لماذا لا ينقل مقرالجامعة العربية مرة اخرى إلى تونس بعد المهزلة العربية الأخيرة؟: عريضة تطالب بذلك!

أربعاء, 09/16/2020 - 12:15

د. نهى خلف
بدأت تتداول منذ الأمس عريضة تبدو ذات اهمية قصوى، وردت كرد على المواقف الهزيلة التي صدرت مؤخرا من قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب، و ذلك بعد رفض الجامعة العربية الطلب الفلسطيني بعقد قمة عربية لمناقشة التطبيع العربي المتفاقم مع دولة الاحتلال الصهيوني، حيث تطالب هذه العريضة الموجهة باسم المثقففين و النشطاء و المناضلين العرب بنقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس وقد وردت هذه العريضة بثلاث لغات، هذا نصها:
“رسالة موجهة لسيادة الرئيس قيس سعيد، رئيس الجمهورية التونسية
نحن المثقفون والناشطون من النساء والرجال الأحرار والملتزمين في العالم العربي نعرب عن دعمنا الثابت لفلسطين،
ضحية مؤامرات اجرامية تهدف إلى إخضاع شعبها بشكل نهائي
ومن خلاله كل الشعوب العربية، عبر علاقات التطبيع الخطير في بين المحتل الإسرائيلي وبعض الدول العربية. هذا التطبيع (الذي سمي من بعض المناضلين ومن الرئيس التونسي نفسه بأنه عبارة عن خيانة ) ترجم مؤخرا شكل بناء علاقات دبلوماسية، بين دولة استعمارية والإمارات العربية المتحدة و دولة البحرين.
و نعتبر ان هذه التطورات خيانة للتطلعات المشروعة والحقوق غير القابلة للتصرف
للشعبين الفلسطيني والعربي، والى تطلعاتهما بال لسيادة و الاستقلال والحرية
وان كل ذلك يتم تحت رعاية مصرية ، حيث كانت مصر أول دولة عربية
تشرع الى السيرفي طريق الاستسلام المخزي بالتوقيع على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979
و المبنية على مخادعة تاريخية.
كما ان اسرئيل لم تنوي يوما احترام هذاالاتفاق الا بقدر ما سمح لها بتمهيد
الطريق لمزيد من التنازلات من قبل الأنظمة العربية
الفاسدة والانهزامية،العاملة ضد إرادة شعوبها.
ان جامعة الدول العربية ومقرها القاهرة تمثل اليوم عاصمة أول دولة
مطبعة مع المحتل الصهيوني، حيث كانت مواقفها في الاعوام الماضية في أحسن الأحوال سلبية وعاجزة، وفي أسوأ الأحوال متواطئة تحت ضغط بعض أعضائها و خاصة الولايات المتحدة،
و في محاولة لمنع الجامعة العربية من الاستمرار في العمل كآلة” للنظام المصري المطبع،”
نطالب نحن الموقعون أدناه بنقل مقرها من القاهرة إلى العاصمة التونسية، التي لم تتوقف أبدا عن دعم الحقوق غير القابلة للتصرف وتطلعات الشعب الفلسطيني، كما نود أن نثني بشكل خاص على الموقف المبدئي لسيادة ضد التطبيع مع دولة الاحتلال، واعتراضه على مصطلح ’التطبيع‘ ذاته،
معتبرا أن إقامة العلاقات مع العدو هي خيانة للقضية الفلسطينية والعربية.
و نود ان نذكر هنا، أن مقر الجامعة العربية كان قد نقل سابقا الى تونس، إثر اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1979،و بالتالي يشكل ذلك سابقة تشرع هكذا إجراء.”
و في محاولتنا لتحليل فحوى هذه العريضة يمكننا ان نعتبرها محورية و صائبة و جريئة في هذا الزمن الرديء رغم ان ظروف العالم العربي اليوم هي اسوأ بكثير من ظروف عام 1979 ،حيث كانت في ذلك الحين مصر تقف معزوله امام الدول العربية الأخرى التي وقفت بالمرصاد في وجه تلك الاتفاقية الأحادية ,التي جاءت لتخالف كل المباديء الوطنية العربية المتبعة خلال عقود، كما ان وجود دول عربية قوية في تلك الزمن، و على رأسها العراق و ليبيا و سوريا و غيرها، بالاضافة الى الثبات في المواقف المبدئية للثورةالفلسطينية في ذلك الحين أدت الى امكانية عزل مصر من جامعة الدول العربية.
فقد عقدت القمة العربية التاسعة للدول العربية في بغداد في الثاني من نوفمبر عام 1979 في اعقاب توقيع الحكومة المصرية معاهدة السلام بين مصر و الدولة الصهيونية في 31 مارس 1979 تحت رعاية الرئيس الامريكي كارتر. و اعتبر القادة العرب أينذاك ان المعاهدة أضرت بحقوق الشعب الفلسطيني، و نتيجة لذلك اجتمع القادة العرب في بغداد في غياب مصر و قرروا طردها من الجامعة العربية و بينماعقدت هذه القمة بحضور فقط 10 دول عربية بالضافة الى منظمة التحرير، عرفت بجبهة الرفض و ذلك بعد ان كانوا قد طالبوا من نظام السادات عدم التصديق على تلك الاتفاقية و لكنخم جمدوا علاقتهم معه في 26 مارس 1989 بسبب رفضه الاخذ بنصيحتهم.
و قد شملت المقاطعة العربية مع مصر في ذلك الحين تعليق الرحلات الجوية و مقاطعة المنتوجات المصرية و صدر اينذاك ا قرارا من قبل ا لجامعة العربية باعتبار تو نس المقر الرسمي للجامعة العربية وقد تم تعيين الشاذلي القليبي أمينا عاما لها. و يقال ان انور السادات لم يعيرأية اهتمام لهذا القرار حتى وصل به الامر الى مهاجمة الدول العربية في خطابه الشهير بمجلس الامة معبرا عن عنجهية مفرطة حيث قال ‘ان مصر ام العرب و على العرب الانتساب الى مصر و ليس العكس‘. فهل كان يعني منذ ذلك الحين الانتساب الى قطار التطبيع؟
و لكن للأسف عادت بعد ذلك الجامعة العربية الى القاهرة خلال حكم حسني مبارك في 23 مايو عام 1989 أي بعد عشرة سنوات من نقلها الى تونس، و ذلك بعد ان رأى البعض انها استعادت بعض قوتها السابقة ، و كان ذلك ربما بسبب مساندتها لفلسطين بعد حرب لبنان 1982 و خاصة في الوقت نفسه الذي بدت تفقد سوريا البعض من موقعها بسبب الحرب اللبنانية الأهلية.
و في 12 نوفمبر تشرين الثاني من عام 2011 قرر وزراء الخارجية العرب مرة ثانية في اجتماع طاريء عقد في الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا من الجامعة العربية اعتبارا من16 نوفمبر2011 ، كما اعلنوا فرض عقوبات اقتصادية و سياسية علىها، كما اكد القرار الذي تلاه رئيس الوزراء القطري الحامد بن جاسم ” تعليق مشاركة وفد الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة و جميع المنظمات و الأجهزة التابعة لها” و قد اعلن امين عام الجامعة العربية نبيل العربيي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية القطري ان القرار اتخذ بموافقة 18 عضوا في الجامعة العربية.
اليوم يمكننا ان نعتبر ان هناك عدد من الدول العربية رافضة لقرار الامارات و البحرين بالتطبيع، بعضها علنيا و على رأسها تونس و الجزائر و لبنان و اليمن و العراق التي كانت سابقا تمثل من اهم دول المعارضة للتطبيع، و مع المطالبة بعودة سوريا الى الحاضنة العربية و امكانية ميل ليبيا الى عهدها الوطني السابق بالإضافة الى دولة فلسطين، فقد يصل عدد الدول المناهضة للتطبيع بشكل واضح وبحدها الادنى الى 7 دول تطالب بعزل الدول المطبعة حديثا أي الامارات و البحرين ،و من الاحتمال ان تنضم بعض الدول الاخرى خجلا او تخوفا من شعوبها او عن مبدأ و ايمان بالعروبةن مثل الكويت و المغرب و ذلك قبل ان تخرج قافلة التطبيع المهين الى خارج السيطرة، و يصبح ما تبقى من عروبتهم تحت سيطرة الحركة الصهيونية.

فبعد رجوع الجامعة العربية الى القاهرة منذ حوالى 29 عاما لم نرى الا مزيدا من الانحطاط في السياسات العربية كما لا زالت القاهرة، الأم راعية الجامعة العربية ، تضيق بالمشاركة مع دولة الاحتلال على الحصار القاتل على شعب غزة الفلسطيني الأبي، و بينما ليس هنا مجال لذكر ما حدث من قمع و قتل و سجن في القاهرة ضد بعض الاحزاب و المعارضين بما يساوي من القمع الذي تعاقب عليها سوريا اثر الربيع العربي و الذي ادى الى عزلها عن الجامعة العربية.
الشعوب العربية ليست غافلة عن هذه المعايير المزدوجة في معالجة الامور السياسية خاصة عندما يخص الدفاع عن التطبيع مع الدولة الصهيونية المحتلة والتي سماها بشجاعة الرئيس التونسي انها ليست مجرد تطبيع بل خيانة، كما تعي الشعوب العربية جدا ان الجامعة العربية في موت سريري و انها لم تحقق منذ زمن بعيد أية انجازات مشرفة اوأية مواقف وطنية عادلة حتي وصل الامر الى قول البعض بسخرية لاذعة، انه ليس من المستغرب ان تصبح الدولة العبرية يوميا عضوة فيها بدلا من الدولة الفلسطينية .

و لكن مهما كان الامل بالتغيير و توقيف قافلة التطبيع ضئيلا فنرى ان أخد هذه العريضةبمحمل الجد و عرضها و تداولها في كل المنابر من المجتمع المدني الى الاتحادات الشعبية و الشعوب العربية مباشرة التي قد تؤثنر في بعض الدول المترددة في الانضمام الى مسيرة العار، ان تتساءل إلى متى ستبقى مصر التي بدأت بعمليات التطبيع و التي ترحب بالدول التي تطبع مع اسرائيل فاتحة لهم المجال ومساندهم علنا ، تدعي انها رائدة و رافعة علم العروبة في الوطن العربي بينما هي ترفع راية انهياره؟ خاصة ان لا يزال ما يوحد العرب حتى الآن هي لغتهم، فبعد سقوط كل الأقنعة واحد بعد الآخر، حسب قول الشاعر محمود درويش، أصبحت اللغة العربية ‘آخر ما تبقى’.

كاتبة فلسطينية