مشروع التقسيم الامريكي لسوريا.. هل يمر من البوابة الكردية أم يسقط من نفس البوابة؟

أربعاء, 09/30/2020 - 21:43

الدكتورة حسناء نصر الحسين
تصريح الرئيس بشار الاسد في مرحلة استلامه الحكم في سوريا عام 2000م مع ما يحمله هذا التصريح من عقيدة وطنية لدى القيادة السورية والقول بأن “الارض والسيادة هما قضية كرامة وطنية وقومية ولا يمكن وغير مسموح لأحد أن يفرط بها أو يمسها” ، هذا الكلام يعكس في جانب مهم منه سياسة الصبر الاستراتيجي الذي أبدته الدولة السورية وأوتى ثماره حيث وبعد عقد من العدوان أدرك الشعب في مناطق الاحتلال والارهاب أن كل الوعود التي تلقوها من دول الخليج وتركيا وعوداً كاذبة ليصبحوا بعدها خاضعين لاحتلال متعدد الرؤوس .
استهداف أهالي منطقة الفرات من داعش وكرد الانفصال وممارسات تركيا وأدواتها من تهجير قسري وسرقة المنازل وحرق المحاصيل الزارعية ومنع أبناء منطقة الفرات من التعليم واحتلال قوات قسد للمدارس ومنع الموظفين من الالتحاق بأعمالهم وسيطرتهم على المحاصيل الزارعية والنفط كل هذا فجر وفاقم الوضع في تلك المنطقة منتجاً حراكاً شعبياً بات بشكل يومي .
خسرت الدولة السورية الكثير من اقتصادها كل تلك الفترة لصالح الوحدة لكامل التراب السوري في خطوة تهدف لمنع تقسيمها، هذه النزعة الوطنية تغيب تماماً عند أولئك الذين كانوا يراهنون على الامريكي وأذياله ليدركوا فيما بعد أن هؤلاء جاؤوا لاحتلال بيوتهم ونهب ثرواتهم وسلب كرامتهم .
المكون العربي في منطقة الجزيرة السورية يشكل حوالي 70% من نسبة السكان مما يشكل ورقة ضغط كبيرة على مشروعهم والاستثمار في هذه العشائر كان حاضراً في المشروع الامريكي وموجود عدد كبير في صفوف ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية مما يشكل أهم عوامل قوة هذا الكيان، ولعل ممارسات قسد باستهداف الأهالي سيؤثر في بنية هذا التنظيم لتنوع مكوناته التي لا تنحصر على الكرد بما يدفع المكونات الغير كردية لردات فعل تخلخل في هذه البنية وتحدث تشرخات في تكوينه وبالتالي اضعافه والوصول الى تفكيكه.
المحاولات الامريكية لتوحيد القوى الكردية ليست وليدة يومها وإنما منذ بدء العدوان وقد باءت بالفشل ولم يكتب لها النجاح ولأسباب عدة أهمها وجود قوى وطنية كردية ترفض التقسيم ولا تقبل بسلوك بقية الوحدات الكردية الانفصالية، كما يوجد خلافات عميقة بين بقية هذه الوحدات، ولن تستطيع امريكا حل هذه الخلافات او تحقيق لملمة، وبات الواقع يعطي مؤشرات لمشهد السقوط الكردي الانفصالي وأصبحنا نسمع مؤخراً عن انشقاقات على مستوى قادة في صفوف قسد ومنهم القيادي البارز في جهاز الاستخبارات الكردية جبير العوض والذي لجأ إلى مواقع الجيش العربي السوري حاملاً معه كنزاً من الوثائق السرية والمعلومات الاستخبارية حول قسد الخائنة وهذا ما لم تنفه قسد .
حضور عوامل أخرى ساهمت في التهيئة لسقوط المشروع الامريكي لتقسيم سوريا، من ذلك تواجد روسي قوي في مناطق شرق الفرات عقّد كثيراً تكريس الامريكي أو التركي احتلالهما لهذه المناطق السورية، بجانب ضغط زعماء ووجهاء عشائر على أبناءهم المتواجدين ضمن قوات سوريا الديمقراطية للانشقاق من هذا الفصيل الخائن، والأهم هو استمرار الحراك الشعبي في الحكسة والقامشلي والرقة ضد الكرد، ورفض واسع للتنظيمات الكردية الارهابية ذات الارتباطات الامريكية، ولا نُغفل استراتيجية الدولة السورية والتي تسير بخطين متوازيين الحوار السياسي والخيار العسكري الذي اصبح قريباً مع تزايد الرفض الشعبي للفصائل الكردية (قسد واخواتها) بالاضافة إلى مساعي روسية لإقامة حوار سياسي بين الفصائل الكردية ودمشق، وكل ما نراه من تحرك امريكي لجمع هذه التنظيمات الغير متجانسة واللامنسجمة مع بعضها لقطع الطريق أمام الحليف الروسي لدمشق وإفشاله في مسعى الحل السياسي والوصول إلى اتفاق يحافظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها .
ويظل عامل الميدان ونتائجه هو صاحب الأثر الأكبر في رسم تحولات المشهد في سوريا والفاعل الاكبر في صناعة المتغيرات التي تصنف بذات الأهمية القصوى في إفشال مشروع التقسيم الامريكي، وتوجه الجيش السوري لتحرير الطريق الدولي الرابط بين اللاذقية وحلب الـ M4 قبل فصل الشتاء والقيام بعمليات عسكرية استراتيجية للقضاء على الارهاب وتحرير إدلب يُخفي خلفه إصرار الدولة السورية لقرار الحسم العسكري بانضمام المقاومة الشعبية وفتح آخر الجبهات وهي شمال وشرق الفرات .
محاولة واشنطن جمع الكرد والتوصل لتأسيس المرجعية السياسية الكردية لن تحصد إلا الفشل، لاعتبار رئيسي ممثلاً بحالة الانقسام الكردي الغير قابل للتجميع وتعدد الرؤوس والمرجعيات الكردية حيث لكل فصيل له مشغله الخارجي، هذا الأمر يضع كل الجهود الامريكية الكبيرة في ترتيب الصف الكردي تحت قيادة موحدة في خانة الفشل، وتهدف واشنطن من كل هذا إلى توحيد الكرد الانفصاليين وترتيبهم بالشكل الذي يتناسب مع مصالح أمريكا والدفع بالكرد كفصيل واحد لتحقيق مكاسب خاصة لواشنطن، من ذلك تحضيرهم لاعتلاء المنصة الدولية والمشاركة بفاعلية وصوت واحد في لجنة إعداد الدستور وبما يلبي لواشنطن أطماعها ويسهل عليها فرض الفيدرالية عبر البوابة الكردية في منطقة شرق الفرات .
حالة التشظي الكردي بجانب السلوك الارهابي الذي مارسته الفصائل الكردية الانفصالية على أهالي منطقة الجزيرة السورية جعلهم محاطين بالاعداء، هذا الأمر فرض واقع آخر تبرز أهم ملامحه في وقوع مصالح الامريكي وحضوره العسكري في مرمى نيران المقاومة الشعبية في شرق الفرات ومناطق أخرى وفقدان الامريكي لأهم نقطة يسعى لتحقيقها وهي الحفاظ على أمن مصالحه في تلك المناطق، السلوك العدواني والارهابي للكرد الانفصاليين تجاه العشائر العربية السورية والتي وصلت إلى حد القيام بأعمال خطف واغتيالات لزعمات عشائر كل هذا جعلهم يخسرون الحلفاء والتأييد الشعبي الذي كانوا يحظون به على الساحة المحلية، مما أدى إلى حجب الدعم عنهم في وقت يعتبر دعم العشائر أساسياً للحفاظ على مصالح أمريكا بالمضي قدماً عبر شركاتها النفطية لسرقة النفط السوري على المدى الطويل .
التاريخ الامريكي حافل بالتضحية بعملائه، وهذا أمر تدركه جماعة قوات سوريا الديمقراطية واستشعروه حينما ترك الامريكي الكرد لقمة سائغة لأردوغان وشن عملية عسكرية واسعة النطاق ضدهم، وقد لا تكون هذه العملية التي سميت بنبع السلام آخر العمليات التركية ضد الكرد، فأمام سياسة الرمال المتحركة التي تنتهجها الادارة الامريكية يظل مستقبل أي عميل لواشنطن محسوم وجاهز لأن يكون على طاولة المساومات السياسية اذا كان ذلك يخدم مصلحة امريكا ويلبي مطامعها .
هنا لا بد من الاشارة الى ما قامت به امريكا مع كرد العراق في عام 2004 وهم الذين كانوا لها سنداً في احتلالها للعراق الشقيق في تلك الفترة، مما دفع بالبرزاني وطالباني لإرسال رسالة لواشنطن مفعمة بدموع الذل والهوان على دماء أبنائهم وبلّغوا احتجاجهم للسفير الامريكي بول بريمر في 22يونيو2004، هذا المشهد يتكرر مع ما يسمى قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم العبدي حيث قال في اجتماع جمعه مع دبلوماسي امريكي رفيع المستوى ويليام روباك في شهر اكتوبر2019 أكد فيه العبدي خذلان امريكا للكرد وتركهم وحيدين يواجهون عدوان النظام التركي في العملية الاخيرة (نبع السلام) والجدير بالذكر أنه خلال هذا العدوان التركي طالب الكرد بعد أن تُركوا وحيدين بدخول الجيش العربي السوري لحمايتهم .
يريد الكرد من واشنطن تأمين الحماية لهم من هجمات تركيا ومن الاستهداف التركي المتعاقب لكن مع تفاقم الوضع في شمال وشرق الفرات والسخط الشعبي المندد بالاحتلال الامريكي الذي يواجه بشكل يومي قوات سوريا الديمقراطية ويستهدف الدوريات الامريكية بالحجارة حينها تصبح امريكا بحاجة لمن يحميها، فماذا لو تحولت هذه الحجارة إلى رصاص؟ عندها ستضطر امريكا للبحث عن طريق يؤمن لقواتها المحتلة للأراضي السورية خروجاً بأقل الخسائر، وحينها ايضا سيكون الكرد أول من ستضحي بهم واشنطن، مما يعني كتابة نهاية لمشروع التقسيم الامريكي في سوريا من البوابة الكردية كما دخل من خلالها .
باحثة في العلاقات الدولية – دمشق