عازبات في حداثة خاصة جدا جدا

أربعاء, 07/08/2020 - 21:50

ليس مجديا أن نناقش كل الأحداث، وخصوصا ذاك الصنف منها الذي هو على مستوى عال جدا من الإسفاف والابتذال، وإذا أضفنا لذلك أننا نتفهم كون كل المجتمعات تحتاج لجرعة خفيفة من التفاهة، مثلها في ذلك مثل الأجسام، التي تحتاج لبعض الميكروبات لتصلب مناعتها، وتشحذ حيويتها، فإنه كان يلزمنا أن نتغاضى عن كثير من السقطات، إلا أن بعض الأفعال، على تفاهتها أو تهافتها، تحمل أفكارا ورؤى هدامة جدا، سيكون من الغفلة ومن السذاجة عدم مناقشتها في مجتمع غير محصن بالعلم والمعرفة، فنحن لا نأمن، لا سلطان الصورة على أبنائنا وبناتنا، ولا تأثير البريق الخادع لبعض المفاهيم المشوهة لحقوق الإنسان عليهم، حين يصوغها لهم المكبوتون وصغار العقول ممن يختزلون الحرية في التنكر لهويته وفي التحرر من ملابسهم، أفكار كاشفة لمخططات تؤشر على بلوغنا منحدرا خطيرا يهدد بأوخم العواقب على المجتمع برمته. وبالتالي يصبح هذا التجاهل ضربا من الخيانة واستمراء غير مبرر للامبالاة ستكون مكلفة جدا، بل ولربما تصير هدرا متعمدا لمستقبل القادم من الأجيال.

مناسبة القول، إصرار البعض وفق تعبيره على أن ننشغل الآن بعد استئناف الحياة العامة، بتحريك الأعضاء التناسلية "المركونة" لـ 3 أشهر خلال الحجر الصحي، عوض التفكير كبقية الشعوب الأخرى في تحريك الاقتصاد، وتدارك الاختلالات الناشبة على المستوى الاجتماعي، حيث شاهدنا خروج ناشطات أو ناشطة تنوب عنهن صوتا وصورة، يشتكين طول أمد الكبت خلال هذا الحجر على العازبات، من متأخرات في الزواج، وأرامل ومطلقات، راسمة لهن، وعنوة عنهن جميعا، وبطبيعة الحال دونما تفويض منهن، صورة نمطية جديدة تجعلهن وفق هذه الصورة المدسوسة عليهن جميعا مجرد لاهثات وراء الجنس المتفلت عن قيم المجتمع وثقافته. علما أن هذه صورة غير صحيحة بالمرة، لأن المرأة المغربية الحرة هي امرأة عفيفة، طاهرة ومتشبثة بمرجعيتها الدينية.

الحركات النسائية المشغولة طيلة الحجر الصحي بمناقشة العنف الزوجي، وما قد جرى "بسبب استفراد الرجل بالمرأة بالمنزل خلال أيام الوباء الأولى، قد أصيبت بالرمد تجاه هذه الخرجات الغريبة والشاذة، إذ لا يبدو عليها أنها تلتفت لهذه الإساءة الصادرة في حق المرأة من طرف بعض النساء، بل ولا يظهر عليها أنها ترى هؤلاء النسوة اللواتي يهدمن المعبد" الذي هو الأسرة، هذه الأسرة التي تقول كل هاته التنظيمات أو الحركات أنها تناضل من أجل تحسين شروط العيش والمعاشرة داخلها وليس تحسينها خارجها. لكأنها لا تسمع بالمرة أنين الأسر الذي لم يعد خافتا من وجع ضربات معاول التفسخ والميوعة والانحلال والحرية المفترى عليها المسلطة عليها كل حين. أو كأنها لا تستوعب أن مضاعفات ما يسمى بالعلاقات الرضائية ستقضي في العمق لما يطول الأمد على فكرة الأسرة نهائيا. هذه المؤسسة الإنسانية التي تردد دائما في أدبياتها أنها تدافع عنها، وأنها تسعى لحمايتها وإشاعة روح التفاهم والسكينة والعدل فيها.

هذه الجمعيات التي تفتي كل يوم للأسرة، والتي غدا إذا ما فكرنا في تعديل مدونة الأسرة ستتحفنا بعشرات الاقتراحات وستضغط الضغط "الكبير لانتزاع المزيد من المكتسبات"، كان من الواجب عليها، ومن حقنا عليها، أن نسمع لها الآن رأيا، وأن نسجل لها موقفا من مثل هذه الإساءات الفظيعة لصورة المرأة... أن نلمس لها ردة فعل مشرفة من هذه الدعوات الشاردة عن قيمنا وثقافتنا، والتي تطلقها نساء طلقن الحياء طلاقا بائنا، وذلك حتى تطمئن قلوبنا، وحتى نستوثق أننا عندما نتناقش غدا في حال ومصير الأسرة، فإننا نتناقشها مع من أثبت سلفا أنه يغير عليها ويريد لها الحياة والسلامة والاستقرار، ومع من ينتفض ضد دعوات هدمها. ولكننا رغم كل هذه الهجمة في واضحة النهار، لا نسمعها تصدر بيانا ولا حتى تصريحا تزيل به هذا اللبس، أو حتى تنثر به الرماد على العيون، وذاك أقل النضال.

إن ما نخافه فعلا هو أن يتم مستقبلا الحكم من طرف البعض على الأفكار التي تتناول مجال الأسرة، ليس بحسب وجاهتها، والمنفعة المتوقعة منها، ولكن بحسب نوعية الجهاز التناسلي لمطلقها أو مطلقتها دون أن يهم في ذلك، ما إن كانت هذه الأفكار، صائبة أم مخطئة، جادة أم عبثية، رصينة أم مارقة ونزقة عن قيم المجتمع الأصيلة.

لو دققنا التحليل، ونقبنا أكثر عن الأسباب وراء ما يجري أمام أعيننا من صرعات خرقاء في مجال الحريات الفردية، سنكتشف أن مثل هؤلاء النساء "الشقيات جنسيا" هن مجرد ضحايا، بل هن نتاج للتأطير وللخطاب الحقوقي السائد حاليا، والذي يتخطى أحيانا الحدود الأخلاقية والإنسانية، قافزا على كل القيم من خلال تدجين المصطلحات وتنعيمها لتمرير مفاهيم مشوهة، وتوجيهها معلبة حقوقيا وجمعويا بعد ذلك لكي يستهلكها كل من المرأة والرجل.

إنه حين نحذر من مثل هذه المنزلقات، وندعو لمواجهتها فكربا، فإننا لا نعادي بذلك المرأة كما يفهم بعض سيئي النية أو مدعي النضال، بل نحذر من نموذج مجتمعي متفلت وعبثي نرفضه لبلادنا.

إنه إذا جمعنا أجزاء الصورة وقمنا بإعادة تركيبها سنكون أمام المشهد التالي: انهماك من جهة على التحذير من تحول الأسرة إلى فضاء للعنف والاقتتال والصراع، مما يضعف من جاذبيتها بشكل كبير، ودعاية في المقابل في جهة أخرى للعلاقات الرضائية كبديل عن "القهر الأسري" باسم الحرية والحب والصحة الجنسية والعاطفية. إن نتيجة التوليف بين الصورتين أو المقاربتين تؤدي بنا للإشفاق وللتوجس من المصير المظلم الذي ينتظر الأسرة ولاستشعار خطر داهم يتربص بها، هو خطر احتضارها واندثارها بكل بساطة.

إن قضية المرأة أخطر من أن تترك للمرأة وحدها. هي قضية مجتمع برجاله ونسائه، وأساسا هي قضية المتنورين من نخبه، ولا يمكن تركها نهبا لاقتراحات الدهماء. لأنها قبل أن تكون قضية نضال، هي قضية تتطلب بالأساس تنظيرا وبصيرة ونفاذ رؤيا وصدقا في المعالجة. فإلى متى تخرج علينا بضع نساء بمثل هذه الدعوات الإباحية؟ وإلى متى ننتظر شجبا واستنكارا من الأغلبية الصامتة للنساء،"أو بالأحرى ممن يتولى تمثيلهن"، لمثل هذا الدعوات المرفوضة شعبيا، ويتأخر هذا الشجب كثيرا، أوقد لا يأتي أبدا؟

إن ترك السفهاء ينظرون لنا، وتواري النخب المثقفة إلى الوراء أو خوفها أو ترهيبها أو استساغتها واستسلامها بدورها للريع، قد يجعلنا بعد كورونا على أعتاب نكوص غير مسبوق، على موعد مع عودة غير مظفرة إلى البدائية، وإلى الأميسية الغابرة، بينما كان الأمل معقودا على انبثاق وعي جديد، يعيد أنسنة الإنسان، ويبتعد به عن الحيوانية والغرائزية والعبثية. فهل نتعظ؟؟؟