الحراك الجزائري السلمي لم ينته؟!

خميس, 10/08/2020 - 09:39

حسن زيتوني
فوجئت الاوساط الجزائرية عسكريا وسياسيا واعلاميا بعودة قوية للحراك الشعبي الجزائري في مدن وقرى مختلفة من البلاد احياءا لذكرى الخامس من أكتوبر عام 1988 وهو تاريخ اول تحرك شعبي وطني جزائري ضد النظام في عهد الرئيس الراحل الشادلي بن جديد.
ذلك اليوم التاريخي اتذكره جيدا حيث كنت بالقرب من مقر الجامعة المركزية وسط العاصمة ” الجزائر” عندما لم يتوان النظام في استخدام الدبابات والرصاص الحي لاخماد ثورة شعب ثار ضد سياسات التجويع تحت غطاء ممارسة التقشف بسبب انهيار أسعار النفط التي وصل حينها السعر الى 8 دولارات للبرميل .
سياسات التقشف لم تمسس حينها الطبقة الحاكمة بشطريها السياسي والعسكري من رئيس و وزراء وجنرالات ونواب برلمان ومدراء الشركات الكبرى مثل سوناطراك وسونلغاز و غيرها , لكنها اثرت سلبيا وبشكل مباشر على الغالبية الساحقة من ابناء الشعب حيث الاجور المتدنية وغلاء المعيشة وبطالة متفاقمة في ظل انعدام رؤية سياسية واقتصادية واضحة المعالم في التعاطي مع تلك الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الجزائر.
اتذكر في ذلك اليوم وفي ساحة الشهداء وسط العاصمة كيف اقدم المحتجون على انزال العلم الوطني واستبداله بكيس دقيق فارغ تحت انغام النشيد الوطني “قسما” في اشارة واضحة الى ان الشعب جائع وبحاجة الى رغيف الخبز.
ثم تحولت تلك الاحتجاجات اشعبية التي انطلقت من حي القصبة التاريخي المعروف الى شوارع العاصمة ثم الى مدن اخرى في شرق وغرب البلاد. وتحولت مطالب المسيرات والمظاهرات من مطالب اجتماعية الى مطالب سياسية تدعو الى انهاء حكم الحزب الواحد ممثلا في حزب “جبهة التحرير ” والهيمنة العسكرية على سلطة القرار في البلاد .
تشعب المطالب وتنوعها وضعت النظام الحاكم امام أمر لم يكن في الحسبان ابدا, وادرك العسكر ان هيمنته على سلطة القرار في البلاد اصبحت مهددة فعلا وذلك بفضل ارادة شعب اصبح لا يهاب ويفضل الموت كريما عوض ان يموت جوعا.
شعب كان ينشد التغييرنحو بناء دولة مدنية يسود فيها القانون والعدالة المستقلة والعدالة الاجتماعية والحرية بمعناها الواسع والقضاء على رواسب حقبة قرن واثنين وثلاثين عاما 132 من استعمار غاشم استيطانيي اراد أن يأخذ الارض والانسان ويطمس هوية شعب عربي مسلم برمته.
تلك الرغبة في التغيير عادت في 5 اكتوبر 1988 لتراود الشعب الجزائري من جديد لكنها اخمدت بنيران الدبابات والرصاص الحي وقتل اكثر من 500 جزائري وفقا للاحصاءات الرسمية وليست الحقيقية . كانت اوامر استخدام القوة ضد الابرياء من الشعب تاتي من قيادة الاركان الخاضة لسيطرة لجنرالات البطش والاستئصال المعوفين في الجزائر عند الخاص والعام. ورغم تلك الماساة والتضحيات الجسام , فان انتفاضة الخبز كما لقبت انذاك حققت مكسبا سياسيا هاما تمثل في اعتراف النظام بضرورة الولوج في اصلاحات سياسية في ادارة شؤون الحكم. وتعهد الرئيس الشادلي بن جديد بافساح المجال للتعددية السياسية والحزبية وكانت بداية بوادر التغيير الذي اراده الشعب منذ مطلع الاستقلال عام 1962 ولم يتحقق.
ولاداعي للغوص الآن في ما حدث بعد ذلك التاريخ وما حصل في الجزائر بعد رفض العسكرارادة الشعب في الانتخابات التي عرفتها البلاد عام 1992 . ونتحدث عن ما حصل في الجزائر اليوم بعد عودة الحراك الشعبي السلمي بقوة لاحياء ذلك اليوم التاريخي اولا وليعيد الاعتبار لحراك 22 من فبراير عام 2019.
توقف الحراك في الاشهر القليلة الماضية بسبب جائحة العصر كورونا والتزم المواطنون الصبر والامتثال للتعليمات والارشادات الصحية والطبية التي دعت الى وقف التجمعات السكانية و اغلقت العديد من النشاطات الحيوية في البلاد لان الحراكيين ارادوا ان يقدموا المثل في الوطنية و التحضر ومنع انتشار الوباء والفيروس القاتل المعروف بكوفيد 19.
لكن النظام كعادته لم يتعلم الدرس وواصل مسيرة استغباء الشعب الجزائري واحتقاره واستخدم الجائحة ذريعة لاجهاض الحراك الشعبي السلمي بتصعيد مسلل الاعتقالات الليلية للنشطاء السياسيين والصحفيين ونشر ما سمي بذبابه الالكتروني لرصد التحركات الاعلامية عبر قنوات التواصل الاجتماعي بعدما اصبحت المتنفس الوحيد المتاح امام الشعب ليعبر عما يختلج في نفسه والتعبير عن طموحاته سياسيا واجتماعيا وهي طموحات ينشدها الملايين.
والاخطر من كل ذلك محاولات النظام تمرير دستور جديد للبلاد عبر برلمان غير شرعي واحزاب فاتها الوقت ومجلس أمة مفبرك. الى حد جعل الرئيس الحالي عبد المجيد تبون يصرح عبر وسائل اعلامية اجنبية ان الحراك انتهى وان نظام الفساد انتهى. مسويا في ذلك بين الضحية والجلاد , بين ارادة شعبية غيورة على الوطن ممثلة في الحراك الشعبي وتواقة لبناء صرح دولة الحق والقانون ودولة الحريات المصانة , وبين عصابة سياسية وعسكرية ومالية اقترفت أكبر جريمة في حق الوطن وتاريخه باختلاسات مالية لم يسبق لها مثيلا في أي بلد كان في العالم.
لكن الرد الشعبي على تلك التصريحات والمحاولات اليائسة لاجهاض ارادة الحراك الشعبي السلمي جاء سريعا ومدويا بعد عودة الحراك الى شوارع العاصمة الجزائر وبقية المدن الجزائرية ليعلن ولادة جديدة للحراك السلمي بتاريخ جديد – قديم هو الخامس من اكتوبر 2020 يقابله الخامس من أكتوبر 1988.
ولقد تقرر الآن ان المسيرات الاحتجاجية السلمية ستتوصل في أي يوم يريده الشعب ويرغب فيه. ولن يلتزم بايام محددة للخروج الى الشوارع من جديد ليكون هو سيد الموقف وليس النظام.
قطار التغيير سار وتوقف لحظة في محطة اسمها كورونا لينطلق من جديد نحوبناء دولة مدنية وليست عسكرية والسيادة فيها للشعب.
فالحراك الجزائري لم يمت ولن ينتهي وان القيود التي وضعت ورسمت لافشاله او اجهاضه انكسرت امام ارادة شعبية صادقة تريد الخير والنعيم للجزائر لا غير.
– كاتب صحفي جزائري حر