الحج بالأطفال.. تفرغ للعبادة أم للحضانة!

جمعة, 09/25/2015 - 11:01

تحرص بعض الأسر على اصطحاب أطفالها خلال أداء فريضة الحج، وذلك رغبة منها في تواجدهم معهم في مكة المكرمة أو تلبية لرغبتهم، خصوصاً بعض الحجاج الذين يقطعون مسافات طويلة، فيما تجد أسر أخرى نفسها مضطرة إلى فعل ذلك لأسباب مختلفة، مثل عدم وجود من يرعاهم أثناء تواجد الأهل في الحج، وغير ذلك من الأسباب.

ويتعرض الأطفال في الحج إلى مخاطر عدة تتعلق بسلامتهم، إذ انَّ هناك احتمالية كبيرة في فقدانهم بسبب الازدحام الشديد، في ظل انشغال الأهل عنهم بالعبادة، كما أنَّهم قد يتعرضون إلى خطر الإصابة بالإجهاد وضربات الشمس، ولعل الهاجس الأكبر هو تعرضهم للعدوى، في ظل نقص مناعتهم للأمراض مقارنة بالبالغين، ويعكر الأطفال في كثير من الأحيان صفو فرحة والديهم في الحج، لأنَّهم يشكلون عبئاً كبيراً على الأسرة، إلى جانب أنَّهم قد يشغلون أهاليهم عن ذكر الله وعبادته بالشكل الأمثل، وهو ما يجعل الأهل يندمون على اصطحابهم لهم في رحلة الحج.

أمراض معدية

وعلى الرغم من نصائح وزارة الصحة بعدم اصطحاب الأطفال ممَّن هم دون سن البلوغ إلى الحج، إلاَّ أنَّهم يسجلون تواجداً لافتاً للنظر في كل عام، حتى انَّه يوجد أسر تصطحب معها أطفال لم تتجاوز أعمارهم بضعة أشهر، وأرجعت وزارة الصحة نصيحتها بعدم اصطحاب الأطفال إلى أمور عدة، ومن أبرزها: أنَّ الأطفال يكونون أكثر عرضة لفقدان السوائل من الكبار، إمَّا بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو أو بسبب قلة المياه التي يستهلكونها، كما أنَّ الإرهاق يتسبب في تعب الأطفال ويقلل من شهيتهم للطعام، إلى جانب أنَّ الطفل يكون معرضاً للضياع، وبالنسبة للعدوى فإن الأطفال أكثر عرضة لها، وهو ما يُهدد سلامتهم، خصوصاً في ظل وجود بعض الأمراض المعدية.

سوار المعصم

ومهما تكن مُبررات الأسرة في اصطحاب الأطفال معها إلى المشاعر المقدسة خلال فترة الحج، إلاَّ أنَّ هناك عددا من التعليمات والإرشادات التي لابُدَّ من الالتزام بها، ومن أهمها وضع سوار حول معصم الطفل يوضح فيه اسمه بالكامل ومكان إقامته ورقم الهاتف واسم الحملة، إلى جانب التأكُّد من استكمال الطفل للتطعيمات الأساسية، كما يُنصح أيضاً بإعطاء الطفل تطعيم جرثومة النزلة الدموية قبل (10) أيام من موعد السفر إلى مكة المكرمة، وعلى الوالدين أيضاً أن يحرصا على أن يكثر أطفالهما من شرب السوائل تجنباً للجفاف، مع ضرورة الانتباه لمسألة غسل يدي الطفل بين فترة وأخرى، إضافةً إلى الحرص على تقديم أكل نظيف للطفل.

مشكلات صحية

وينبغي على الوالدين الانتباه إلى وجود بعض المشكلات الصحية التي قد تهدد صحة الطفل، ومنها التسلّخات الجلدية بين الفخذين، حيث انَّ الوقاية منها تكون من خلال نظافة المنطقة وتجفيفها باستمرار، ومن الأساليب الوقائية ارتداء الطفل للكمامات، خصوصاً في الأماكن المزدحمة، وطالما أنَّ الوالدين اتخذا قرارهما وغامرا بإحضار طفلهما، فإنَّه ينبغي عليهما ألاَّ يهملانه وينشغلان عنه، وفي حالة إصابته بأيّ عارض صحي، فإنَّ عليهما مراجعة المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وعدم إهمال ذلك؛ حتى لا يتعرض الطفل لما لا تحمد عقباه.

حملات الحج

وأصبحت بعض حملات الحج تُشدِّد في الآونة الأخيرة على منع اصطحاب الأطفال، إلى جانب توثيق ذلك في العقود، لأنَّها تدرك جيداً حجم المشكلات التي قد تنتج من وراء تواجد الأطفال في الحج، وتعج المراكز الصحية والمستشفيات في موسم الحج بالأطفال الذين تعرضوا لأزمات صحية نتيجة الإرهاق أو الجفاف أو الدهس أو غير ذلك، وهو الأمر نفسه بالنسبة لمراكز إرشاد التائهين، التي تستقبل بشكل يومي العديد من الأطفال المفقودين، وهذه المؤشرات تجعل الوالدين يفكران أكثر من مرة قبل اتخاذ قرار اصطحاب الأطفال إلى الحج.

حضانات الأطفال

وتبرز فكرة إنشاء حضانات للأطفال بالقرب من المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، وذلك للتغلّب على هذه المشكلة، حيث ينتظر الكثيرون أن ترى هذه الفكرة النور ليستفيدوا من خدماتها، حتى لو كان ذلك بمقابل مالي، ويتطلع الحجاج إلى أن يبدأ العمل بهذه الحضانات، على أن تتم الاستعانة بمتخصصات من رياض الأطفال ممَّن يمتلكن المؤهل والخبرة الكافية في هذا المجال، إلى جانب إيجاد مترجمات أو معلمات من جنسيات مختلفة للتواصل مع الأطفال، في ظل تعدّد جنسياتهم.

وكان للدكتور أحمد مصطفى تجربة سابقة عندما اصطحب طفليه معه إلى الحج، حيث عانى كثيراً نتيجة ذلك، وقال: "كنت أدرك جيداً أنني سأواجه صعوبات كبيرة بسبب تواجد أبنائي معي أثناء أدائنا فريضة الحج، لكنني لم أختر ذلك وكنت مضطراً لفعله، فأنا أعمل طبيباً في المملكة وزوجتي وأبنائي معي، وأحد الأطفال يبلغ من العمر (10) أعوام، أمَّا الآخر فلم يتجاوز عمره الرابعة، وقد عانيت كثيراً، كما أنَّهم تعبوا أيضاً، خصوصاً الطفل الصغير".

وأضاف: "لا أنصح أيّ أسرة باصطحاب أطفالها أثناء موسم الحج، فالموضوع لا يتوقف عند حد تعبنا، بل إنَّ أضراره أبعد من ذلك، سواء من الناحية الأمنية أو الصحية".

زحام شديد

ويروي عبدالله السبيعي قصة ضياع ابنه في المشاعر المقدسة، وتحديداً بمشعر منى، قائلاً: "لا أعلم كيف وافقت على طلب ابني، الذي يدرس في الصف الأول الابتدائي بتحقيق رغبته في مرافقتي ووالدته لأداء مناسك الحج، فقد كدت أن أدفع ثمن غلطتي تلك غالياً، وذلك عندما فقدت ابني في ثاني أيام التشريق، في ظل الزحام الشديد عند الجمرات، حيث كنت أظن أنَّه مع والدته حينها، وهي كذلك كانت تعتقد أنَّه معي".

وأشار إلى أنَّه بعد مرور ربع ساعة تقريباً شعرا بفقدان ابنهما، مُضيفاً أنَّه كان حينها في حالة صدمة غير طبيعية، كما أنَّ والدته انهارت أيضاً، موضحاً أنَّهما بحثا عنه واستعانا برجال الأمن في البحث عنه، مُبيِّناً أنَّ أحد رجال الأمن جاء بعد ذلك بساعات يحمله من بعيد على كتفه –ولله الحمد-، لافتاً إلى أنَّه يستحيل أن يُكرِّر هذه التجربة في المستقبل مهما كلَّف الأمر.

وأكَّد محمد مسرحي على أنَّ حكومتنا الرشيدة لم تقصر أبداً مع الحجاج، كما أنَّها ذللت لهم كل الصعوبات ووفرت لهم كل سبل الراحة، إلى جانب صرفها مليارات الريالات على المشروعات الخاصة بالحج والعمرة، مُقترحاً توفير حضانات لرعاية الأطفال في المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، بحيث يتمكن الأهل المضطرون من إبقاء أبنائهم في مكان آمن، موضحاً أنَّ هذا المشروع سيساهم في إراحة هذه الفئة من الحجاج.

تأجيل الحج

وعلَّقت بدور القرشي على الموضوع بقولها: "لا يوجد مبرر لاصطحاب الأطفال إلى الحج، وأرى أنَّ الوالدين هما من سيتضرر في هذه الحالة، لأنَّهما سيظلان مشتتين بين العبادة ورعاية أطفالهما، ومن الأفضل إبقاء الأطفال لدى أهل أو أقارب والديهما، وإن لم تسمح الظروف فمن الأفضل تأجيل أداء فريضة الحج بدلاً من تعريض الأطفال لما يهدد سلامتهم وصحتهم، وأقترح أن تصدر الجهات المختصة قراراً بمنع اصطحاب الوالدين لأطفالهما خلال فترة الحج".

نقلا عن الرياض