الاستعمار الفرنسي والأسامي القدحية للأشخاص

أربعاء, 12/02/2020 - 13:44

إذا استعرضنا، من خلال كنانيش الحالة المدنية، تسميات الأشخاص، لاحظنا وبكثير من الحنق أنها تبدأ بألقاب، في عمومها، أسماء وصفات لحيوانات وحشرات وجمادات وعاهات أو أماكن عفى عنها الزمن قبل أن تقرن بالأسماء الشخصية لأصحابها عنوة، حتى تترسخ لدى الجماعة أو القبيلة أو الفخذة مناداة الأشخاص بألقابهم لا بأسمائهم الشخصية؛ على شاكلة: آسّفري؛ آلمقروطي؛ آلخمار؛ آلعور؛ آدّيب؛ آلفكروني؛ آلبوهالي؛ آبورجيلة؛ آلعتروس؛ آبوعزا؛ آلمضروبي آبوحنشة؛ آبورمانة؛ آبوتفليقة؛ آلمخروطي؛ آجّن؛ آبوكدرا...

كما لاحظنا أن هذا التقليد انتقل إلى كثير من شعوب شمال إفريقيا، بعد انعتاقها من ربقة الاستعمار، نخص من بينها البلدان المغاربية كتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا؛ بيد أن اللافت في الظاهرة هو الضرر النفسي الذي ألحقه المستعمر الفرنسي بالرعايا الجزائريين خاصة، يوم أن أصدر قانونه الميز عنصري "فرق تسد"، بموجب قانون الحالة المدنية سنة 1883، والذي كان يقضي بتنظيم ألقاب المواطنين الجزائريين واستبدالها، بعد أن كانت في تركيبتها قبل الاحتلال ثلاثية ورباعية أو خماسية.. ومن ثمّ، وضعت السلطات الفرنسية، وبتواطؤ من الخونة، ألقابا للأهالي الجزائريين مشينة ونابية، إمعانا في إذلالهم وتحقيرهم؛ بعضها نسبة إلى أعضاء الجسم والعاهات الجسدية.. كما ألحقت ألقابا أخرى نسبة للألوان والفصول وأدوات الفلاحة وأدوات الطهي؛ من قبيل : بوراس؛ بوبغلة؛ بوذراع؛ بوكراع؛ بومنجل؛ بومعزة؛ لطرش؛ لحْمار؛ بودبزة...

الاسم العائلي والاسم الشخصي

من خلال استعراض كرونولوجيا سجلات الحالة المدنية بالمغرب، سنعثر على فترة امتدت من بداية الخمسينيات من القرن العشرين وحتى أواخر العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، كانت فيها البطاقة الشخصية تحمل اللقب (الاسم العائلي) ثم الاسم الشخصي لحاملها، إلا أن هذا العرف الإداري لم يكن ليشمل جميع المغاربة، بل كانت هناك طبقة من الأفراد والعائلات تم استثناؤها من هذا العرف. وبذلك، نصت بطائق أصحابها على الاسم الشخصي أولا، متبوعا بالاسم العائلي ثانيا، مثال: عبد الرحيم القباج؛ كريم بناني؛ أمينة الغساسي .. في نفس الفترة كنا نجد: الحمامصي محمد؛ البلعوني سعيد؛ بوغرفة عبد الرحيم... وقد امتدت هذه النظرة الميزية بالمشرع المغربي آنذاك إلى تبنيها في جميع الوثائق الإدارية والثبوتية ذات الصلة بصاحب البطاقة، ترافقه في المدرسة والمصنع، كما تصاحبه في المهجر، وهي نظرة ازدواجية للمخزن تجاه المغاربة، تبعا لأعراقهم وأصولهم، ما زالت متأثرة بالسياسة الاستعمارية وتبنيها لمبدأ "فرق تسد".

ولئن كان المرسوم الأخير المتعلق بالحالة المدنية الصادر في أكتوبر 2002 رقم 37.99 ينصّ على حق المواطن في تغيير اسمه العائلي فإن ذلك يخضع لإجراءات إدارية جد معقدة، تستدعي الإدلاء بوثائق إدارية عديدة، فضلا عن أسباب حمل صاحبها على تغييره.

الأمازيغية والاستثناء (النشاز)

شهد أواخر القرن الماضي وحتى الآن (2020) حركة ثقافية محمومة، نشطت في مجال السوسيولوجيا الثقافية، وتحديدا الأمازيغية.. احتد نقاشها ليفرز جملة من المطالب؛ كان على رأسها تبني اللغة الأمازيغية لسانا وطنيا بالمرافق العمومية كالإعلام والتعليم والإدارة، علاوة على المطالبة بحق توظيفها في القضاء وكتابة المواثيق والعهود. ولئن كانت هذه المطالب أو بالأحرى بعض منها ما زال محل جدال ومماطلة أحيانا، فإن السلطات الرسمية لم تبرح تنظر بعين التوجس تجاه الانسياق وراء تلبيتها؛ متحججة ولو تلميحا بالحماس المغرض الذي يغذي هذا التوجه لدى بعض النشطاء الأمازيغيين، وبالتالي التشكيك في براءته، تقوّى هذا الاحتكاك والارتياب بصورة خاصة في أعقاب رفع شعارات انفصالية من لدن بعض الحركات السياسية، جاءت متزامنة مع انتفاضات تيارات ثقافية مطالبة بالاستقلال الذاتي، سواء في إقليم الباسك الإسباني أو بمناطق بعض دول أمريكا اللاتينية.

ولعل من أبرز الملفات العالقة، في هذا السياق، تبني الألقاب والأسماء الأمازيغية، بإرادة أصحابها لا بإرادة أو بإيعاز من اللجنة العليا التابعة لوزارة الداخلية والمختصة في دراسة طلبات الألقاب والأسماء أو تغييرها؛ فالخطاب الأمازيغي الذي ما فتئت بعض الجمعيات الأمازيغية تجاهر به السلطات هو حقها في حمل أسماء وألقاب أمازيغية أصيلة، إسوة ببعض المكونات الإثنية والثقافية المغربية؛ كالعبرية والمسيحية والعربية، وإن كانت الثقافات الأمازيغية والعربية والحسانية، في عمومها، تتقاطع في جذوع لغوية مشتركة، وبالتالي فلا سبيل إلى التميز وانتقاء أسماء أمازيغية مجهولة المعنى لدى العام أو لها إيحاءات تصطدم مع هذه اللهجة أو تلك، على شاكلة هذه العينة: سيليا؛ نوميديا؛ أريناس؛ أماريس؛ يوبا؛ غيلاس؛ ماسينيسا..

وصفوة القول إن اللقب الشخصي (الاسم العائلي) جزء لا يتجزأ من هوية صاحبه، يرافقه مدى العمر؛ لكن إذا كان وارثا له عبر الآباء والأجداد ويرى في معناه أو يوحي له ولأبنائه بالازدراء والقدح، فقد مكنه المشرع وضابط الحالة المدنية بحقه في طلب تغييره، عبر مسطرة واضحة، ولو أنها معقدة في إجرائيتها. أما بالنسبة لحمل الألقاب الأمازيغية فما زالت العديد من الأسر المغربية تتوارثها أبا عن جد، بغض الطرف عن دلالاتها ما إذا كانت "أصيلة" أو مستعربة؛ بيد أن اختيار الشخص للقبه الأمازيغي بمحض إرادته نأمل أن تحين مسطرته، وألا يبقى معلقا بمزاجية اللجنة العليا المختصة بدراسته والبت في طلباته.