الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة(39) / المرابط ولد محمد لخديم

خميس, 11/19/2015 - 13:37

وهذا ما عبر عنه أبو إسحاق ألشاطبي بقوله:" إن هذه الشريعة المباركة عربية، والله تبارك وتعالى صرح بأن الحكم في الإسلام حكم عربي، كما قال تعالى في سورة الرعد:
 ﴿ وكذالك أنزلناه حكما عربيا﴾(142) ومعنى هذا أنه حكم نزل بلغة العرب ويجب أن لا يحاول فهمه إلا من حيث يفهم كلام العرب بدلالات كلام العرب.

ومن الجهل وقصر النظر أن يكون قصدنا من هذا الكلام المصطلحات المستحدثة في هذا العصر كعلاقة اللغة بالجنسية أو القومية ودعاوي الفصل ما هو قومي عربي وما هو مسلم لا قومي.على اعتبار أن اللغة مسألة قومية والدين رسالة سماوية تهم كل الذين يدينون به، بقطع النظر عن جنسياتهم وقومياتهم في سائر أقطار الدنيا، وبدت هذه الحجة كافية _ـ ظاهريا _ لبعض المتربصين بوحدة الأمة الإسلامية (143) كي يدقوا إسفين الخلاف والتعارض بين الإسلام ولغة القرآن، أو بين الناطقين بالعربية وغير الناطقين بها من المسلمين.

أكذوبة ربط اللغة بالجنس أو القومية:
          ويفند الدكتور أحمد بن نعمان هذه الحجة من خلال النقاط التالية:
          1_ إن اللغة ـ بالفعل ـ هي أكثر ارتباطا بالقومية من الدين بصفة عامة ومن الإسلام بصفة أخص لأنه دين للبشرية قاطبة كما هو معلوم، وأن الدين واحد، بينما لغات العالم متعددة، ولكن هذا الأمر إذا كان صحيحا بالنسبة للغات الأخرى، فإنه  غير صحيح مع اللغة العربية بالذات، لأنها مرتبطة بالإسلام ارتباطا عضويا" كما أسلفنا
        2_ـ إن هذا الوضع المتميز للغة العربية جعلها ذات وظيفة مزدوجة سيرتها بالمنظور القومي (ألائكي) لغة قومية للعرب وحدهم، لكنها بالمنظور الديني الإسلامي لغة قومية لسائر المسلمين. بقطع النظر عن جنسياتهم السياسية " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"(144)

ولا وحدة ثقافية حقيقية لأي أمة بدون وحدة حقيقية في دينها ولسانها.
       3_ـ الانتماء القومي لأي شعب في الدنيا لا يرجع إلى كون هذا الشعب منحدرا بالضرورة من عنصر أو عرق واحد، وإنما يرجع إلى الانتماء أو الاندماج الإرادي لهذا الشعب في الثقافة المتبناة، ولا دخل في هذه المسألة لخرافة السلالة والعرق التي أبطلها العلم فضلا عن الدين الإسلامي بالذات، الذي نهي عنه عن حمية الجاهلية الأولى.
      4_ـ إن أكثر من 90% من أفراد المجتمع العربي الحالي، أي المجتمع الإسلامي الناطق بالعربية هم خارج الجزيرة العربية، وبالتالي فهم مسلمون قبل أن يكونوا عربا. 

     وبعبارة أخرى فهم عرب لأنهم مسلمون وليسوا مسلمين لأنهم عرب، ولا عروبة ـ عندهم ـ بدون إسلام؛ أي ما كان للعالم العربي الحالي ولا للحضارة الإسلامية المعروفة في الشرق والغرب أن يوجدا لولا أمثال عقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، وعبد الرحمن بن رستم، ويوسف بن تاشفين، وابن تومرت.. وغيرهم من الذين عربهم الإسلام فأوجدوا ما يعرف اليوم بالعالم العربي، وبعبارة أخرى أدق العالم الإسلامي الناطق بالعربية(14

لقد أوردنا هذه الفقرة لنبين مدى تهافت الأفكار القومية الناتجة عن الغزوات الفكرية المدمرة والتي تظهر في آلاف الكتب والدراسات العربية. فزيادة على محاربة الإسلام باسم القومية (للائكية) لدى بعض العرب غير المسلمين, فإنك تلاحظ أيضا محاربة العربية ظاهريا باسم الإسلام، وباطنيا باسم النعرات العرقية والنزعات القومية، والسياسات..التي ظهرت كإحدى بواكر الغزو الفكري والثقافي لوحدة المجتمع الإسلامي. ومن غير المعقول أسلمة من يكره اللغة العربية ويحاربها حتى وإن تخفى وراء الشعارات المعروفة ”نحن مسلمون وكفى”، ونحن عرب ولا يهم أن نكون يهود أو نصارى أو مسلمين.
      والمخرج الوحيد لتفادي هذا الغزو الانشطاري المدمر لوحدة الأمة الإسلامية يمكن بوحدة اللغة إلى جانب وحدة الدين. ولذالك يجب أن توضع هذه اللغة فوق مستوى القوميات شأنها شأن كتابها المقدس القرآن الكريم..
        والآن عزيزي القارئ بعد أن عرفنا واقع العقل وعرفنا قدرته الإنتاجية وطريقته التفكيرية وأيقنا بوجود تشريع سماوي منزل من عند الله سبحانه وتعالى, عرفنا أن هذا العقل هو الذي اهتدى إليه, وانه لا يمكنه أن يستقل بمعرفة الله ولا أن يهتدي إليه إلا إذا صحبه في تطوافه الى تلك الغاية قلب, يتلقى عنه كل مدركاته فيحيلها عواطف وأحاسيس تشيع في النفس روعة وجمالا.
        ورأينا أن الإنسان عقل وعاطفة، فليس هو عاطفة فحسب ولا عقل فقط، بل هو الإثنان معا. والعاطفة هي المحرك، والعقل هو الموجه.. وهذا ما يقتضيه منهج الفطرة.

زيزي القارئ جميع الطرق الفكرية المؤدية إلى معرفة هذه الفطرة المركوزة في النفس البشرية وان هذه الفطرة التي فطر عليها الإنسان، بما عنده من غرائز وحاجات عضوية، دافعة إلى البحث والتنقيب عن الوسائل التي تروي وتشبع حاجاته وغرائزه، في فقه طبيعته أو عليه أن يفقهها..
       وأن العقلاء من الناس لايجدون صعوبة في رؤية مركوزية الفطرة من خلال أحوال الناس وسلوكهم، فالمريض الذي أضناه المرض، ويئس من الحصول على الشفاء، إلى من يلجأ ؟ والفقير الذي لايجد مايكفيه، ممن يطلب حاجته؟ والمكروب الذي ضاقت به الدنيا على سعتها،ممن يسأل الفرج؟