مرام هواري: فخ اوسلو القاتل.. وارث الحرب والدم والسراب!

سبت, 09/19/2020 - 12:41

مرام هواري

كل ما بُنِيَ على باطل فهو باطل….ذاك في عرف القوانين الدولية والانظمة والمواثيق الا في عرف السياسة الامريكية والاسرائيلية،كما يبدو فالضرورات أباحت لها كل ما هو محظور وبنت عليه، فوفق هذا المنطق لطالما خاضت صراعات على المصالح والنفوذ منتهجه في سبيل ذلك فن الابتذال والتضليل لبسط هيمنتها وسعيا منها  لتحقيق رؤيتها المتمثله “بامريكا اولاً” ، الذي ينبع من فكرها الاستبدادي الاستعماري القديم، دون الاكتراث لحرمة الشرعية الدولية والقوانين، حتى فاق اجرامهما الوصف والحدود، فالادارات في واشنطن وان بدلت قشرتهاالسطحية فشريعة الغاب شريعتها، فتراها كثيرة الحديث عن الديمقراطية، قليلة النصرة لها، حتى نالت ما `نالته من سمعة هذا المصطلح الذي لم يتحرك من اجله الساكنين والساكتين، فبحرفية عالية تمارس امريكا شراكتها مع اسرائيل في الفوضى والتدمير المتفلتة من اي ضوابط ومعايير، فقد لا يكون ارث العبودية في الولايات المتحده الامريكيه ولا انفجار العنصرية المستفحلة في شوارع واشنطن ونيوورك من ابرز معالم دكتاتوريتها الصارخة، فانحيازها مع اسرائيل لهو ابرز احدى المحطات الرئيسية التي أنارت ظلامية الادعاء بنصرتها للديمقراطية، فما ترفعه زعيمة العالم الحر من شعارات براقه لاثبات انجازاتها بالحرية والرفاهية، و زرعها للديمقراطية، سبق ان هدمته بتحالفها مع اسرائيل،  فلطالما كان الحديث عن العدالة والحقوق مجرد غطاء لمصالحها وطمعاً لثروات تلك البلدان، حيث تحضر عندما تريد استغلال خيراتها وتشيح بوجهها عنها في مآسيها ومعاناتها .

فالحديث عن الحل العادل وفق القانون الدولي والشرعية الدولية لطالما سمعه الفلسطينيين على لسان دول العالم الحر، لكنها في كل مرة كانت تصطدم بتعقيدات مفتعلة وازمة ثقة مستفحلة ناجمة عن ازدواجية في التعامل مع طرفي النزاع التي تمثل العلاقة بينهما ذاكرة خلافات تاريخية على الارض والحقوق والمقدرات، فلطالما جرب الفلسطينيون حظهم من الوساطة فأعاقها انحياز واصطفاف صريح ان لم يكن خفاءاً فجهراً مع اسرائيل، فها هي الدول العربية قد جن جنونها وخرجت عن جلدها وهي تدافع عنها  فشقت صف الامة  طولا بعرض، واشبعت المنطقة ادانة بينما لم يجرؤ ذبابها الالكتروني حتى الهمس في انتقاد  اسرائيل فوحدهم الفلسطينيون اصحاب الارض كانوا دائماً مدانون..”وهل يرتجى الخير من الفاسدين”؟!

 ليثبتوا للجميع أن العدالة شيء خرافي لا يمكن تحقيقه الا في ظل قضاء روحه العدالة،  والعدالة باتت شيء نادر لم يعد له وجود،  فلطالما كان للعالم معاييره في التعاطي مع الازمات الانسانية فهي انسانية بامتياز بالنسبه للبعض التي لم يرى في معاناة الفلسطينيون ما يلهم او يستفز، تماما كالمنطق الامريكي الذي يتمثل بإدانة المدنيين وتجريم المقتولين ويستنكر على اصحاب الارض  خروجهم عُزّلاً للدفاع عنها،  فالمنطق الامريكي يرى ان  الاكتمال الاخلاقي يكمن في الدفاع عن جيش يحتل الارض، ويمارس اجراماً بدت شواهده تتكرر كل يوم بقتل واعتقال وتنكيل ، بينما تلك الممارسات كانت  بالنسبه لآخرين  كارثية بكل المقاييس، فها هو المخطط االاستعماري الامريكي والغربي يتكرر اليوم انسجاماً مع الخصوصيات والمتغيرات التي تفرضها مصالح حليفتهما اسرائيل كنموذجاً صارخاً للكيل بمكيالين والتراجع عن الوعود والعهود بأوضح تجلياتها وبأدق التفاصيل.

انها اوسلو …الوهم المتبدد والموروث الثقيل والتركة التي اكتوى منها الفلسطينيون  فأثقلت كاهلهم وأسقطتهم في هوّة عميقة يصعب الخروج من تبعياتها حتى باتت الجرح الذي يرفض ان يبرد والامل الذي لم يعد له وجود، فكطوق نجاة وشعرة معاوية  لطالما تمسكوا بها وبحبلها لطالما كانوا معتصمون تماماً كما تستسلم الأعناق للسكاكين والأشجار للمناشير، وكيف لا ومن يغرق في النهر قد يتمسك بالثعابين…! لنلدغ  من جحرنا بأوسلو بعد كامب ديفيد مرتين، و ليقف الفلسطينيون على اثرها بين مآسي الماضي وحاضرٍ مزري ورؤية لمستقبل غير معلوم، يدقّون ابوابه في طلب حياة يستحقونها تحت مظلة القهر واليأس، حتى بات العالم يضيق على ان يتسع لهمومهم فاحتضنوا الجرح الدامي وناموا عليه يتسائلون ماذا فعلت بنا أوسلو..؟ بل ماذا فعلنا نحن بانفسنا..!! فمع ما نشهده اليوم من صعود اسرائيلي مبهر وسقوط تراجيدي لأنظمة عربية  متجزئة مهترئة تختلف فيما بينها على الهلال وتتفق مع الاحتلال على شعوبها  تتنافس بالوقوع نحو هوّة بلا قاع  في احضان اسرائيل لهو اكبر دليل على صدق مقولة “الصديق وقت الضيق” ، فكتابع ذليل وتحالف وتطبيع على قلب رجل واحد لم يكن على ما يبدو من قبيل الصدفة او حتى اعتباطياً، تلعب تلك الدول مع امريكا واسرائيل بتغيير تاريخ وجغرافيا الشعوب محاولة انقاذ حليفاً استراتيجياً لطالما كانت مطالبه بانقاذه لاخراجه من عنق زجاجة بدت تضيق عليه داخليا حتى اوشكت على كتم انفاسه..

فها نحن اليوم على اعتاب صفقة قرن كمرجعية استسلام  وضم وتهويد بينما تدخل اوسلو عامها السابع والعشرون دون ان يكون لها اثر على ارض الواقع سوى  في ادراج الساسة الفلسطينيين حبراً على ورق ليطفوا على السطح سؤلاً لطالما انتظرنا له رداً ولكن لا مجيب..!!؟ كم من عشرات السنين سنحتاج لنكتشف ان اوسلو عمرها السياسي قد نفذ منذ لحظة التوقيع،  فكانت وما زالت وهم من وعود زائفة وحقيقة باطلة بنيت على باطل لم تأتي من العدم ولم تكن وليدة لحظة او صدفة سياسية بل هي نتاج منظومة امريكية صهيونية حبكت لعبتها بدقه زارعة فيها خبثها حتى اوصلتنا الى ما نحن عليه الآن، وفي المحصِّله تكريساً لاحتلال جثم على صدورنا، لنصبح في المنفى ونحن في وطننا مقيمون ،وهل يرى الناظر الموضوعي اليوم من اوسلو سوى بؤر استيطانية تتكاثر كالخلايا السرطانية وسلطة فلسطينية تختنق، وشعباً يضيق عليه في عيشه ومسكنه ومنفاه، وماذا بقي من اوسلو بعد تصفية قضيه بصفقة سلام غادر شخوصها موتا او اعتزالاً فدخلت التاريخ  كصفقة غير ناجزة ولا مفهومة و ليست بحية ولا بميتة تحمل ارث الحرب والدم والسراب وفشل واخفاق ومرارة ما بين السطور ، وفيما عدا ذلك فلا اثر لها سوى اسمها  الذي حملته تتويجاً لمفاوضات تراجع  وحاد عنها الشاهدون والموقِّعون، مستخدمين ابواباً خلفيه لعقد صفقات سرية لمنافع شخصيه مع 

تل ابيب على حساب مصالح الفلسطينيين، وهل بغير المواقف تعرف الرجال..؟!

 فالاتفاق الذي اريد منه قيام حكم ذاتي انتقالي يبدأ بغزه واريحا وصولا لحل شامل لن يبرح مربعه الاول والاخير حتى الان، بل كان من افضل ما حدث لاسرائيل والمشروع الاستيطاني الكبير قاطعاً عليهم شوطا طويلاً فأوجد الظروف الملائمه له بعد فشله مراراً وتكراراً مانحاً اسرائيل الوقت للتوسع واعترافاً ثميناً بحقها في الوجود، حتى اصبحت في نظر العالم الدوله المحبه للسلام ومن يسعى اليه، فيما بقيت حلول النهايات للنهايات التي على ما يبدو لن تأتي يوماً قط.

 فالمنطق الذي يقوم على معادلة الأمن مقابل الارض قد سقط بالصفقات والمؤامرات من سابع سماء، وهوى  الى سابع ارض ” ولم يعد هناك الممتلئ من الكأس لننظر اليه” بعد ان اصبحت التفاهمات بالمال مقابل الارض،  والسلام من اجل السلام،  ليثير تساؤلًا طرح نفسه بقوة ..هل احتلت فلسطين بالاتفاقيات لنعيدها بالاتفاقيات…!؟ ام ان المعاملة بالمثل باتت واجبة وحق، ففي قراءة تشبه مراجعة التاريخ ينكشف المشهد عن خديعه ووهم، فكان “الفخ القاتل الذي وقعنا فيه ” ان همّشت اسرائيل التي لن ترضى بغير الاستسلام كحل للقضايا الاساسيه بما فيها المستوطنات والقدس واللاجئين واجّلتها لجولات مفاوضات قادمه على امل انهم سوف يتحدثون فلربما لعشرين سنه قادمه وربما لا يعلمون و على الاغلب لن يفعلون …!!

فواصلت بناء المستوطنات ضاربه بعرض الحائط مبدا حسن النيه الذي على اساسه تم هذا الاتفاق” وكأن العدو له جانب يؤتمن له”.. منكره ومتنكره لجميع التنازلات التي قدمها الفلسطينيون  حتى اللاجئين ألغت وانكرت حقهم بالرجوع،  لتخفي بذالك قسرياً ملايين اللاجئين الذين لطالما بالعودة كانوا يحلمون، ناهيك عن تجريد السلطه من السياده على الحدود والاجواء والمعابر فباتت وظيفتها تقتصر على تقديم الخدمات الحياتيه للفلسطينين فتلك بعضا من  فضائل اوسلو التي ليس لفضائلها حدود…

وها هو شريك اوسلو القائد الفلسطيني ياسر عرفات وقد انتهى الى ما انتهى اليه عندما قال لهم “لا ” وقد ارادوها “نعم” اما النعم المطلوبه اليوم فقد تكون اشد كلفة وتسليما  بما لا يمكن لفلسطيني ان يقولها ويأمن،  فالضغوطات الامريكيه التي يتعرض لها اصحاب القرار الفلسطيني الآن وتسير في ركابها دول عربيه مؤثره و بعضا من امراء النفط التي هي ذاتها  يتعاطى معها ترامب بحكم وظيفته شرطياً على العالم  وفق قانون الفتوّات التي تقوم على مبدأ “ادفع لتأمن” بمعنى المال مقابل الحمايه حيث تمارس ابتزازاً مالياً وضغوطات هائله على الرئاسة الفلسطينية  بهدف إقرار تسوية بلا قدس ولا عودة ولا دولة او حتى حدود وانما كنتونات وتجمعات يتم التواصل فيما بينهما عبر انفاق ضمن دولة واحده وهي  اسرائيل  كمحاولات للاستيلاب والاستيلاء على ما تبقى للفلسطينيين في الذمه الدوليه من حقوق  التي اقرتها لهم اتفاقية كامب ديفيد ومن بعدها اوسلو، من قبل رئيس امريكي يتعامل مع الحق والارض كعقارات للبيع،  فتحت مظلة “السلام عليكم” يهدد باعادة هندسة هيكل السلطه الفلسطينيه بما يتوائم مع سياستها و بقطع التمويل عن الفسلطينيين ملوحاً بسياسة “العصا والجزرة” التي لا تصدر الا من منطق العصابات على امل منه انهم سياتونه صاغرون وسيتنازلون غير مدرك ان وعي الشعب المظلوم غير قابل للضبط والسيطره وعصي عن الهيمنه والتطويع ، مطلقا بذلك رصاصة الرحمه الاخيره على تلك الاتفاقية التي من العبث ان نحييها، فموتها هو من سيحيينا  لنتسائل ماذا بقي من اوسلو بعد ربع قرن…! وما الذي كان حقا ليبقى سوى  شعباً عشق  التراب  والارض باقٍ علي العهد ما بقي الاحتلال  و قضية حق  قد تضعف وتمرض لاكنها حتما لا ولن  تموت…!