عامل جديد يصبّ لصالح المعارضات العربية

أحد, 04/11/2021 - 10:39

كثيرة هي التحولات والتطورات التي تشهدها الألفية الجديدة، أو لنقل مرحلة ما بعد اندلاع الربيع العربي، والتي أرهقت وترهق، وسترهق أعصاب الأنظمة، وتصب في صالح قوى المعارضة بمختلف ألوانها.

وإذا كانت الثورة التكنولوجية، ومن ضمنها مواقع التواصل الاجتماعي؛ هي التطور الأبرز في هذه المرحلة، حتى سمّى البعض الثورة المصرية بثورة "الفيسبوك"، فإن هناك تطورا يرتبط بها ارتباطا عضويا، ويجعلها أكثر تأثيرا بكثير. ويتمثل هذا التطور بما يسمّيه البعض "معارضة خارجية"، ومن ضمنهم مهاجرون كثر لا تعنيهم فكرة العودة.

وإذا قيل إن هذا اللون من المعارضة كان موجودا من قبل، فإن الرد على ذلك يكون من شقين؛ الأول أن عدد الأنظمة التي كانت تواجه هذا اللون من المعارضة لم يكن كبيرا، إذ كان أكثرها يستوعب معارضيه في الداخل، وبالطبع ضمن حالة من التدجين في أغلب الأحيان.

ونتذكر كيف أن تلك المرحلة قد شهدت ميل الإسلاميين، وهم القوة الأكبر في الشارع إلى المشاركة السياسية في البرلمانات، والتي كانت محسوبة ومدروسة ومدجّنه، ولم تسفر سوى عن تأكيد الأوضاع القائمة من دون تغيير يذكر. كما أن الأنظمة التي كان لها معارضون في الخارج، ما لبثت أن بدأت حوارات معهم (سمّي بعضها مراجعات) لإعادتهم إلى البلد، كما حدث في ليبيا والجزائر، ولم يتبق عمليا سوى قلة من معارضي النظام السوري، والذين كانوا يوعدون بوساطات مع النظام من أجل العودة، وإن تعنت فيها بشكل واضح. أما الحالات الأخرى، فكانت فردية وفي الحدود الدنيا، إذا استثنينا المعارضة ذات البعد المذهبي، كما في العراق والبحرين.

الشق الثاني من الرد على مقولة أن هذا اللون من المعارضة كان موجودا من قبل، هو المتعلق بحجم التأثير.

صحيح أن بعض تلك الألوان من المعارضة كانت موجودة، إلا أنها كانت محدودة التأثير إلى حد بعيد، قياسا بزمن "الواتس". ذلك أن تواصل معارضي الخارج مع الداخل كان محدودا، وكانت البيانات التي تتسلل إلى بعض أجهزة "الفاكس" هي المتاحة، إضافة إلى بعض الفرص للتواصل الإعلامي عبر بعض القنوات الدولية، وهي نادرة ومحدودة.

وحتى ظاهرة "الجزيرة" التي اكتسحت الفضاء العربي منتصف التسعينات، لم تكن تشمل جميع الأنظمة، إذ كانت تركّز على دول دون أخرى. وحتى حين كانت تفتح منابرها، لم يكن من السهل العثور على معارضين من الوزن المقنع والكبير كي يظهروا على شاشتها، ويتجاوزوا الخطوط الحمراء.

اليوم يبدو المشهد مختلفا إلى حد كبير، فالمعارضة الخارجية باتت حاضرة لمواجهة قمع معارضة الداخل والسيطرة على مواقع التواصل عبر قوانين الجرائم الإلكترونية، وعبر أشكال الاستهداف الأخرى. كما أنها تتحدث بلا سقف، وتلامس توجهات الشعوب، كما تقدم معلومات مهمة تحصل عليها من خلال التناقضات داخل الأنظمة ذاتها.

هكذا تلتقي معادلة مواقع التواصل وتطبيقات "الموبايل" المؤثرة جدا في الداخل، مع وجود معارضين في الخارج.. تلتقي على جعل حياة الأنظمة صعبة، بخاصة تلك التي تتناقض مع توجهات شعوبها في الإصلاح السياسي والاقتصادي، ولم يعد الحل ممكنا عبر الضغط من أجل إسكات الفضائيات، ذلك أن تواصل المعارضين مع الناس من خلال مواقع التواصل وتطبيقات "الموبايل" صار أكثر تأثيرا من الفضائيات التي بدأت تفقد سطوتها وحضورها.

والنتيجة أنه ما لم تنسجم هذه الأنظمة مع توجهات شعوبها، فإن حياة نخبها ستكون صعبة، بل بالغة الصعوبة، حتى من دون اشتعال الاحتجاجات، فكيف وهذا اللون من المعارضة والتحريض، سيؤتي أكله بالضرورة بمرور الوقت، وسيُخرج الناس إلى الشوارع من جديد؟!

واللافت أن هذا اللون من المعارضة قد أخذ يشمل كل الأنظمة، بما فيها الأنظمة الملكية والوراثية، مع صعوبة مساواة الجميع؛ إن كان داخل الإطار الأخير، أم بين البقية، فهناك أنظمة لها معارضون بعشرات الآلاف أو أكثر كما في الحالة المصرية، فضلا عن الملايين كما في حالة النظام في سوريا.

ولا يتعلق الأمر بالقضايا القُطرية وحسب، بل يتجاوزها إلى قضايا الأمة الكبرى، والتي أثبتت فيها الجماهير حيوية استثنائية أيضا، بخاصة تلك التي تعيش في الخارج، ولا حدود لسقفها.

في عدد من معارك الأمة الأخيرة؛ ضد المطبّعين، وضد غطرسة ماكرون، وضد رموز ساقطة تشجّعها أنظمة مراهقة؛ أثبتت مواقع التواصل ورموزها في الخارج حيوية استثنائية، وقدرة لافتة على التأثير، ما يؤكد من جديد أن التقليل من شأن الكلمة عبث، وأي عبث، ولو كانت بلا تأثير، لما أنشأت الأنظمة "جيوشا إلكترونية" لمواجهتها، بجانب دفع الأموال الطائلة لتمويل إعلام مضاد، لم يسجّل أي نجاحات تذكر.