هايل الطالب يحلل جماليات النص التأسيسي الريادي لقصيدة النثر

خميس, 10/15/2015 - 17:04

يرى د. هايل محمد الطالب في كتابه "في المتخيَّل الأدبي مقاربات في النقد التطبيقي" الصادر عن مؤسسة أروقة بالتعاون مع نادي نجران الأدبي الثقافي، أن المباغتة، والمغايرة، والتحولات، هي ما يميز النص الأدبي، ويجعل الغوص في مخياله متعة قائمة على كشف الأمكنة غير المرتادة، وعلى ولادة الكتابة غير المستكينة، أي الكتابة التي تفاجئ المتلقي وتدهشه، وتجعل النص مرتبطاً بالمتعة لكون المنطق الذي يضبطه هو منطق كنائي، جمالي، لا يهدف إلى تحديد مقصد النص الأدبي.

من هنا يأخذ هذا النص صفة "البنية اللغوية المفتوحة" أي القابلة للقراءات المتعددة والمتنوعة والمتجددة، إنّه "ذلك الشيء الذي يشفي جراح الفهم" – حسب رأي نوفاليس - ويؤدي إلى الخيال الخلاّق، الذي لا يُنتج من مادة الواقع، بل يقدم للواقع صوراً أخرى تغنيه وتجمَّله، وأحياناً تصنع واقعها الخاص الذي لا نجده إلا في مخيِّلة المبدع، ذاك الواقع الذي نصدّقه، ونلوب في البحث عنه فلا نجده، إنه السراب الجميل الذي لا يُلتقط إلا في أحلام اليقظة الشعرية.

وانطلاقاً من هذه الرؤية، يقدّم د. هايل كتابه هذا في المتخيَّل الأدبي، ونضع حرف الجر "في" قبل عبارة المتخيَّل الأدبي، لأنها بحسب المؤلف "قراءة تزعم أنها ترتاد جوانب لم يتوقف عندها النقد الأدبي، وهي في الوقت ذاته لا تزعم إغلاق الباب وراءها، بل تبقيه مفتوحاً لقراءات أخرى مخالفة، كما أنها في الوقت ذاته مقاربات لنصوص معينة قد يرى غيرنا ارتياد غيرها أولى، وقد يكون محقّاً، ولكن هذه هي الطبيعة الإنسانية للأدب النابع من الاختلاف وأحياناً التناقض في الرؤيا، ولكنها في كل الأحوال لا تنفى ضرورة القراءة النقدية لأي نصّ أدبي مهما اختلفنا حول طبيعة هذا النص".

قسَّم د. هايل الكتاب إلى قسمين، القسم الأول توقف فيه عند المتخيَّل الشعري، وحاول فيه البحث عن جماليات أخرى في النص التأسيسي الريادي لقصيدة النثر عند اثنين من روادها هما محمد الماغوط وأنسي الحاج، من خلال التوقف عند مقولات فنية أساسية أغفلها النقد وتعدّ بنى أساسية في تشكيل شعرية النص لديهما، فوقف عند مقولات ضدية هي "الصعلكة والفروسية والسخرية" عند الماغوط، ومقولة "الأنوثه" بمعناها الجمالي عند أنسي الحاج.

بعد ذلك توقف عند مقاربة المتخيِّل الشعري من خلال تحليل البنية اللغوية والدلالية، فكانت مجموعة "كأني أرى" للشاعر عبدالقادر الحصني هي الميدان التطبيقي، ثم توقف عند قضية مهمة هي تغيّيب المتخيَّل الأدبي عبر إهمال التجربة الشعرية، من هنا يأتي دور الناقد في إحياء التجربة التي غيَّبها الإهمال أو القصور النقدي نتيجة استكانته وتركه مهمته في الكشف والتنقيب عن الإبداع، فكان أن توقف عند أمثلة على هذا التغييب، من خلال الوقوف عند تجربتين غيبهما الموت دون أن تنالا حقّهما النقدي تتمثلان في "موريس قبق" الذي أصدر ديوانه المهمل نقدياً عام 1962 دون أن يحظى بالعناية النقدية، والشاعر الأصم الأبكم رياض الصالح الحسين الذي يعدّ حالة فريدة في الشعر العربي، والذي قدم عددا من المجموعات الشعرية تشكل خطوة مهمة في حركة الشعر العربي.

ثم توقف هايل عند تجربة الشاعر جوزف حرب، هذه التجربة التي تنظر إلى الشعر على أنه مشروع حضاري إنساني، وعلى الرغم من أنّ الظلم الذي لحق بهذه التجربة هو أقل من سابقتيها، فإن هايل يزعم أن هذه التجربة – وهي من أهم التجارب الحالية في الشعر المعاصر- لم تحظَ بعد بالدراسات التي تستحق، ثم ختم هذا القسم من المتخيِّل الشعري بالوقوف عند النص الشعري الجديد من خلال تجربتين: تمام تلاوي وعبدالعزيز البخيت، في مقاربة للرؤيا للشعرية وتحليل لسلطة التراث على النص الجديد.

أما القسم الثاني فجعله د. هايل مقاربة للمتخيَّل الروائي، فوقف عند التكنيك الروائي عند الطاهر وطَّار، من خلال التحليل الدلالي للفظة الجسر في رواية "الزلزال" ثم توقف عند جماليات المتخيّل المكاني عند الروائية أحلام مستغانمي من خلال تحليل ضدية الحضور والغياب للمكان، وختم هذا القسم بالتوقف عند مقاربة المحظور في الرواية، من خلال تحليل طرق معالجة المحظور عند الكاتبات السوريات، معتمداً على التحليل الدلالي والثقافي.

وأكد د. هايل أنه إذا كان النص المبدع هو بطبيعته نصاً متمنِّعا لا يخلو من خفر يخفي أشياء كثيرة، فإنّ كل قراءة له هي مقاربة استكشافية تحاول أن تقول كل شيء ولكن هيهات أن تحقق ذلك، ومن هنا تكون إغواءات القراءات المتعددة والمتتالية متاحة دوماً، بل مطلوبة.

محمد الحمامصي

نقلا عن ميدل است أونلاين