تحسُّن مناخ الأعمال: موريتانيا تتقدم 16 درجة في الترتيب العالمي ـ

اثنين, 06/19/2017 - 17:49

محمد عبد الله أحمد

يشكل تحسين مناخ الأعمال مشغلا هاما من مشاغل بلدان العالم، حيث تسعى الحكومات إلى ترقية الاستثمار الخصوصي بصفته  شرطا لا غنى عنه لكل تنمية مستدامة، وتتنافس الدول في جلب المستثمرين من جميع أنحاء المعمورة.

ووعيا بأهمية ترقية الاستثمار الخصوصي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، بادرت موريتانيا إلى تحديد جملة من المحاور الإستراتيجية ترتكز على تنمية القطاع الخاص وشراكته مع القطاع العام وتحسين مناخ ممارسة الأعمال. وفي هذا الإطار نظمت الحكومة منتدى خاصا بالاستثمار في قصر المؤتمرات بنواكشوط بتاريخ 26 يناير 2014.  ولدى افتتاح هذه المناسبة الاقتصادية الكبيرة أكد فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز العناية الخاصة التي يوليها لترقية الاستثمار حين قائلا:  »إذا كنت موريتانيا، بحكم موروثها الثقافي المحظري المعروف بإثراء عطائها الأدبي، قد اشتهرت بين الأمم بكونها بلد المليون شاعر، فإنها اليوم تستحق بجدارة أن يطلق عليها بلد المليون فرصة استثمار. وإننا في مورتانسا لعلى قناعة تامة بأن الاستثمار الخاص هو المحرك الحقيقي لأي نهضة تنموية يراد لها النجاح«.

إرادة سياسية تجسدت على صعيد الواقع

وفي هذا الإطار، أعطى الإطار الاستراتيجي المرجعي  (أي الخطة الوطنية للنمو المتسارع والرفاه المشترك) أهمية خاصة لتحسين مناخ الأعمال وترقية القطاع الخاص. كما عكفت الحكومة على برنامج طموح يجسد هذه الإرادة السياسة القوية على صعيد الواقع، حيث تم تنظيم الأعمال التجارية وترسيخ سيادة القانون والاستقرار السياسي والرفع من مستوى تكوين المصادر البشرية وتعزيز البنى التحتية وإنشاء منطقة حرة في مدينة نواذيبو.

 كما تمت المصادقة على إطار قانوني وجبائي محفز يتيح للمستثمرين الاعتماد في نظم الامتياز التي تمنحها مدونة الاستثمار، فضلا عن عصرنة القضاء ومحاربة الرشوة واعتماد الحكامة الرشيدة والتزام الشفافية في تسيير الشأن العام بما في ذلك انتساب موريتانيا إلى المبادرة العالمية للشفافية في الصناعات الاستخراجية. ومن أجل حماية الاستثمار الخصوصي وترقيته اعتمدت الحكومة آلية دولية للتحكيم والوساطة، فضلا عن  المصادقة على أزيد من 20 اتفاقية ومعاهدة دولية تتعلق بتأمين الاستثمارت وتنميتها.

ولتأطير العمل الحكومي ومتابعة تقدم نشاطات تحسين مناخ الأعمال  تم وضع خارطة طريق سنوية تستند إلى منهجية ممارسة أنشطة الأعمال "Doing Business" المصممة من طرف البنك الدولي لقياس جودة ونجاعة النصوص والإجراءات الناظمة لعمل المقاولات والصناعات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في 190 بلدا عبر العالم. وتعتمد هذه المنهجية عشرة مؤشرات هي: بدء تأسيس النشاط التجاري، تيسر استخراج تراخيص البناء، تسهيل توصيل المؤسسات بالكهرباء ذات الجهد المتوسط، تسجيل الملكية، توفير الائتمان، حماية المستثمرين ، دفع الضرائب، التجارة العابرة للحدود، إنفاذ العقود، تصفية حالات الإعسار.

وقد أسندت الحكومة تنفيذ خارطة الطريق هذه إلى القطاعات الوزارية والمصالح الإدارية المختصة وكلفت وزارة الاقتصاد والمالية بالتنسيق والمتابعة، كما أنشأت جملة من الآليات والمصالح الإدارية محّضتها لترقية القطاع الخاص وتيسير الإجراءات وتحسين مناخ الأعمال من بينها المديرية العامة لترقية القطاع الخاص بوزارة الاقتصاد والمالية والشباك الموحد لإنشاء المؤسسات التابع لها وكذا شباك موحد لتوصيل  الكهرباء وثالثا لتوحيد لإتاوات والرسوم عند الإيراد والتصدير.

موريتانيا تتبوأ محل الصدارة في الترتيبات العالمية

أن ما تم من الإصلاحات جادة في هذا المجال بوأ موريتانيا محل الصدارة في التصنيفات العالمية المتعلقة بتحسٌّن مناخ الأعمال حيث فازت بلادنا بالرتبة الإفريقية الأولى في مجال الحريات الاقتصادية والرتبة الخامسة في ترتيب الدول العشر الأكثر إصلاحا في العالم. كما تقدمت خلال السنتين الماضيتين ست عشرة درجة في الترتيب العالمي للبنك الدولي المعروف لدى المستثمرين باسم Doing Business.

 

وتطلعا إلى المزيد يتواصل العمل الحكومي حثيثا من أجل تحسين ممارسة الأنشطة التجارية والصناعية في البلاد وترقية القطاع الخاص سواء كان وطنيا أو أجنبيا. وفي هذا السياق شهدت سنة 2017 حزمة من الإصلاحات الجديدة أنجزتها الحكومة وفق مؤشرات تحسين مناخ الأعمال Doing Busines.

 

إصلاحــات 2017 لتحسين مناخ الأعمال

شهدت سنة 2017 حزمة من الإجراءات الجديدة من أبرزها تفعيل استخدام استمارة واحدة في الشباك الموحد الذي يجمع مختلف المصالح الإدارية المعنية بتأسيس المقاولات في مكان واحد، مما  مكن من إنشاء المؤسسات في أجل أقصاه 48 ساعة. والاستعدادات جارية للانتقال في أقرب الآجال إلى 24 ساعة كوتيرة عمل.

وقد تحققت هذه السنة إصلاحات عديدة أخرى من بينها المصادقة على قانون الحقوق العينية ونشر النصوص القانونية العقارية ورخص البناء وكذا نشر الأحكام القضائية على الانترنت.  كما تم تبسيط إجراءات التصريح والجمركة ودفع الرسوم وإلغاء وزن الحاويات والبضائع الواردة على الميناء بشكل يعزز القدرة التنافسية لميناء نواكشوط ويخفف التكاليف على وسطاء الجمارك وأصحاب السفن وشركات التفريغ من اختزال وقت إخلاء البواخر من الحاويات وإجراءات جمركة واستلام البضائع ومدة رُسُو السفن في الميناء الذي انخفض بأكثر من 47 ساعة شهريا حسب تصريح المستفيدين –راجع الشهادات). 

وقد استفاد المستثمرون من تيسير توصيل المؤسسات بالكهرباء ذات الجهد المتوسط وتقصير مدتها، فضلا عن تبسيط إجراءات التصريح لمؤسسات التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، بحيث لم تعد الشراكات ملزمة بالتصريح كل شهر (أي 12 مرة للسنة) لأن الإجراءات الجديدة أقرت التصريح كل ثلاثة أشهر (أي 4 مرات للسنة). كما أنه بإمكان المؤسسات التصريح عبر الأنترنت بواسطة تطبيق جديد أعده لهذا الغرض الصندوق الوطني للتأمين الصحي.

تلك أمثلة حية من إنجازات شاهدة، تندرج في إطار سياسة اقتصادية ليبرالية، تتواصل فيها الإصلاحات مما مكن من تحقيق مكاسب عديدة من بينها وضع إطار قانوني محفز للاستثمار، وتوفير الضمانات لدافعي الضرائب، بالإضافة إلى حرية تحويل الأموال، والنفاذ إلى المعلومات المتعلقة بالقرض، واعتماد آليات مستقلة للتحكيم من أجل حماية الاستثمارات والنفاذ إلى عدالة  تحمي حق المِلكية.

فرص استثمار كثيرة ومتنوعة

لقد ساهمت عوامل أخرى في هذا التطور الملحوظ  لتحسن مناخ الأعمال في موريتانيا من بينها موقع جغرافي متميز وموارد طبيعية وافرة ومتنوعة وبنى تحتية صلبة توفر فرصا للاستثمار  كثيرة ومتعددة المجالات. ذلك أن موريتانيا التي تشكل حلقة وصل بين الشمال الإفريقي وأفريقيا جنوب الصحراء، تطل على بقية العالم من موقعها الجغرافي المركزي على ملتقى الطرق البحرية العظمى بين أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين والشرق الأوسط. وهي كذلك تزخر بموارد طبيعية هائلة ذات احتياطي كبير قابل للاستغلال كمعادن الحديد والذهب والنحاس، والبترول، والغاز، إلخ. وتشكل موارد الاقتصاد الريفي فرصا كبيرة للاستثمار في قطاع بكر كالصناعات الغذائية والزراعية ذات القيمة المضافة العالية.  وتعتبر الشواطئ الموريتانية الممتدة على 700 كلم  من أغنى شواطئ العالم بالأسماك الجيدة، فضلا توفر البلاد على  137.000 هكتار صالحة للزراعة وملايين الرؤوس من الإبل والبقر والغنم.  وفي مجال السياحة تتوفر موريتانيا على مواقع طبيعية مسجلة ضمن التراث الإنساني العالمى وشواظئ نطيفة تشرق عليها الشمس طيلة أيام السنة و فضاء رحب يتعانق فيه امتداد الرمال الصحراوية بمد أمواج المحيط. كما ، الشعب المريتاني مضياف متعدد الثقافات ، راسخ العمق الحضاري، يعيش في بلد مستقر وينعم بسياسة أمنية تعتبر مرجعا و مثلا يحتذي به في دول المنطقة.

أما المنشآت فقدت تعززت خلال السنوات الأخيرة بحيث أصبحت موريتنايا تتمتع على مطارات دولية وطرق معبدة تربط بين المدن وبينها وبين البلدان المجاورة، وسد "دياما" على نهر السينغال ومياه آفطوط الساحلي، ووفرة من أنتاج الطاقة الكهربائية يصدر فائضها إلى دول الجوار. وتتوفر البلاد على ميناء معدني وميناء للصيد في نواذيبو وميناء تجاري دولي في نواكشوط بمقاييس عالمية، تلعب كلها دورا هاما في نشاطات التجارة الدولية وتستفيد منها الدول المجاورة غير المطلة على البحر. ويجري العمل حثيا على إكمال مشاريع عملاقة من بينها الخطة الطرقية الوطنية، ومشروع مياه الظهر وميناء "انجاكو" وجسر على نهر السينغال، إلخ.

ارتياح عام لدى المستثمرين

 إن هذه الإصلاحات الشاملة التي أنجزتها الحكومة في طرف وجيز ولدت ارتياحا عاما عبر عنه مختلف المستثمرين الوطنيين والأجانب (راجع الشهادات) لما تحقق من تبسيط الإجراءات ومنح التسهيلات ونظم الامتياز المتاحة ووضع إطار قانوني محفز للاستثمار، وتوفير الضمانات لدافعي الضرائب، بالإضافة إلى حرية تحويل الأموال، والنفاذ إلى المعلومات المتعلقة بالقرض، واعتماد آليات مستقلة للتحكيم من أجل حماية الاستثمارات والنفاذ إلى عدالة  تحمي حق المِلكية.

وتعكِف الحكومة على مزيد من تحسين مناخ الأعمال يبشر بآفاقٍ واعدة تجعل موريتانيا محطّ أنظار المستثمرين في العالم، بما تتميز به  من موارد طبيعية وافرة وبُنىً تحتية متنوعة وموقع جغرافي متميز تطل منه الموانئ الموريتانية على جميع أنحاء المعمورة.