الحوثيون.. من الثقة الحذرة.. إلى الثقة الخطرة

جمعة, 04/30/2021 - 22:52

منى صفوان

كيف يفكر الاخر، هل اهتمت الأطراف الأخرى بالإجابة على هذا السؤال ، هل هناك رغبة حقيقة للتقارب، لذا حين نتحدث عن توحيد جبهة الحرب ، وتقبل الاخر، يكون رد الفعل الأول ان الحوثيين لن يتقبلوا احدا، وبنفس الوقت يكون رد فعل الحوثيين كيف نثق بانهم  قطعوا علاقتهم بالعدوان  فعلا.

فهل المشكلة فقط في الحوثيين..الإجابة السريعة.. نعم.

 فقط لأنهم الان الأقوى والأكثر حضورا ، وربما هم أصحاب القرار المؤثر داخليا وخارجيا “لحد الان”  ، لكن كيف يفكر الحوثيون؟ ….

لفهم وتحليل ذلك، نحتاج  أولا ان نقترب فعلا من بعضنا، من انفسنا، اشياء كثيرة تغيرت خلال هذه الحرب ..ثوابت كانت راسخة  علاقات متينة ، وتحالفات قديمة. كلها تغيرت

لذلك من كانوا في 2014 لم يعودوا هم في 2019..  فما بالك بمن كانوا في 2011 او 2007 او 1990

اذا..هل يقبل الحوثيون الاخر!

هذا هو السؤال الكبير يعني هل هذه جماعة تريد حكم اليمن فعلا ، هل هذا هدفها، وهل تريد حكمه  منفردة، ألديها القدرة على مشاركة الاخر.!

كما يتضح ان جماعة انصار الله الحوثية ، جماعة بحسب تركيبها وتكوينها العقائدي أولا قبل القبلي، يصعب عليها الذوبان في تجمعات سياسية أخرى، انها نواة مغلقة ومتماسكة، ولكن هذا لا يعني انها غير قادرة على عقد التحالفات السياسة، وتقبل الأخر.

التقبل بحسب المرحلة

لكن التقبل الذي تفهمه في هذه المرحلة، يختلف عن التقبل الذي كان قبل الحرب في مؤتمر الحوار ، وسيختلف عن التقبل الذي سيبدو عليه بعد انتهاء الحرب والتهديد الخارجي.. لماذا  نولي هذه الأهمية للتوقيت.

لانه لا يمكن فصل المؤثرات الخارجية على تركيبة وطريقة تفكير هذه الجماعة “الصماء ” التي ستبدو الان اكثر انغلاقا مما سبق ، من مرحلة مؤتمر الحوار مثلا، لان هذه المرحلة حرجة ومفصلية، ولا يمكنها اخذها بخفة.

فهي لن تسمح باختراقها تحت دعوى المشاركة ، ولن تسمح بمشاركة القرار العسكري تحت دعوى التحالف .

 انها مرحلة مفصلية لجماعة كانت كل الفرص لصالحها وهي احسنت استغلال هذه الفرص ، ووصلت إلى حكم مناطق في اليمن لم تكن تحلم بها، وان تصبح هي السلطة الموازية ، والند لتحالف إقليمي.

لذلك هي مغلقة، ولن يكون التحالف معها سهلا في هذه المرحلة ، إضافة انها لن تثق بأحد مجددا خلال هذه المرحلة ،وتعيد تجارب فاشلة.

خاصة بعد ان استغل صيادي الشهرة والثروة طموح الجماعة الناشئة،  ورغبتها بأن تقدم نفسها بصورة جيدة للمجتمع ، ففتحت ذراعيها لافراد من خارجها، مثلوها في مؤتمر الحوار ، او في أعضاء  حكومة مشتركة مع المؤتمر الشعبي العام.

 فانتهت مصالحهم منها ،فقاموا باستغلالها للظهور، ومن ثم باعوها بإعلان الانشقاق عنها، فاستفادوا منها اكثر مما استفادت منهم .

وليس الانشقاق هو ما تخشاه جماعة بأرضية صلبة كهذه، تستند على حلف قبلي -عقائدي وليس ظهور إعلامي – سياسي .

انها تخشى فقط الصورة التي ستصدر  وتثبت عنها، كونها دائرة ينفض عنها المنتمون لها، او انها بيئة طاردة،  وهذا يضعف صورتها، كما انه ليس حقيقيا .

لذلك يمكن القول ، ان جماعة مغلقة كهذه تشعر بالخيانة ، ومازالت في وضعية الدفاع ،ولا تثق بمن حولها ، فهي قد   اعطت ثقة محدودة لأفراد من خارجها، فاستغلوها، وغدروا بثقتها بهم، لذلك فهي اكثر حذرا من مسالة الاقتراب، او إضافة عناصر جديدة، او السماح بافراد غير منتمين لها عقائديا من تمثيلها.

لذلك  فقدرتها على الانفتاح على الاخر، هي قدرتها على السيطرة على الوضع ، فهي في مرحلة تقلق فيها من المنتمين لها، فكيف بالقادمين الجدد .

وهذا امر طبيعي جدا، في تاريخ تكون الجماعات السياسية ، من جماعات سرية إلى علنية ، وبنظرة اكثر موضوعية ،فان جماعة نشأت في ظروف حرب، وكبرت بالحرب ،لابد ان ظروف تكونها غير طبيعية ، فهي لم تمر بالمراحل الطبيعية لتكون الجماعات السياسية ، سواء في العمل السري او العلني ،فهي منذ اللحظة الأولى وجدت نفسها متهمة ، ومحاربة وعليها الدفاع عن نفسها.

الوضعية الدفاعية

هذه الوضعية الدفاعية ، لجماعة فكرية حملت السلاح ، ستنعكس دائما على كل قراراتها ، وسلوكها السياسي . وتبعا له تحالفاتها..

هذا يعني ان كل ما هو خارج جماعة الحوثي هو الاخر ، فهناك الاخر الصديق والمناصر ، والآخر الخصم الشريف ، والاخر العدو اللدود. فالاخر طبقات ودرجات.. والمعرفة ليست على قدر الثقة بل على قدر الحاجة.

وان كان من الصعب عليها الذوبان في تجمعات سياسة أخرى ، ولا يمكن لاي تيار سياسي  الذوبان فيها ، فهل فشلت فعليا بعقد تحالفات سياسة ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتفق انه ليس مطلوبا من جماعة الحوثي الذوبان في تيارات أخرى فكرية او سياسة ، لا نريد منهم ان يكونوا علمانيين مثلا، او يسارين، او سلفيين .

 فان اتفقنا ان من حق كل مجموعة او مكون او تيار الاحتفاظ بخصوصيته، ومن حقه ان يتوفر مناخ الاختلاط الذي يضمن له التعبير عن نفسه وخصوصيته  ،فان اتفقنا على ذلك يمكن ان ننتقل للخطوة التالية، ونجيب عن تساؤل ” هل فشل الحوثيون بعقد تحالفات سياسية! “

الإجابة مباشرة وبدون تحايل هي.. نعم، لقد فشلوا في ذلك.

 ولكن فشلهم يعني انهم حاولوا ، بل انهم كانوا فعلا يرغبون في ذلك ، لقد طمحوا ان يكونوا جزء من اللعبة السياسة قبل ان تنفض الطاولة ويجدوا أنفسهم وحدهم فيها.

فشلوا في ان يكونوا جزء من السلطة ، إضافة لعصبة الحكم، وعصبيته، وهناك أسباب متعددة للفشل، منها الموضوعية والذاتية، فإن لا ترغب عصبة الحكم بإضافة منافس جديد هو سبب موضوعي ، والتعنت وعدم القدرة على إظهار المرونة هو سبب ذاتي متعلق بتركيبة هذه الجماعة اليمنية.

 اذا  سنبدأ في الحديث عن أسباب هذا الفشل، ولكن هذا لاننا نريد ان نفكر معا كيف يمكن تحويلها إلى أسباب نجاح..

فهي اسباب يشترك فيها الجميع ، لان الجميع فشل في عقد تحالفات سياسية ثابتة، خلال هذه الحرب. وهذا يؤكد انك هناك معضلة كبيرة في الحياة السياسية اليمنية.

لنبدأ بجماعة الحوثي أولا، لسبب بسيط، لانها الأقوى،،ليست أقوى فقط من خصومها المحليين، بل حتى من القوة العسكرية اليمنية للنظام السابق والتي جاءت الحرب السعودية لتدمير هذه القوة.

 وهي ايضا الجماعة الأكثر تماسكا وسيطرة “لحد الان “، وفشلت محاولات شق صفها ، ويبدو  للمراقب انها جماعة فتية، نشات في الهامش السياسي ، وجاءت من خارج السلطة ،ثم ازاحت هذه السلطة، وأصبحت هي السلطة، حيث لا دولة حقيقية في اليمن ، وإنما نفوذ سلطات وتحالفات ،وهذا صحيح إلى حد كبير  .

اذا سلطة الحوثيين اليوم، تحكم حكم فرديا، دون تحالف سياسي حقيقي،  بعد انهيار تحالفها مع مؤتمر علي عبد الله صالح ، وتواجد حزب المؤتمر الشعبي العام الان ،هو تواجد هامشي “بعد مقتل الرئيس علي عبد الله صالح” .

فمقتل (صالح ) ليس حدثا عابرا في الحديث عن التحالفات ، انه يعني ان الثقة “الحذرة”  انهارت من قبل الجانبين ، وليس فقط من قبل الحوثيين بل من قبل  المؤتمر ايضا  ، واصبحت هناك بدلا منها الثقة.. “الخطرة” لكلا الجانبين.

فأي ثقة بالطرف الآخر الان، هي مخاطرة لا يتحملها اي طرف لانها ستكون مخاطرة قاتلة ،  ومن الأفضل ادارة الحرب والسياسة وحتى المفاوضات بدون شريك.

لذلك هناك الان مناصرين للانصار ، ولكنهم من وجهة نظر الأنصار ليسوا انصارا،  اي ليسوا حوثيين،  او حلفاء وشركاء، فلن تسمح الجماعة ان تتكرر تجربة انتفاضة صالح.

في الطرف الاخر، هناك ايضا ازمة ثقة بجماعة الحوثي، من قبل شريكها السابق الذي ينظر لها بانها قتلت حليفها،  وربما هي من دفعته لإعلان الانتفاضة ضدها، بعد ان همشت دور وحضور حزب اعتاد ان يحكم اليمن وحده.

  بعيدا عن التفاصيل، التي لن يفيد سردها أحد  ولن يرضي أحد ،فان في المحصلة لدينا ثقة منهارة ، فليس هناك ازمة ثقة ، بل الأصح.. انه لم يعد هناك ثقة.

كاتبة يمنية