تشكل الوعي الكاذب في نضال الحراطين

اثنين, 09/28/2020 - 21:32

الشيخ الحسن البمباري
استهلال ...
"الحضارات الضعيفة إذا نمت على ضفاف حضارات أقوى منها، فإنها تنمو نموا مشوها تحت وطأة تلك الحضارات القوية "
الفيلسوف الألماني، أسوالد اشبنغلر
****
إن التراتبية التي يقوم عليها المجتمع الموريتاني، واحدة من أكثر الخدع الاجتماعية ذكاء، حيث أن شعور الفخر والاعتزاز الذي توفره، يجعل كل شريحة أو مكونة تشعر انها هي "إل سامكه أسم " دون أن يكون لهذا اي أساس منطقي ولا علمي أو عملي، (حالة تشوه الوعي) التي جعلت التقسيم الوظيفي الذي قام عليه المجتمع ما قبل الدولة، يتحول إلى بطاقات هوية وزعت على الشرائح ووضعت بموجبه كل شريحة في مكان حدد استفادتها من المال العام أو العمومي على الادق، بعد قيام الدولة، وذلك بطريقة غير امينة ولا متساوية، وبعيدة كل البعد عن منطق الدولة كما يراها جورج بوردو "أن لا نخضع لبعضنا البعض" وغياب حالة العدالة التي نظر لها رولنز.
في الواقع لقد خضع البعض للبعض في الدولة الموريتانية بسبب غياب عدالة وحكامة توزيعية للفرص، والمشاركة في العدالة باوسع مفاهيمها، "العدالة في الواجبات قبل الحقوق، في التقاضي قبل التعليم، في الضرائب قبل المنح، العدالة التي بمقتضاها نستفيد جميعا ونحرم جميعا من خيرات البلد".

هذا الغياب للعدالة وملحقاتها هو ما كان شرارة تحركات نضالية من أجل التغيير لم تستثني اي عرقية ولا اثنية والأسباب ذاتها، الغبن والمركزية حول عناصر دون أخرى، _مهما كانت تلك المركزية انتقائية هي الأخرى في داخلها_ بمعنى أنه لم يكن كل البيظان مثلا مستفيدون من المال العام بسبب عدم العدالة في توزيع الريع العام ولا كل الحراطين والكور ولعلمين ...الخ مقصيون أيضا.

الجميع يذكر الكلمات الرنانة للنائب والمناضل بيرام الداه اعبيد أن السيدة الأولى ستكون من الحراطين وسيلعب أبناء الحراطين في باحات القصر الرئاسي.
إن هذا النمط من الوعي هو بالضبط الوعي الكاذب أو المشوه، فليس مهمة النضال وضع أشخاص مكان أشخاص أو تبديل مراكز بمراكز جديدة فهذا قلب اللعبة وخلق نضالات مضادة. بسبب خلق مركزية جديدة لتحل محل الأولى، اي استنساخ لذات الوعي المشوه.
ولكن مهمة النضال، نقل قيم الحرية والعدالة والمساواة... الخ من مجال الإمكان إلى مجال التحقق.
والمقصود بالتحقق هو الانتقال من النظري إلى العملي، أي نقل كل المبادئ النظرية (ممكنة التحقق ) إلى عمليات إجرائية في حياة المستفيدين والمستهدفين من النضال "الضحايا" السابقين والحاليين، بطريقة تنعكس على مستوى حصولهم على المشاريع والاستمرار في المدارس، وتحسن مستوى المعيشة وكم فرص العمل في السنة التي يستفيدون منها، والمنح التي يحظون بها سواء كتمييز موجب، أو مدى التدخل الميداني على مستوى المقاربة الترابية للتنمية (التمييز المحايد).
الوعي الكاذب هو الآن الذي يجعل كل مقدس في النضال مدنس، ومن المناضلين خونة وتجار قضية، هذا الوعي الكاذب هو الذي يدفع إلى تحديث وتجديد في الموقف ليس في أوانه ولا مكانه، هو ما يجعل مناضلين ينسحبون من الحلبة في وقت لا يليق ويفتت النضال والمناضلين.
إن هذا الوعي الزائف هو ذاته الذي يجعلنا نرخي النواجذ عن النضال، بمقابل وبدون مقابل، ويجعلنا نتصارع على أمجاد لم تتحقق بعد وما تحقق منها لا يستحق التوقف عنده، إنه الوعي المشوه ذاته الذي يجعلنا نتخلى عن النضال، بسبب هفوات مناضل، ونغضب لأنفسنا بدل القضية التي نناضل من أجلها، ومرد ذلك ضعف الوعي بما نناضل من اجله وطرائق النضال واساسياته.
المناضل الذي يغضب لنفسه، هو مناضل ما زال بعيد جدا عن الوعي المطلوب بقضيته التي يجب أن تكون هدفه وامله ومسعاه الأوحد.
***
للعبرة ...
قال لي أحد الأصدقاء ذات يوم انت آخر شخص يحق له الحديث عن النضال، لأنك فضلت دوما أن تكون منبطحا.
مازلت اعتبر هذه العبارة من اصدق ما سمعت (عني) من شخص عودني أن يكون صادقا دوما معي.
وكل ذلك أنني فهمت "منبطح" كمقابل ل "نقدي"، وهي روح الموضوعية بطريقة أو بأخرى.