ما بعد الإنتخابات الأمريكية

أربعاء, 11/11/2020 - 07:59

وجيه عزايزة
شكلت الإنتخابات الأمريكية إستثناء لم يحصل منذ عشرات السنين سواء في تفاعلاتها الداخلية والخارجية او في مستوى متابعة وترقب العالم أجمع ضمن حالة “شغف” يعلم الجميع اسبابها .
وللسياق الاستثنائي هنا اسباب عدة بعضها يتعلق بالتغييرات التي طرأت على المجتمع الأمريكي وتقلص مرحلة سيطرة ال ( WASP s ) بعد حقبة جورش بوش الإبن وتداعيات احتلال العراق مما استوجب ان تصوب الديمقراطية الأمريكية نفسها بنفسها وتم اختيار رئيس من غير البيئة التقليدية طبقيا عرقا ولونا (أوباما) يتولي الرئاسة الأمريكية للمرة الأولى في التاريخ.
وانعكس ذلك إلى حدوث تغييرات كبيرة في توازنات الديموغرافية الأمريكية وصعود أطراف جديدة (الملونين) على حساب أطراف أخرى (البيض) وارتسمت خارطة توازنات إجتماعية عكست نفسها إلى واقع سياسي أمريكي جديد.
أثار ترشيح دونالد ترمب 2016 والطروحات الحادة التي رافقت مسيرته جدلا كبيرا سواء على صعيد استثارة الأبعاد العرقية او على صعيد تعميق حالة الإنقسام الإجتماعي داخل المجتمع الأمريكي، وشد الحالة العصبية للعرق الأبيض مرة أخرى وإثارة الغرائز العرقية والدينية، وتعزز ذلك حتى بعد فوزه في الإنتخابات مما شكل حالة جديدة مرتبطة بالشخصية (الترمبية) حسب وصف بعض المحليين.
بدأ يتزايد تأثير الرئيس كفرد سواء في التعيينات والاقالات والاستقالات المتعددة والمتسارعة في مؤسسات راسخة وقوية وعميقة وبطرق لم تعتب عليها الادارات الامريكية سابقاً.
على الصعيد الخارجي تبين بأن ما تم إرسائه في فترة أوباما عبر إيجاد تفاهمات مع قوى داخلية مؤثرة في العديد من دول العالم أدى إلى إنجاز تغييرات في العديد من الأنظمة، وتم تغليفه بمشاركة شعبية وشعارات ديموقراطية واضعاف البنى للحكومات التقليدية لصالح منظمات المجتمع المدني وتأثيرها في العديد من الدول والتنسيق مع المنظمات الدولية لإبراز أهلية مؤسسات المجتمع المدني وبما يتوافق مع التوجهات الأمريكية.
أتت إدارة ترمب للعمل على إدارة الأمور كما كانت سابقا ( قبل اوباما) في إدارة الملفات الخارجية الأمريكية وإعادة علاقاتها مع الأنظمة اليمينية والتقليدية الحاكمة في كثير من مناطق العالم وتقديم الحماية والمساندة اللازمة للعديد منها بما يحقق المكاسب المادية للشركات الأمريكية الكبرى متجاوزا إعتبارات كثيرة ذات غطاء شعبي وتجاوز ما حاولت أمريكا تجسيده سابقا من ربط مصالحها مع الدوافع الديموقراطية وحقوق الإنسان.
عمليا سمحت إدارة ترمب بالتجاوز على ذلك مقابل المكاسب الأمريكية سواء على الصعيد الأشخاص أو الفوائد العائدة على الشركات الأمريكية والتماهي مع مصالحها. كذلك، فقد توثق توسع في الانسحاب من المنظمات الدولية وأهمها اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ودعم الانروا واتفاق المناخ اضافة لإعادة أحياء الصراعات مع عديد من الدول مثل الصين وكوريا وإيران وأخطرها الإنسحاب من الإتفاق النووي معها رغم إقراره في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى دعم الاتجاهات المتطرفة واليمينية في الصراعات الدئرة في العالم وأهمها الصراع العربي الإسرائيلي.
أدى ذلك إلى توتر في العلاقات مع العالم ومع أقرب حلفاء أمريكا (أوروبا). أمام هذا الواقع تشكلت إستقطابات و اهتمامات على الصعيدين الداخلي والخارجي لم يسبق له مثيل.
على الصعيد الداخلي:
حيث من المتوقع استمرار حالة الانقسام العامودي داخل المجتمع الأمريكي وتعمق ذلك في أبعاده الديموغرافية (عرقيا ودينيا) وغيرها, وامكانية التعبير عن هذه الأنقسامات بوسائل جديدة وأكثر حدة مما هو موجود حاليا وما سيرتبه ذلك من إنعكاس على النخب الأمريكية وإدارة مصالحها وفقا لتداعيات هذه الإنقسامات المرتدة من الشارع عليها مستقبلا، وظهور مراكز استقطاب جديدة لدى هذه النخب (الترامبية).
مطلوب وبحزم من الادارة الجديدة العمل على تخفيف هذا الانقسام اضافة الى الاسراع في إيجاد الحلول للمشاكل التي ادت إلى التوتر داخل المجتمع الأمريكي مثل إعتداءات الشرطة على السود وحمل السلاح والتوسع في شراءه في قبل اطراف متطرفة. كذلك ضرورة ايجاد حلول للمشاكل الصحية والعودة الى نظام التامين الصحي (أوباما كير) والاسراع لمعالجة تداعيات ملف كورونا من خلال إيجاد اللقاح والعلاجات بسرعة واستغلال أفضل للامكانيات الصحية.
الصعيد الخارجي:
عودة هادئة للتحالفات القديمة خاصة مع أوروبا ومعالجة المشكلات مع الصين وإيران وكوريا مع القليل من التصعيد مع روسيا خاصة في ملف أوكرانيا.
عودة الى الإعتماد على المنظمات الدولية والعودة إليها وأهمها -يونسكو -الصحة العالمية- الانروا – اتفاقية المناخ والتفاوض مع ايران على الاتفاق النووي .
إطفاء جزء من الصراعات المفتوحة مثل الحرب الليبية واليمنية والافغانية وإحياء المصالحة داخل مجلس التعاون الخليجي وإيجاد مقاربة جديدة في الملف السوري والعراقي بإتجاه التهدئة.
إعادة إحياء لدور بعض القوى السياسية ذات الاتجاهات الاسلامية للمنطقة سواء كانت حاليا بالمعارضة او ضمن توازن داخل الاجنحة الحاكمة في بعض الدول نموذج عليها دعم جناح اوغلو وعبدالله غول بتركية وبعض الاجنحة المعتدلة في بعض الدول الحليفة لامريكا واحياء دور منظمات المجتمع المدني بما يتوافق مع التطلعات والمصالح الامريكية.
إيجاد مراجعة جديدة لعلالقات أمريكا مع العديد من الدول المتحالفة معها تقليديا وإعادة رسم توازنات داخلية في العديد من الدول للموائمة بين المصالح الأمريكية في هذه الدول والطروحات الأمريكية التي يزعمها الديموقراطييين في أمريكا والتركيز على الإنفتاح والديموقراطية وحقوق الإنسان.
إدارة الصراع العربي الاسرائيلي وفق المرتكزات التقليدية السابقة قبل مرحلة (ترمب) دون إمكانية التراجع عن كافة الخطوات الترمبية السابقة مع إمكانية إعادة الدعم للأونروا وإيجاد تمثيل أمريكي في القدس الشرقية يعنى بالطرف الفلسطيني لإيجاد توازن جزئي مع نقل السفارة للقدس وصعوبة التراجع عن ذلك مما يوجد سبب للحديث مجددا عن عاصمتين في مدينة واحدة لدولتين في الحل المستقبلي عند الحديث عن حل الدولتين مع إنهاء التعامل مع صفقة القرن وإمكانية إحياء المحادثات الفلسطينية الأمريكية مجددا مع استمرار التركيز على الطرح الأمريكي بالإلتزام بالحفاظ على أمن إسرائيل.
عودة الحياة الدافئة للعلاقات الأمريكية الدافئة مع الدول المستقرة والمعتدلة، والأردن نموذجا لذلك والإستفادة من تجارب هذه الدول على الصعيد الإقليمي والدولي.
عضو في مجلس الاعيان الاردني ووزير سابق