مختارات أدبية من هنا وهناك

ثلاثاء, 08/11/2015 - 14:22

[4]

أنا امرأة …لم تشعر يوما بالأمان/ أَمَلُ الحارثيّ

 أنا امرأة عربيّة عاديّة، قد تكون حياتي بالنسبة للآخرين مثاليّة لا مشاكل فيها، لا ذكريات مؤلمة لي كغيري، لم أَتَعَرَّضْ يومًا للتّعنيف ولم أعرفْ معنى الفقر، مُشكلتي قد تبدو سخيفة لكثيرين ولكنَّها ليستْ كذلك بالنّسبة لي، لا أُعاني منها وحدي بل هي مشكلة الكثير من النّساء العربيّات، معضلة تمنَعُني مِن الاستمتاع بالحياة، وتُؤَثِّرُ سلبًا على عطائي لأولادي وللمجتمع، مشكلتي أنِّي امرأة لم تشعُرْ يومًا باﻷمان

منذ كنتُ طفلة وأنا أخافُ العنوسة، لم أَكُنْ على قدْر من الجمال كأخواتي، نظراتُ أُمِّي لي وخوفها مِن ألّا أَتَزَوَّجَ كانَتْ واضحة لا لَبْسَ فيها كنتُ أَعِيها على الرَّغْمِ من صِغر سنِّي، كانتْ تخافُ مِن مَصيرٍ يُشبه مصير خالتي التي ما إن تُوُفِّيَ جدِّي حتّى تَحَوَّلَتْ حياتُها إلى جحيم، رَفَضَ أخوالي بقاءَها في بيت العائلة وحدَها، لم يكنْ خوفًا عليها بقدَر ما كان خوفًا مِن كلام الناس، كانتْ تَتَنَقَّلُ بينَ بيوت أخوالي، تَحَمَّلَتْ الذلَّ والمهانة مِن زوجاتِهِم، لم تَعْرِفْ معنى الاستقرار حتّى توفّاها الله بعد صراع معَ المرض.

بحمْدِ اللهِ لم ألْقَ مصيرَ خالتي نفسَه وتزوَّجْتُ مِن قريبٍ لنا، كنتُ أظُنُّ أنّني سأنْعُمُ بالأمان، بعدَ أنْ غَرَبَ شبحُ العنوسة عن وجهي، ولكنْ بَدَأَ شبحٌ آخر بالظّهور، شبحُ العقم، مَرَّتْ فترة ليستْ بالقليلة، وأصبحَ الجميع يتساءلُ، وَبَدَأْتُ أسمعُ تعليقاتٍ مِن أهلِ زوجي ومِنْهُ، لم أَنَمْ لياليَ طويلة وأنا أدعُو الله أنْ يَرْزُقَنِي، بَدَأْتُ أخافُ مِن مصير عمَّتي التي تَزَوَّجَ زوجها بأخرى وأُهْمِلَتْ أو جارتنا التي عادتْ مُطلَّقة؛ لأنّها لم تُنْجِبْ.

بعدَ تعبٍ وجُهد وعِلاج مَنَّ اللهُ عليّ بابنتي الغالية، كانتْ فَرْحَةَ العمر لي ولوالدها، لكنَّ وُجودَها لم يُشْعِرْني بالأمان الذي حَلُمْتُ به، فهناكَ شبحُ ألَّا أُنْجِبَ ولدًا يحملُ اسم العائلة المصونة بَدَأَ يلوحُ في الأفق.

سنوات طويلة مَرَّتْ وأنا لا أعرفُ سِوى بيتي ومركز العقم والطبيب، بعدَ ثلاث بناتٍ… أَتَى الولد.

ولكنِّي أيضًا لم أشْعُرْ باﻷمان، فشكلي تَغَيَّرَ، كَبُرْتُ وَهَرِمْتُ، وزادَ وزني بسبب العلاج المتكَرِّر للحَمْلِ.

كلُّ ما حصلَ أنَّ خوفي مِن المُستقبل زادَ وازدادتْ معه مسؤوليّاتي وانشغالي عن زوجي الذي أصبَحَ يَضِجُّ مِن البيت ويستغلُّ كلَّ فرصة للهروب منه، ليظهرَ لي شبحٌ جديدٌ هو الخوفُ مِن الزوجة الثانية الصغيرة الجميلة التي لا تَشْغَلُهُ بطلباتِ الأولاد ولا يجدُها مرهقة بعد عودته للبيت.

كيفَ أَشْعُرُ بالأمان وأنا أرى نماذجَ مِن نساء أفْنَيْنَ أعمارَهُنَّ في خِدمة الزّوج والعائلة وكانتْ مكافأتُهُنَّ زوجة ثانية أصغر بعُقُود؟! كيفَ أشعرُ بالأمان وأنا أرى المرأة المطلَّقة يُلْقى بها خارجَ منزلها بعد عمرٍ من دون تقاعد أو تأمينٍ صحيٍّ أو بدل نهاية خدمة؟! تخرجُ مِن المنزل كما دَخَلَتْهُ، اللهمَّ بعد أنْ وَصَلَتْ إلى سِنٍّ يجبُ أن تُقَدَّرَ فيه لا أنْ تُذَلَّ.

قِصَّةُ أُمِّ كمال  ـ كَتَبَتْها:أَمَلُ الحارثيّ

                             نقلا عن مجلة المرأة العربية