الدكتور السلاوي يرسم خارطة النجاح

أربعاء, 07/08/2020 - 10:06

"الحكمة تأتي من الشرق"، وكل الأدب والفنون العربيين كانت تضع الشرق في قلب الصورة، والغرب تاليا أو مضمرا، إلى أن قيد الله لهذا البلد الأمين الأستاذ عبد الله كنون بمنجزه "النبوغ المغربي"، الذي أماط اللثام عن الأدب المغربي والعلوم التي أبدع فيها رجاله، فكان بحق مرافعة أعاد بها المؤلف الاعتبار للغرب الإسلامي ثقافيا، بعد أن تبوأ مكانته في خارطته الجغرافية. ومنذ ذلك الحين، أصبح النبوغ المغربي يتصدر المشهد العلمي، ليس العربي فقط، بل الدولي، بلغات متعددة وعلوم أكثر دقة. ويعد الخبير منصف السلاوي واحدا ممن تعلقت بهم الأنظار والآمال لإخراج البلدان وأهلها مما ألم بهم من وباء، فاستحق بما حاز من علم ونجاح أن يُسمع له، ويستلهم من تجربته ما ينير طريق الشباب في كسبهم العلمي وتألقهم الإعلامي النافع للبلاد والعباد.

الشهرة تأتي ولا تُؤتى:

أصبحت الشهرة اليوم معشوقة جماهير الشباب، يدل على هذا حضورهم وتنافسهم القوي عبر شبكات التواصل الاجتماعي بحثا عن المعجبين والمتابعين، بغض النظر عن المضمون والمحتوى. وقد اختير من الأوصاف للمحترف والمتفرغ لهذا النوع من التواصل الجماهيري الإلكتروني "المؤثر"، وهو وصف يعكس مدى الإقبال الذي يحظى به هذا الحضور الإتصالي الجماهيري، إن اعتبرناه عملا، لكثرة المدعين والمتطاولين عليه؛ حيث نجد الكثير منهم تتملكهم الرغبة الجامحة في تصدر المشهد، واعتلاء المنابر، حارقين المراحل وسنن التكوين وتنمية المهارات بـ"تأثيرهم" المزعوم، مما يجعلهم عرضة للسخرية والتنكيت، فيصدق عليهم القول المأثور: "من تصدر قبل أوانه، فقد تصدر لهوانه".

وهذا ما ينطبق على الكثير من محترفي "يوتيوب" وغيره، حيث يطلق عليهم سكان المعمور ألفاظا شتى، وفي المغرب: العاطل. هكذا في منطوق النكتة، أو عمل من لا عمل له-مع احترامي للمبدعين منهم-وهي تعبير صادق عن تصورات المجتمع إزاء المواضيع والأشياء؛ فهزالة المحتوى وتهافته، إضافة إلى مكوثه الآني الذي ما يفتأ أن يتوارى ويُنسى لقلة نفعه ورداءة مضمونه، "فأما الزبد فيذهب جفاء".

وليس هناك من شك في أن تصدر الخبير البيولوجي منصف السلاوي المنبر الإعلامي أمام عدسات الصحافة العالمية، وعلى مرأى من الرئيس الأمريكي، وعلى وقع وتلهف العالم، لما سيبوح به من آمال لإنهاء خطر الجائحة، ليعد أرقى مراتب الشهرة وذيوع الصيت التي لم يسع إليها، بل هي التي سعت إليه نتيجة كده واجتهاده ونبوغه. وهو الشيء الذي يوصي به الشباب، بأن يهتموا أكثر بالعمل والإبداع، وتقديم النفع للناس، وتفريغ الطاقة لذلك، بدل اللهاث خلف الشهرة المستنزفة للجهد والتفكير، التي هي محصلة إنجاز وعمل في الميدان. فقد قالوا: "الشهرة دون إنجاز بالون منتفخ"، سرعان ما يعود إلى حجمه الأصلي بوخز إبرة. فشهرة كهذه ليست نجاحا، إن لم تقترن بالعمل المستمر والنافع للناس، "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". فلعل الدكتور بتواضعه يقدم درسا للشباب ليقطع مع ثقافة التهريج والتفاهة، وابتكار الحيل لحصد الإعجابات وتكثير سواد المتابعين. "فمن طلب العلا سهر الليالي"، ليس في غرف الدردشة والنكت، بل في التحصيل العلمي، والتثقيف الذاتي، الذي يعد الأب الشرعي للنجاح.

تحديد الهدف أول خطوة في طريق النجاح:

تدبير الحياة كما تدبير المؤسسات، إما أن تدار بالأهداف أو تدار بالكوارث. فمن ينتظر حلول الكارثة ليقوم للبحث عن حلول تقليلا للخسائر، ليس كمن يعمل على تفاديها بالتخطيط ووضع التصورات وشكل المستقبل الذي يرغب فيه، وتحديد ما يود تحقيقه. فـ"تحديد الأهداف ثروة لا تقدر بثمن، لأن فيها تحديدا لحياتك كلها" (فراكلين روزفلت). وأسمى الأهداف تلك التي تتعلق بتحقيق احتياجات المجتمع، كما كان سعي الدكتور منصف لتلبية حاجيات المجتمع الصحية. وجميل جدا أن تتلاءم هذه الاحتياجات مع ميول الفرد، وتتناسق مع إمكانياته. لأن من شأن ذلك أن يقوي الدافعية للإنجاز والعمل، والاستمتاع بذلك، مستلهما خبرات الناجحين ومصغيا لدروسهم. وهو ما أشار إليه د. منصف بفضيلة الاستماع إلى من هو أكثر خبرة وعلما... لمعرفة النافع والتمسك به، ومعرفة نقيضه لطرحه.

ولا يعني تحديد الهدف التشبث به، وإن بدا مستحيل التحقيق، أو كان الفشل حليف صاحبه. فالناجح هو القادر على تحويل الفشل إلى بداية للنجاح، بتغيير الهدف أو تغيير أسلوب تحقيقه. فالدكتور منصف كان يرغب في دراسة الطب في فرنسا، لكن لما تعذر عليه ذلك ذهب إلى بلجيكا منخرطا في شعبة البيولوجيا، كمحطة للانتقال إلى فرنسا، لكن أستاذه حبب له هذا العلم، فاختاره بديلا، وحقق فيه النتائج التي يعلمها الجميع. وهو ما ينسجم مع قول أينشتاين: "إن المشاكل الكبيرة التي نواجهها لا يمكن حلها انطلاقا من مستوى التفكير ذاته الذي لدينا عندما أنشأناه"، ومثاله في ثقافتنا الشعبية: "الرأس لما يدور كدية". هذه الانعطافة عندما تكون مبررة وموجهة لا شك أن تكون إلا بداية للنجاح، الذي يساعد الأستاذ والمشرف بتعبيد الطريق نحوه وتذليل الصعوبات التي تقف دون تحقيقه.

لكل مجتهد نصيب:

إن الرؤية الواضحة للمستقبل ينبغي أن تدفع صاحبها إلى العمل، فالرؤية لا تتبلور على أرض الواقع بالتمني، "الجهد المتواصل وليس الذكاء أو القوة هو مفتاح إطلاق الذات قدراتها الذاتية" (تشرشل). مثل هذا المعنى نجده عند الكثير من الناجحين كآشتاين الذي يرجع 90% من النجاح إلى الجهد، والباقي إلى الذكاء. وهو ما يتوافق مع قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، وقد كافأ الإسلام المجتهد المجانب للصواب تشجيعا للناس ودفعهم للعمل، وجعله عادة وممارسة يومية كالعبادة، بمباشرة تنفيذ ما عقد العزم على تحقيقه بهمة عالية وحماس، متجاهلا كلمة "مستحيل" كما تجاهلها نابليون. وهو ما يرفع منسوب الثقة بالنفس، التي "يمكنك أن تنميها عبر التصرف كما لو كنت تمتلكها بالفعل". فالنجاح والرغبة في الظفر بأرقى مرتبة في سلمه قد يكون نابعا من قوة داخلية، ورغبة تملك الإنسان تكاد أن تتغلب على كل التحديات التي تقف في وجهها حتى ولو كانت أحيانا قوانين الطبيعة، فالأبطال نتيجة الحلم والإرادة والرؤية. وللعادة في هذا دور كبير، إذ يعتبرها أرسطو الطبيعة الثانية للإنسان، وبها يصل إلى الجودة في ما يقوم به. وقد اختار د.منصف الاجتهاد في الدراسة شابا، وارتفع عدد ساعات العمل لديه كثيرا دونما تعب أو ملل، بل مستمتعا بما يقوم به كما جاء على لسانه، فقط يحتاج الأمر إلى تنظيم الوقت، وعدم معاكسة الطبيعة، باستبدال أنشطة النهار بأنشطة الليل، "وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشا".

خاتمة:

يمكن القول: "وراء كل عظيم فكرة". فالعالم يتطور نتيجة ما يتولد من أفكار، هي بناة عقول آمنت بإمكانية حياة أفضل للإنسانية. والفكرة التي سكنت د.منصف السلاوي هي الرغبة في تغيير الوضعية الصحية لكثير من أطفال بلده، لما عاينه من اعتلال صحي يعيق نموهم واستمتاعهم بالحياة. فكر في التغيير بالأسلوب السياسي الذي مارسه الكثير من أبناء جيله، لكن سرعان ما غير الوجهة نحو معانقة البحث العلمي، والسير في الدروب المؤدية إلى مختبراته، لعله يجد لقاحا ومضادات حيوية تعيد للأجسام البريئة حيويتها ونضارتها. وهو اليوم أمل العالم في إعادة الحيوية والنشاط لساكنة الكوكب الأرضي.