هون على نفسك واختزل جهدك لخدمة شعبك

اثنين, 10/19/2020 - 17:43

كم كنت أتمنى وما زلت أترقب ذلك اليوم لأسخر فيه قلمي بالكتابة في موضوع علاقات التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين المغرب والجزائر، وأن أرى اللجان المشتركة وهي تجتمع بشكل دوري لتضع اتفاقيات جديدة ويعمل البلدان على تنزيلها في مختلف المجالات التي تعود على الشعبين بالنفع العميم. وكمغاربي تتملكني الغيرة وأنا أرى أوروبيا يتناول فطوره في بلجيكا ووجبة غدائه في هولندا ثم ينتقل إلى ألمانيا ليتعشى ويلتحق بخليلته في فرنسا ليكمل مشواره اليومي في السهر معها. كل ذلك يتيسر له خلال أربع وعشرين ساعة من دون قيود ولا تأشيرات ولا حدود. أما أنا المغاربي ولو كنت نوح زماني قد أعيش الدهر كله فلن يكتب لي أن أزور مدينتي تلمسان ووهران وهما على مرمى حجر مني.

كم كنت أتمنى كذلك وما زلت أترقب يوما ما ألا تتسلل إلى مسامعي خطابات الكراهية والعداء والتحريض خطابات تدق من خلالها طبول الحرب كالخطاب الأخير للرئيس الجزائري الجديد، أمام ثلة من الجنرالات الذين اهتزوا وصفقوا لذلك الخطاب الذي أريد له عنوة أن يكون ضد المغرب من أوله إلى آخره. وكان من المفروض على الرئيس عبد المجيد تبون أن يختزل هذا الجهد ويوفر على نفسه كل العناء بالانكباب على القضايا والمشاكل التي يعاني منها الشعب الجزائري الشقيق. ولعل هذا الشعب قد مل كل الملل وهو يرى قيادة بلاده تتحدث له كل مرة في قضايا لا تخصه ولا تهمه. فماذا يعني للشعب الجزائري أن تحدثه عن أمور لا تدخل في صلب معيشه اليومي. فماذا سيفيد هذا الشعب إذا كان نظامه لا حديث له ولا هم سوى معاداة المغرب. والحديث عن تصفية الاستعمار وتقرير المصير بالنسبة لما يسمى بالشعب الصحراوي هو حديث في سياسة التمويه، بدليل أن تقرير المصير الذي يتحدث عنه النظام الجزائري هو مبدأ من الأصل لا يومن به هذا النظام ولن يؤمن به وهو يتخذه فقط وسيلة لمعاداة المغرب ومحاولة يائسة لتضييق الخناق. وليعلم مرتزقة البوليساريو هم كذلك أن النظام الجزائري يسخرهم كبيادق لحسابات جيوسياسية مع المغرب. وإن كان فعلا هذا النظام مقتنع بهذا المبدأ كوسيلة ديمقراطية للتعبير عن إرادة الشعوب فلماذا لا يسمح للشعب الجزائري بممارسة هذا الحق عبر انتخابات نزيهة، ولماذا أجهض إرادة الشعب الجزائري المعبر عنها في انتخابات 1992، وكذلك لماذا يقمع بقوة السلاح إرادة "القبايل" في تطلعاتهم المشروعة وفي العيش بكرامة، ولماذا أيضا لا ينادي بتطبيق هذا المبدأ في حالات مماثلة غير بعيدة عن المنطقة كحالة إقليم "الباسك" أم لأن الأمر يتعلق بإسبانيا حيث يحرص النظام الجزائري على تجنب استفزاز ومعاداة الدولة الإيبيرية، وحينما يتعلق الأمر بالمغرب فهو يستحضر ما يقول عنه حق ليريد به باطلا. وفي جميع الأحوال فإن الشعب الجزائري هو أولى من يجب عليه أن يقرر في مصيره وفي حقه في العيش الكريم وفي الاستفادة من ثروات بلاده وفي التنمية بمفهومها الشامل، كما يفعل العقلاء من القادة الذين نذروا أنفسهم لخدمة شعوبهم. وقافلة المغرب ماضية في سعيها راضية لا تلتفت وراءها وليس لها من وقت تضيعه في الترهات.

خطاب الرئيس الجزائري في مقر وزارة الدفاع وفي أقل من أسبوعين كان هو الخطاب الثاني بعد الأول الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر استخدام تقنية الفيديو عن بعد. ويبدو أن الرجل غير متيقن من نفسه ما إذا كانت كلمته الأولى قد أوفت بالغرض، فأعاد الكرة لينفت سمومه أمام جنرالاته ضد المغرب. وبدا كذلك واضحا أنه جاء في هذا الخطاب الأخير خصيصا لمعاكسة توجهات ومصالح المغرب فقط من خلال المحاور التي تطرق إليها والتي كشفت عن مدى سخطه على التحركات الناجحة للدبلوماسية المغربية في الملفات المتعلقة بكل من ليبيا ومالي والقضية الوطنية.

ولا يهمنا كثيرا أن ننشط ذاكرة سيادة الرئيس في موضوع النجاحات التي حققها المغرب بخصوص الأزمتين الليبية والمالية، لسبب واحد وهو أن المغرب لا يبحث لنفسه عن مصالح معينة حتى يتباهى كما تفعل غيره من الدول التي لها أجندات في المنطقة تتجاوز حدود اهتمامات وانشغالات أصحاب تلك القضايا. ولعل وساطة المغرب هذه هي التي تعطيه مصداقية لدى الأطراف المعنية بهذه الأزمات. ومن المؤكد أن النظام الجزائري يجد في هذا الاختراق المغربي ما يبعثر أوراقه الإقليمية، وهو النظام الذي يطمع أن يرهن المنطقة ولو على حساب أمنها واستقرارها. بل أن سيادة الرئيس من كثرة امتعاضه وما أصابه من جنون العظمة التي يتوهمها بفعل نجاحات الدبلوماسية المغربية، لم تعد له القدرة على التمييز في ما يقول بعد أن أشار إلى أنه لا وجود لأحد يعرف الأزمة المالية أكثر من الجزائر. ونقول له هل هي وصاية جزائرية على دولة مالي بمعنى أن مفاتيح الحل والعقد هي في يد النظام الجزائري. وإن كان ذلك بالفعل فهو اعتراف خطير على أعلى مستوى بأن دولة مالي مخترقة عسكريا ومخابراتية من طرف الجزائر ما دامت أنها تعرف كل واردة وشاردة عنه. ولذلك ففي أية لحظة يمكن للنظام الجزائري أن يهز أمن واستقرار هذا البلد الإفريقي إن أخذ حل الأزمة اتجاها لا يرضى عنه جنرالات الجزائر.

أما في ما يتعلق بالقضية الوطنية، فإن أي متتبع قد يقف بسهولة على ما تضمنه خطاب الرئيس من عدوانية. فبمجرد ما أتى على ذكر مصطلحات مشبوهة من قبيل تصفية الاستعمار وتقرير المصير وهلم جرا من الأكاذيب اهتزت القاعة بتصفيقات الجنرالات والضباط. صفقوا ورحبوا بهذه العدوانية وهو ما لم يفعلوه في حديث سيادة الرئيس عن القضية الفلسطينية التي أدرجها في خطابه بتسلسل متعمد ، يحيله مباشرة على ملف قضيتنا الوطنية وكأنه يريد أن يقول لنا ولغيرنا إن حيثيات وظروف القضيتين متشابهة. وهو ما يعني مرة أخرى أن المنطق الجزائري في جميع المحطات هو منطق واحد يراد به تسخير كل قضايا العالم واستخدامها بما فيها القضية الفلسطينية كأوراق لخدمة الأجندة الجزائرية وذلك بتأليب أصحاب تلك القضايا على المغرب. ونحن كما هو همنا وواجبنا الوطني دائما أن نتصدى لهذا النوع من التحايل ولن نسكت أبدا عن تلك الانزلاقات أو نغض الطرف على من كان من ورائها أو على من وقع في المصيدة واستخدم لتلك الأغراض.

لا شك أن التحامل الذي جاء في الخطاب الأخير للرئيس الجزائري يعكس مدى اليأس والاستياء الذي يغمر القيادة الجزائرية. واليائس في ما هو عليه من حالة نفسية قد ينساق إلى المجازفة وارتكاب الحماقات. ونحن نقول لسيادة الرئيس إذا كان خطابك بمثابة إعلان حرب فيجب أن ترهف السمع بأن المغاربة لن ينساقوا إلى الدخول في تلك الحرب مع الجزائر الشقيقة. فأنتم تبحثون عنها منذ زمان ولا تقيمون للشعوب وزنا وأرواح الناس عندكم فرجة ولعبة شطرنج يسقط فيها الأول ويتلوه الثاني وهكذا دوايلك. ونحن نعلم بسريرة نواياكم ولن ننجر إلى تلك الحرب ليس لأننا غير قادرين عليها بل نحن أقوى، وقبل أن نكون أبطالا بالرجال وبقوة السلاح فنحن أقوياء بمبادئنا وقيمنا منها السلام والوئام وحسن الجوار. فطبعنا وأصلنا شريف والغدر ليس من تربيتنا ونحب أن نمشي في واضحة النهار. والشعب الجزائري الشقيق تربطنا به قرابة الدم ولا نريد لتك الدماء أن تسيل. هذه هي رسالة المغاربة يا سيادة الرئيس وعليك أن تلتقطها وأن تهتم بالبيض الذي هو في سلتك قبل فوات الأوان إن لم يكن قد فات.