميم التقليدي للسُترة بدأ في التغير، بفضل جهود سميث وغيره من مصممي ملابس الرجال مثل جورجو أرماني.

ويقول سميث في هذا الشأن إنه تم تخفيف صرامة هذا التصميم التقليدي، مُشيراً إلى أنه تم "تخفيف بطانات الأكتاف، وجعل السُترة أكثر سهولة في ارتدائها"، لأن الكثيرين كانوا معتادين على ارتداء سُترات من قماش الدنيم القطني المزودة بسحاب، أو استخدام ملابس أخرى ذات طابعٍ غير رسمي بشكلٍ أكبر.

ويضيف أن بعض الشبان قد يأتون إليه بحثاً عن أقمشة مقلمة بلون أبيض كلون الطباشير، ولكنهم ربما يختارون في نهاية المطاف سُتراتٍ أخرى، ذات أقلام ليمونية اللون.

ولكن بالتزامن مع الجهود التي بذلها سميث لابتكار تصميماتٍ للسُترات، تجعل مرتديها متميزاً عن سواه، لم تفقد السُترة تقليدية التصميم بريقها.

ويعتبر مارتين بِل، المسؤول عن قسم الأزياء في مقرٍ ملكي سابقٍ يقع في مدينة برايتون البريطانية ويحمل اسم "رويال بافيليون" (الجناح الملكي)، أن السُترة تشكل "أداةً عظيمة للمساواة بين الناس. إذ تجعلك تنخرط في التعامل مباشرة (مع مرتديها)، بدلاً من أن تضطر لأن تفكر في خلفيته، أو في من أين أتى".

وتتفق فاليري ستييل مع هذا الرأي بالقول: "هناك شعورٌ بأنك إذا كنت ترتدي سُترة فإنك بذلك تلبس ما هو ملائمٌ (للمناسبة)، وهو أمرٌ شديد الأهمية بحسب اعتقادي".

وتشير ستييل في هذا الصدد إلى الجهود البحثية التي تقوم بها المؤرخة في مجال الأزياء آن هولاندر، التي ترى أن من بين أسباب استمرار جاذبية السُترة كزي لوقتٍ طويل، هو أنها تُضفي وبشكل مفاجئ طابعاً مثالياً على قوام من يرتديها، "وهكذا فمن خلال وضع بطانة فوق الكتف، وضبط أبعاد (الجسم) يمكنك خلق صورة لهيئة حسنة المظهر، مع حجب" الصفات الجسدية الأقل جاذبية بشكلٍ عام.

وفي فترة الحرب العالمية الثانية، كان لتبني هذا النمط من الملابس الذي يصلح ارتداؤه في مكان العمل، دورٌ مختلف. ففي أربعينيات القرن الماضي، عَمِلتْ النساء في وظائف كان يشغلها الرجال عادةً، وارتدين سُتراتٍ ذات خطوطٍ رجالية التصميم.

ويقول بِل في هذا الشأن: "كان ذلك مفيداً، ومفاده 'لنمضِ على طريق ما يجب القيام به'. فلأن الرجال على جبهة القتال، اختارت النساء السُترة (كزي). إنهن لم يلبسن السراويل وإنما التنورات. ومن هنا كان الأمر يتلخص في تكيف النسوة مع متطلبات العمل. إنه زيٌ مفيدٌ من الوجهة العملية، ولكن بوسعه أن ينطوي على ما هو أكثر من ذلك" بكثير أيضاً.

التماثل والانتظام

لكن هذا الاستخدام العملي للسُترة وإمكانية ارتدائها من جانب الرجال والنساء على حد سواء، اسْتُغِلا - بطبيعة الحال - عبر التاريخ لتأكيد السلطة والقوة.

فالثورة الثقافية التي شهدتها الصين عام 1966 مثلت محاولةً وحشيةً من جانب "ماو تسي تونغ" لصياغة شكل جديد للبلاد. فمثله مثل باقي الحكام المستبدين، أنعم "ماو" النظر في تفاصيل الحياة اليومية لمواطنيه، من قبيل ما الذي يقرؤونه أو يرونه أو يقولونه، بل وحتى ما الذي يمكنهم ارتداؤه كذلك.

وفي تلك الآونة، بات الزي المسموح للصينيين بلبسه، يُعرف باسم "سُترة ماو"، كما عُرِفَ باسم الزي الموحد لـ"صن يات-سِن"، نسبةً إلى د. صن يات-سِن، الذي يعد أول قائد ثوري عظيم ذا توجهات وطنية في الصين.

وكانت هذه السُترات تُحاك في ثلاثة ألوان، الأزرق للعاملين في قطاع الزراعة، والرمادي لمسؤولي الحزب الشيوعي، والأخضر لعناصر جيش التحرير الشعبي، وهو الاسم الذي يُطلق على الجيش في الصين.

وهنا يطرح السؤال نفسه؛ هل ما تزال للسُترة دورٌ لتلعبه في الحياة اليومية المعاصرة لشخصٍ يحيا في ظل حضارة غربية ديمقراطية؟

إذا استطلعنا رأي سايمون كَنْدي في هذا الشأن، فسنجد أن خلاصته هي أن ارتداء المرء لسُترة خلال قيامه بأنشطةٍ مالية واقتصادية، سيجعل الآخرين يشعرون بقدرٍ أكبر من الثقة والاطمئنان، حال التعامل معه على صعيد ضخ استثماراتٍ في مشروع ما، أو الالتقاء به لمناقشة إطلاق مشروع أخر مشترك.

ويعتبر كَنْدي ارتداء هذا النوع من الثياب "مؤشراً على ضَربٍ من ضروب الاحترام، (يشير إلى أنك) تبذل جهداً من أجل أخذ أمرٍ من أمور حياتك على محمل الجد".

أما مارتين بِل فيقول إنه لا يعتقد أن الناس سيكفون عن ارتداء السُترة في يومٍ من الأيام، مضيفاً: "أرى أنها قطعة ملابس رائعة التصميم. لا أظن أنها ستختفي أبداً، سواء كنا نرتديها يومياً أو في المناسبات فقط".

وكما يقول بول سميث في النهاية: "سيظل هناك دائماً مكانٌ للسُترة، سواء كنت في الثالثة عشر من عمرك أو بلغت المئة، وسواءٌ كنت نجماً لموسيقى الروك أو صبياً في المدرسة".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.