الأردن: علم هندسة العقول وشراء الذمم! حان الوقت لقانون من اين لك هذا

اثنين, 09/21/2020 - 21:46

د. بسام روبين
استكمالاً لما جاء في الحلقة الأولى ،سأتحدث عن استراتيجية شراء الذمم ومدى تأثيرها في علم هندسة العقول ،كأحد أشكال الرشوة السياسية المستخدمة لتطويع عقول الجماهير بشراء الناس بالمال لجعلهم في صف حكوماتهم ،فيصبح تفكيرهم بعقلها وحركتهم بإرادتها وهم بذلك أقرب لشهود الزور ينفعون الحكومات ويكتمون الحق مدمرين أوطانهم وشعوبهم ،وهنالك ثلاثة مستويات من شراء الذمم في هذا البرنامج ،ويجب تحقيق المستوى الاول من أجل الانتقال لباقي المستويات انسجاماً مع قاعدة لو رتعت لرتعوا ،لذلك بدأ المستوى الأول في مرحلة مبكرة من القرن الماضي عندما حددت بعض الدول العظمى عدداً من الدول المستهدفة لتطويعها ضمن برنامج هندسة العقول ،فاختارت بعضاً من مراكز النفوذ فيها لاستهدافهم ،وارسلت لهم فرقاً مدربة من القتلة الاقتصاديين حيث جرى شراء ذممهم بأسعار متفاوتة خدمة لاقتصادات هؤلاء القتلة وجعلت منهم نواة لخططها المستقبلية ،ومن ثم بدأت هذه المجموعات بالتحرك لإفساد مجتمعاتهم عن طريق التوسع باختيار بعض الاعلاميين ورجال الدين والاقتصاد والشخصيات المؤثرة في المجتمع وجرى اغراقهم بالعطايا والمناصب وتأمينهم بالحماية الضرورية ،فأصبح منهم الوزير والنائب والمسؤول وجرى تحصينهم من المسائلة القانونية للمحافظة على اعضاء هذا المخطط ،وتوسيع دوائرهم ونفوذهم ،فتعطلت العدالة وانتشرت الرشوة وساد الظلم في تلك المجتمعات.
واستمرت هذه الخلايا المدمرة لاوطانها والخارجة عن القانون بالتوسع والتمدد الافقي والعمودي ،وتم تسخير جميع المنصات الاعلامية والقنوات الفضائية الرسمية لخدمتهم وتسهيل مهمتهم في مخاطبة الراي العام لغسل ادمغته ،وفقا للاستراتيجيات المعمول بها في هذا المنهاج الاستخباري ،مع استبعاد الكفاءات الوطنية النزيهة من أي ظهور على تلك الشاشات ،وقد تم تأسيس الجمعيات والمبادرات والهيئات لهم تحت عناوين انسانيه ،ولكن باطنها غير ذلك كما استحدثت جملة من القوانين المكممة للافواه في بعض الدول لحماية هذه الطبقه الفاسده من التنمر ،ومنحها القدرة على المناورة والحركة والكذب على الجماهير لتدجين عقولها والسيطره عليها ،وبذلك تحقق الانتقال الناعم للمستوى الثاني ،وتم تطويع معظم الجماهير واعتقال من استعصى منهم وفقا لقواعد هندسة العقول التي دأبت على بث سمومها في جميع المناسبات واللقاءات ،أما المستوى الثالث وهو الأخطر فيتعلق بالدول الغنية صغيرة الحجم حيث تمكنت من شراء ذمم معظم مواطنيها ،وجرى اعتقال الرافضين منهم والزج بهم في السجون ،وتطور الحال بها لتلعب دورا شبيهاً بأدوار الدول التي اخترعت هذا العلم ،وبدأت تتدخل في شؤون غيرها بشراء ولاءات الرخيصين من ابناء تلك الشعوب من ذوي النفوذ ،وتمكنت بذلك من امتلاك كوتات داخل الحكومات ومجالسها التشريعية خدمة لأجندات تعزز مصالحها ومخططاتها التوسعية ،وقد ساهم ضعف المؤسسات الأمنية في بعض الدول المستهدفة وانخراطها في المؤامرة على الأمم بانجاح مستويات هذا البرنامج وتمكينه من التمدد ،ويستطيع أي متابع لهذا الشأن من اكتشاف أن الدول التي رفضت الانخراط في علم هندسة العقول حققت ازدهاراً اقتصادياً ومكانة سياسية مرموقة وانخفضت فيها مؤشرات الفساد ،بينما تراجعت الحكومات التي انخرطت فيه بوضوح في جميع قطاعاتها ،وارتفعت مؤشرات الفساد فيها ،وهي الان تعاني من مشاكل واضطرابات ،وقد لجأت لصندوق النقد لمعالجة الامراض الاقتصادية التي حلت بها في حين ان الصندوق يمثل احد اذرع المستوى الاول في هندسة العقول.
وها نحن نرى بعض هذه الحكومات غير قادرة على الخروج من انفاق ذلك البرنامج لتتدارك اخطائها ،وبنفس الوقت لا تستطيع الأستمرار والتعاون معه بنفس السهولة التي كانت متاحة لها نظراً للتعقيدات التي استجدت على الساحة ،وهو ما يفسر قوة الممانعة بمجرد طرح مشروع قانون من أين لك هذا ،فهو سيفرز ويكشف النقاب عن جميع الأسماء التي تورطت في هذا العلم القاتل للشعوب والاوطان ،والمؤسف اكثر اننا ما زلنا نرى هذه الطبقة الفاسدة المشاركة في هذا البرنامج تتصدر صفوف المشهد السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي ،وأصبحت المناصب حكرا عليهم في بعض الدول لأن بعضا من المؤسسات الأمنية المشرفة على هذا المخطط ما زالت ترعى هذه الطبقة وتكفل شؤونها وتقدم لها الحماية والحصانة ،وتضمن لهم عدم المحاسبة وتقدمهم على انهم رموز ونبلاء لمجتمعاتهم ،بينما هم في حقيقة الأمر طبقة فاسدة دمرت أوطانها وشعوبها مقابل منافع لا تليق بكرامة الانسان ولا الأوطان ،وسأتحدث في الحلقة الثالثة بإذن الله عن استراتيجية اغتيال الشخصيات الوطنية وفقا لعلم هندسة العقول .
عميد اردني متقاعد