في ذكرى المسيرة .. رسالة إلى مخيمات العار

اثنين, 11/09/2020 - 10:04

ألم تيأسوا من حياة البؤس داخل مخيمات الذل والعار؟ ألم تخجلوا من تحويلكم إلى دمية يتم التحكم فيها عن بعد؟ ألم تتفهموا بعد أن احتضانكم وتبنيكم من قبل بعض حكام الجارة الشرقية لعقود في تندوف ليس من أجل سواد عيونكم ولا من أجل الدفاع عن حقوقكم وانتظاراتكم وتطلعاتكم، بل لتسخيركم كأداة مطواعة لخدمة أجندات جزائرية تنتمي إلى زمن بائس، تحركها بشكل عصي على الفهم والإدراك مشاعر الحقد والعداء والضغينة للمغرب ولوحدته الترابية؟ ألم تحتكموا ولو مرة لسلطة العقل وصوت الحكمة لتقارنوا بين ما تعيشون فيه في مخيمات العار بتندوف من حياة القهر والبؤس والاحباط وانسداد الأفق وما تحقق في الصحراء المغربية من تنمية متعددة المستويات منذ استرجاعها عقب المسيرة الخضراء سنة 1975م، أن تقارنوا بشجاعة وموضوعية بين ما قدمت لكم صنيعتكم في تندوف، وبين ما صنـع المغرب لإخوانكم وأبناء عمومتكم وأخوالكم في صحرائه؟ ألم تتوقفوا ولو لحظة عند الأوراش التنموية المفتوحة بمختلف جهات الصحراء في إطار النموذج التنموي الجديد بشكل سيجعلها جسر عبور بين المغرب وعمقه الإفريقي؟ ألم تتفطنوا بعد أن المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها وأن الأقاليم الجنوبية برمتها ماضية في طريق التنمية الشاملة؟ ألا تجدون حرجا وأنتم تعاينون حياة إخوانكم وأبناء عمومتكم وأخوالكم في الصحراء وحجم ما باتوا يعيشون فيه من تنمية وأنتم مازلتم أوفياء لحياة البؤس والفقر داخل مخيمات العار منذ عقــود؟ ...

ألم تستوعبوا بعد أن خيار الحكم الذاتي هو خياركم الوحيد نحو العودة إلى الوطن وسبيلكم الأوحد نحو استرجاع الكرامة وهجرة حياة الفقر والذل والهشاشة والإهمال، وفرصتكم لربط العروة الوثقى التي لا انفصام لها بينكم وبين وطنكم الأبي وإخوانكم وأبناء عمومتكم وأخوالكم في الجنوب كما في الشمال، والإسهام فيما يعرفه المغرب من أوراش تنموية مفتوحة، والانخراط في تدبير شأنكم المحلي في إطار الوطن الذي يعد بيتنا المشترك بكل انتماءاتنا؟ ألم تستوعبوا أن هذا الخيار يعد سقف ما يمكن أن يقدمه لكم المغرب؟ ألم تقدروا حالة الإجماع الدولي حول هذا المقترح الجاد ذي المصداقية؟ ألم تلتفتوا إلى حجم البلدان الإفريقية التي سحبت الاعتراف بكم خلال السنوات الأخيرة؟ ألم تنتبهوا إلى البلدان الإفريقية التي أقامت قنصليات عامة لها بالعيون المغربية؟ ألم تتوقعوا أن خلق قنصلية عامة للإمارات العربية المتحدة بالعيون سيكـون فاتحة لمبادرات عربية أخرى مماثلة؟ ألم تدركوا بعـد أن ما تحملونه منذ عقود كان وسيظل حزمة من الأوهام التي لا يمكن أن يقبل بها تاريخ ولا جغرافيا ولا عقل ولا واقع؟ ...

هي إذن، رسالة مفتوحة بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة، نوجهها إلى كل تائه أو شارد أو محتجز في مخيمات الذل والعار أو مغرر به، إلى كل قادة "جمهورية الوهم" الذين مازالوا مخلصين لمن صنعهم ذات يوم، أوفيـاء لأطروحة الأوهام، ندعوهم عبر مضامينها المكشوفة للتساؤل بجرأة وشجاعة عن واقعهم وعن حقيقتهم الضائعة وعن مزاعمهم التي تزداد بؤسا وانتكاسة وانهيارا يوما بعد يــوم، ليس فقط في ظل مسلسل سحب الاعترافات ولا في إطار القنصليات العامة المقامة بالعيون المغربية، ولكن أيضا اعتبارا لجاذبية العرض المغربي (الحكم الذاتي) الذي حظي ويحظى بثقة وتثمين المنتظم الدولي والقوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

رسالة مفتوحة إلى كل من مازال أسير الأوهام، نؤكد من خلالها مرة ثانية أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه، ومسلسل التنمية متواصل بالأقاليم الجنوبية ولن يقو على توقيفه قطاع طرق بالكركرات أو تحرشات أو دسائس من وراء حجاب، ونهج التنمية الشاملة بات خيـارا لا رجعة فيه للمغرب عبر "النموذج التنموي المرتقب" الذي من شأنه التخفيف من حدة التفاوتات السوسيومجالية وإعطاء نفس جديد للفعل التنموي عبر جيل جديد من المشاريع الكبـرى، سواء القائمة أو المرتقبة في ظل النموذج التنموي الجديد، المرتقب أن تقدم خلاصاته أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس مطلع السنة القادمة، من مازال وفيا لأطروحة الأوهام، أو مغررا به من طرف خصوم الوحدة الترابية، فالوطن "غفور رحيم" كما أكد المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه، وأحضانه ستبقى مفتوحة على الدوام لكل من عاد إلى وعيه وإدراكه وصوابه.

ولحكام الجزائر وتحديدا من مازال فيهم أسير الحقد والعداء غير المبرر للمغرب ووحدته الترابية، نقول: تخلصوا من عنادكم وما يسيطر عليكم من أحقاد دفينـة لا مبرر لها، فزمن التفرقة والدسائس قد ولى، والتشرذم لم يعد له مكان في زمن الوحدة والتكتلات، والتفتـوا إلى الغرب، ففيه "مغرب" يده ممـدودة على الدوام، و"شعب" محب يتقاسم معكم التاريخ والجغرافيا والدين واللغة والتقاليد والعادات والمصير المشترك، وادركوا ولو لحظة ضريبـة ما صنعتم من كيان وهمي على علاقاتنا الثنائيـة وعلى حياة ومستقبل شعوبنا التواقة إلى التنمية الشاملة وعلى واقع الاتحاد المغاربي الذي توقف قطاره منذ سنوات، حاولوا إدراك أن قوتنا ورخاء شعوبنا في وحدتنا وتكتلنا، وفي الاستثمار المشترك لمواردنا الطبيعية والبشرية، لذلك وكما صنعتم الكيان المزعوم لأهداف لم تعد خفية على أحد، بإمكانكم اليوم الاحتكام لصوت العقل وعين الحكمة، بالانخــراط الفاعل والإيجابي في حل هذا المشكل القائم، لما فيه خير لشعبينا الشقيقين ولشعوب المنطقة المغاربية، عسى أن تعودوا إلى الحقيقة والصواب، وتدركوا حجم الإجماع الدولي حول مقترح "الحكم الذاتي"، لنضـع اليد في اليد بمحبة وثقة واحترام وتقدير متبـادل، لبناء مستقبل آمن ومشرق لنا ولأجيالنا القادمة...

ونختم المقال بأن نؤكد ثانية أن "المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها" ورحلة النماء فيها بدون حدود شأنها في ذلك شأن باقي جهات المغرب، وللوطن "قلب رحيم" يسـع كل أبنائه "المغــرر بهم" أو "المحتجزين" في مخيمات العار، ويد ممدودة على الدوام للأشقاء الشرقيين متى تجاوزوا أسباب التفرقة والخلاف.

Laaouissiaziz1@gmail.com