عالم المراهقة.. العلاج بالتخصص!

خميس, 12/24/2015 - 08:12

  في زمن الانفتاح والعولمة التي أصبحت تلون حياتنا بالكثير من الأفكار والسلوكيات والعادات الجديدة نجد أنَّ مشكلات الكبار من الناضجين تقل أمام المشكلات والصعوبات والمخاطر التي تحيط بعالم المراهقين في محيط المدارس، ففي الوقت الذي تكثر فيه المنافذ الخطرة، التي تؤثر كثيراً على سلوكيات وتوجهات بعض الطلاب والطالبات، نجد أنَّ واقع المدارس في زمن العولمة والانفتاح ضعيف للأسف، ففي الوقت الذي تواجه المدرسة العديد من المشكلات السلوكية مع الطلاب والطالبات، نجد أنَّ الاعتماد في ذلك التوجيه وحل المشكلات الاجتماعية والسلوكية النفسية ملقاة على المرشد الطلابي أو المرشدة الطلابية، فهل يكفي أن تخصص المدرسة معلما أو معلمة يكون تخصصهما الدراسي في الجامعة بعيدا عن الدور الملقى على عاتقيهما عند ممارسة هذا الدور المتمثل في علاج المشكلات السلوكية لدى الطلاب والطالبات؟

ويشير الواقع الحالي إلى انَّنا على ما يبدو بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في وظيفة المرشد الطلابي والمرشدة الطلابية في المدارس، إذ انَّنا نحتاج بالفعل إلى اخصائي واخصائية اجتماعية ونفسية بدلاً من ذلك، فلماذا يغيب التخصص في الجانب النفسي والاجتماعي عن واقع المدارس في وقت أصبح هناك حاجة ماسة لمثل هذا التخصص العلمي؟، ولماذا تتكدس خريجات علم الاجتماع وعلم النفس في المنازل دون وجود وظائف، في وقت نحتاج فيه بشكل كبير إلى الاستفادة من هذه الكوادر في الميدان التعليمي؟.

سلوكيات خاطئة

وأشارت مريم عبدالرحمن -مديرة مدرسة- إلى أنَّ هناك حاجة في زمن العولمة والانفتاح إلى أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في المدارس، خاصةً في المراحل المتوسطة والثانوية، وهي المراحل الأكثر خطورة، نظراً لسن المراهقة، موضحةً أنَّ هناك مرشدات طلابيات، لكن –للأسف- لا يستطعن تأدية دورهنَّ في هذا الجانب بالشكل الذي يمكن أن تؤديه الأخصائية الاجتماعية والنفسية، حيث إنَّ الطاقم التعليمي أصبح يواجه الكثير من المشكلات في زمن الانفتاح يصعب الوقوف عليها أو حلها في كثير من الأحيان.

وبيَّنت أنَّ هناك موجةً من التقليد الأعمى في العديد من مدارس البنات، مُضيفةً أنَّ الطالبة تمر بظروف كثيرة منها ما هو أسري ومنها ما هو نفسي، موضحةً أنَّ المدرسة تواجه صعوبة في التعاطي مع الكثير من الحالات، كما أنَّه يصعب عليها ضبطها أو إيجاد الحلول اللازمة لها، مُضيفةً: "نحن في المدارس أصبحنا نخشى على الطالبات من كل شيء بعد موجة الانفتاح، التي أصبحنا نعيشها، فنحن نخشى على الطالبات عند خروجهن من المنزل وعند دخولهن إلى المدارس"، مُشيرةً إلى أنَّ العديد من المدارس أصبحت تشهد ممارسات وسلوكيات خاطئة من بعض الطالبات.

المدارس بحاجة لأخصائيين نفسيين واجتماعيين للتعامل مع السلوكيات الخاطئة للطلاب والطالبات

تنشئة أسرية

وأضافت مريم عبدالرحمن، أنَّ التنشئة الأسرية أصبحت ضعيفة، وبالتالي يصعب على المدرسة أن تواجه جميع تلك الضغوطات بمفردها، لذا فإنَّ وجود الأخصائية النفسية والاجتماعية أصبح من أهم الخطوات التي يجب أن يتم اعتمادها في التعليم، موضحةً أنَّ المرشدة الطلابية لن تستطيع حل تلك المشكلات وهي غير متخصصة، على الرغم من المحاولات التي تبذلها في هذا الجانب، ومنها زيارة بعض الطالبات في منازلهنَّ للحديث مع أسرهنَّ، لافتةً إلى أنَّ اختلاط الطالبة المتزوجة بالطالبات غير المتزوجات تُعدُّ من أهم المشكلات في المدارس.

وأوضحت أنَّ هذه المشكلة كان لها أكبر الأثر في تغيير تفكير وسلوك العديد من الطالبات، مشيرة إلى تجارب بعض الدول في منع اختلاط الطالبات المتزوجات بغير المتزوجات، مُضيفةً أنَّ هناك عددا لا بأس به من الطالبات المتزوجات في المرحلة الثانوية، كما أنَّ هناك من قد تكون أمّاً، لافتةً إلى أنَّ هناك كثيرا من المشكلات النفسية والسلوكية، التي تتطلب وجود أخصائية نفسية لعلاجها والوقوف عليها في العديد من المدارس، وهو ما يجب أن تسارع وزارة التعليم إلى تأمينه.

مبادئ علمية

ورأى د.أحمد السعد -اخصائي اجتماعي- أنَّ تأثير المشكلات الاجتماعية على الطلاب بات حقيقة، داعياً إلى تدخل فوري لحل تلك المشكلات والعمل على تقييمها، مُضيفاً أنَّ العديد من الطلاب يعانون من تأثير البيئة المحيطة بهم في المدرسة على مستوى جميع الفئات العمرية، ممَّا يجعل الأسرة على إدراك تام بما يحدث تجاه الابن، مشدّداً على أهمية الإرشاد والتوجيه والحرص على معرفة توجهات الطلاب وتقييم حالاتهم، إلى جانب عمل المسح الاجتماعي لجميع الطلاب لمعرفة احتياجاتهم ومشكلاتهم الأسرية، التي قد تؤثر على تحصيلهم العلمي وعلى تصرفاتهم.

وشدَّد على ضرورة وجود أخصائي خدمة اجتماعية أو أخصائية في المدارس، موضحاً أنَّ وجود شخص متخصص للتعامل مع مشكلات الطلاب بشكل نظامي ومهامه الوظيفية هي الإرشاد والتوجيه ويكون صاحب تخصص هو أمر بالغ الأهمية، نظراً لالتزام المتخصصين بالمبادئ العلمية في التعامل مع الحالات، إلى جانب استناد تلك المبادئ على نظريات وكتب علمية توضح الإجراء الأمثل والأفضل للتعامل مع الحالات، مُشيراً إلى أنَّه لا يمكن لشخص آخر غير متخصص أداء مثل هذه المهمة، نظراً لتطور بعض الحالات.

وأضاف أنَّ هناك بعض الحالات لا تتجاوب مع الخطة العلاجية وتتجه إلى أساليب أخرى، الأمر الذي يتطلب تغييراً في خطة العلاج وسرعة إيجاد الحلول وتعديل الأفكار السلبية لدى الطلاب والطالبات، مؤكِّداً على أنَّ الإرشاد دور مهم في منظومة التعليم، مُبيِّناً انَّ الإرشاد للطلاب أمر أساسي يجب تطبيقه منذ الصفوف الأولية وحتى مرحلة المراهقة، لافتاً إلى أنَّ المرشد الطلابي غير المتخصص لا يكفي ولا يسد الحاجة إذا ما أردنا تطوير منظومة التعليم بشكلٍ متكامل علمياً وتربوياً وفكرياً.

مشكلات سلوكية

ولفت د.السعد، إلى أنَّ الأخصائي الاجتماعي يعالج فكرا ويتعامل مع أفكار سلبية وإيجابية لدى الطلاب، داعياً الجهات المعنية في وزارة التعليم إلى تكليف المتخصصين في مجال الإرشاد، إلى جانب اقتصار توظيف المتخصصين في وظائف الإرشاد الطلابي، الأمر الذي يعكس جانباً تطويرياً في مخرجات الطلاب، مُضيفاً: "لعل واقعنا الحالي يؤكد لنا أنَّ المدرسة لم تعد فقط لتعليم القراءة والكتابة، لكون الطلاب والطالبات يقضون فترات طويلة مع زملائهم، الأمر الذي قد يؤثر على أفكارهم ويؤدي إلى انحراف البعض".

وأكَّد على أنَّ مشكلات الطلاب في المدارس بدأت تؤثر على الأسر، الأمر الذي يستدعي تدخل الأسر وبذل كثير من الجهود من أجل السيطرة على انحراف بعض الأبناء، مُضيفاً أنَّ من أبرز المشكلات السلوكية التقليد الأعمى والتفحيط وتعاطي المخدرات وغيرها من الأمور والسلوكيات السلبية المرفوضة، مؤكِّداً على أنَّ انتشار بعض السلوكيات السلبية نابع من عدم وجود التوجيه الصحيح لهؤلاء الطلاب، مُشيراً إلى أنَّه من الظلم توجيه اللوم هنا إلى المعلمين أو الهيئة الإدارية في المدارس؛ لأنَّ كل شخص من هؤلاء يجتهد في عمله بحسب تخصصه.

ودعا إلى تفعيل دور المتخصصين الاجتماعيين في المدارس وقصر توظيف الإرشاد على المتخصصين، وذلك للمساعدة في حل المشكلات الاجتماعية لدى بعض الطلاب والطالبات في المدارس، التي قد تؤثر على الأهداف الرئيسة، إذ انَّ هدف التعليم هو المخرجات التعليمية الكاملة، مُضيفاً: "لعلنا نستفيد من تجربة المنشآت الحكومية الأخرى، كوزارة الصحة، وذلك عندما قامت بتعيين متخصصين اجتماعيين للتعامل مع المرضى والمساعدة في استكمال الخطة العلاجية للمرض".

تأهيل نفسي

وشدَّدت د.زينب العايش -أخصائية نفسية- على ضرورة وجود أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في المدارس يكونون على قدر كبير من التأهيل والتدريب، مُشيرةً إلى أنَّنا بحاجة إلى تغيير كثير من المفاهيم والأفكار والقناعات، موضحةً أنَّ هناك –للأسف- اعتقادا خاطئا بأنَّ الأخصائي النفسي أو الاجتماعي إنَّما هو لعلاج المضطربين عقلياً، بينما للأخصائية الاجتماعية دور كبير في دراسة الحالة الاجتماعية وعلاقة الأب والأم ببعضهما البعض، فهي خاصة بالأسرة والمجتمع، في حين تقوم أيضاً بدراسة الحالة النفسية، وبالتالي فإنَّها أشمل في العلاج لأيّ حالة.

وأضافت: "نحن نحرص كثيراً –للأسف- على العائد المادي دون النظر إلى أهمية الرسالة التي نؤديها في ذلك العمل"، مُوضحةً أنَّ من البديهيات المُسلَّم بها أنَّنا في حال وجود أيّ مرض نعاني منه، فإنَّنا نرجع إلى الطبيب للعلاج، وذلك ما يتوجب علينا فعله في التصدي للضغوطات الاجتماعية التي نواجهها.

دورات تدريبية

ودعت د.زينب العايش، إلى وجود أخصائيين اجتماعيين ونفسيين في المراحل الأولى من التعليم، وهي المراحل الابتدائية والروضة، خاصةً أنَّ الأطفال الآن أصبحوا محاصرين بالتقنية، كما أنَّ الطفل أصبح منعزلا بجهازه الإلكتروني، في ظل انشغال أسرته عنه، حيث أصبحت الألعاب الإلكترونية لغة العصر، مبيِّنةً أنَّ هناك العديد من الخريجات في تخصصات علم النفس والاجتماع، إلاَّ أنَّه –للأسف- لم يستفد من هذا الكادر بالشكل الجيد، متسائلةً عن إمكانية توظيفهن في المدارس كأخصائيات اجتماعيات.

وأشارت إلى أنَّ الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم يحتاجون أيضاً إلى المتخصصة النفسية لمساعدتهم على تفهم الصعوبات في التعليم، مُضيفةً أنَّ من أهم المهام التي يمكن للأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات القيام بها في المدارس فيما لو أُتيحت الفرصة لهنَّ تنفيذ دورات تدريبية للمعلمات والأمهات والطالبات، وذلك للانطلاق في عمل التنمية البشرية، مؤكِّدةً على أنَّ الأخصائية الاجتماعية والنفسية ستعطي الدافعية للاهتمام بالمحيطين بها من خلال المعرفة وفهم الجوانب النفسية والعقلية والعلمية والثقافة المهني. نقلا عن الرياض