الإسلام بين فكي الكراهية والتطرف

ثلاثاء, 10/20/2020 - 20:49

الدماء التي سالت بجوار مجلة "شارلي إيبدو"، احتجاجا على الرسومات الهزلية المسيئة إلى النبي محمد (ص)، وسلسلة التهديدات التي أعقبتها وكذا تصريحات الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون العاصفة بخصوص "أزمة الإسلام" كلها عوامل أعادت إلى الواجهة مدلول حرية التعبير "المطلقة" كجزء من قيم فرنسا؛ بيد أن حادث الأستاذ الفرنسي وإفراد طلاب قسمه، من ضمن وسائله الديداكتيكية، بهذه الرسومات نفسها وغيرها مما تفننت فيه أيادي التيارات اليمينية المتطرفة يضعنا أمام إشكالية مركزية حول حرية التعبير ومداها، وهل هناك حواجز قانونية تحد من مطلقيّتها Absulatism (بلا قيد ولا شرط) إلى درجة التسيب والإساءة إلى مشاعر الإنسان؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون إمعانا في كراهية وتحقير عقيدة سماوية يدين بها قرابة المليارين وبنسبة 24,80 % من سكان المعمور؟

في البداية، لا يجب أن يغرب على بالنا أن الإسلام ليس المرة الأولى أو الأخيرة التي يتعرض فيها لألوان من التنكيل والعنصرية والتصفية والإقصاء.. لكن يبقى حادث 9/11 كمنارة مرجعية ما زال العالم الغربي يستلهمه في التضييق على الإسلام، وإنزال أشد العقوبات المهينة في حق "أهله وحماته"؛ فحمى التطبيع مع إسرائيل كشفت عن أوراق عديدة، كما أن تنظيم "داعش" أو بالأحرى صنيعة الصهيونية كانت بمثابة النبتة Plant الخبيثة التي أثمرت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" Islamophobia وتوظيفها بالمخيال الجمعي الغربي، وربطها دوما بمفاهيم صارت راسخة في المنظور الثقافي العالمي؛ كالإسلام الإرهابي، والإسلام الراديكالي، والتطرف الإسلامي، والإسلام السياسي، وهي مفاهيم كلها تصب في خندق واحد هو "الإرهاب".

تسطيح معالم الإسلام

"التسطيح" لغة هو التعتيم والوقوف فقط عند المظاهر، واصطلاحا هو اتخاذ مظاهر المواضيع والقضايا مرتكزا في بناء المواقف والأحكام على الشيء بما يخالف أصوله؛ فالعقيدة الإسلامية تناولتها في معظمها أقلام مغرضة أو مأجورة لتقديمها في صورة مشوهة ومدعمة بواقع إسلامي مريض، تكالبت عليه التيارات الإسلاموية واجتهدت في اتجاهات طوباوية جردته من صفائه وطهره وقيمه النبيلة وقدمته كشكليات ومراسيم وأغراض تخدم بالأساس الطائفية والجماعاتية والتنظيمات الراديكالية.

هل لحرية التعبير حدود؟ (نماذج)

عديد من الأنظمة الغربية تنص في دساتيرها على جملة من الحقوق، منها حرية الرأي وحرية التعبير؛ لكن قيدتها بشروط وقرائن تكاد في مجملها تفضي إلى معنى "تنتهي حرية التعبير عند حدود الإساءة إلى الآخر"، وهناك نصوص قانونية نرصد من خلالها عبارات "التنكيل" و"التحريض" "والمس بالمشاعر" أو "المعتقدات". وفي هذا السياق، يمكن الإحالة على قانون للجمعية العامة للأمم المتحدة 11/11/2004 يقضي بمناهضة تشويه صورة الأديان، كما أصدرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قرارا بمكافحة ازدراء الأديان بتاريخ 12/4/2005. كما تجب الإشارة إلى أن حكما صدر بالنمسا على "سيدة بتغريمها 480 أورو .. بتهمة الإساءة إلى الرسول الكريم"؛ بيد أن تطبيق هذه الترسانة من القوانين يكاد يكون مقصورا على بعض النوازل المتعلقة بالديانتين المسيحية واليهودية، أما إذا تعلق الأمر بالإسلام أو التحريض على كراهيته، أو إلحاق الأذى برموزه أو المس بشخص الرسول (ص) فيقع تجاهلها تحت مبرر "حرية الرأي والتعبير"، والحال أن مجرد الحديث عن المحرقة النازية اليهودية أصبح محظورا مع تشديد عقوبات إثارتها، تصل إلى حد "الشنق" والمصادرة والتهجير والاضطهاد.

الأخطر على الإسلام "أهله" !

أفرز الإسلام الراديكالي تيارات فكرية هوجاء، ما لبثت أن انتظمت داخل جماعات وتنظيمات منبثة في كل أنحاء العالم، بدءا بأفغانستان والشيشان وبعض مناطق شمال إفريقيا، ناهيك عن امتداداتها في كل من أوروبا وأمريكا؛ تمثل في مجموعها التعصب الديني Religious Intolerance في أبشع صوره، وحتى نقترب منه يكفي الإدلاء بهذه المشاهد:

* تشدد مفرط في محاصرة حقوق المرأة، وإن كانت "الميديا" الرسمية تتشدق بانفراجات واسعة لصالحها، فأكثر المضايقات تنفجر داخل الأسر حتى إن نسب الطلاق آخذة في الازدياد بشكل مهول غير مسبوق؛

* ازدواجية عفنة تميز سلوكيات شريحة واسعة من "المسلمين"، يتمظهرون من خلالها كأناس حداثيين عارفين بحقوق المرأة، لكن إذا خلوا إلى أنفسهم خلف جدران الزوجية ألفتهم صقورا إن لم نقل وحوشا آدمية؛

* معظم "المتأسلمين" من فئة الشباب حاليا تأخذه الحمية والغيرة عن الإسلام فقط عند "ويل للمصلين"، فيتخذ من القشور والسلوكيات الظاهرة مرجعيته لتجريد سلاح الهجو والفتك والتصفية؛

* تغلغل الفكر السلفي، لا سيما في شقه الجهادي، في أوساط الشباب من خلال وسائط التواصل الاجتماعي؛

* ظاهرة "التكفير" تأخذ في التعاظم كلما صادفنا مجتمعات إسلامية مطبقة في الأمية والفقر والهشاشة.

لننتبه إلى هذه الصورة الفارقة

نظمت إحدى المؤسسات الإشهارية المختصة في تشكيل الملصقات الورقية مسابقة في اختيار أفضل نموذج في مواضيع حرة، وكانت المفارقة أن بعض هذه النماذج الواردة تحمل رسما كاريكاتوريا سخرية بالمسيح عيسى (ع. س)، فتم إقصاء صاحبه وتحميله تهمة الإساءة إلى المقدسات؛ لكن من واجهة مضادة، كما رأينا في نموذجي "شارلي إيبدو" والأستاذ الفرنسي، هناك ثقافة إسلامية مشبعة بالحقد ونبذ الآخر كثيرا ما تستخدم القتل والتصفية كإحدى وسائلها في التعبير عن "سخطها" وغضبها من الرسوم المسيئة إلى الرسول الكريم، بينما لو عادوا إلى تأمل السيرة النبوية لعلموا مقدار صبر هذا النبي العظيم على المكاره وصور الأذى التي تعرض لها من قومه، فكان رؤوفا ورحيما وصفوحا مرددا: "لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله".