الموقف الأوروبي يدعم الحكم الذاتي

ثلاثاء, 07/07/2020 - 08:28

ظل موقف الاتحاد الأوروبي المعبر عنه بواسطة أجهزته التقريرية من ملف الصحراء محكوما بتطور النزاع وبالتقدم المحرز في الملف وبجدية مختلف الأطراف، خاصة منها المغرب الذي أثبت أنه شريك أساسي للاتحاد الأوروبي، من خلال مختلف مقترحاته وتحركاته السياسية، ثم على مستوى تعاطيه المسؤول مع الاتحاد، خاصة في اللحظات التي انطلق فيها النقاش المفتوح الصريح أثناء التحضير لتوقيع مختلف الاتفاقيات الفلاحية والمتعلقة كذلك بالصيد البحري التي عززت الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، وجعلت من هذا الأخير ينظر بمنظار مختلف إلى مداخل الحل السياسي للنزاع المفتعل حول الصحراء؛ إذ لم يقتصر الأمر فقط على تأكيده دعم المسلسل السياسي الأممي، وهو دعم لا يرتبط فقط بموقف عادي، بل بموقف قوي تجاه التطور الذي شهده الملف داخل أروقة الأمم المتحدة، خاصة مع قراراتها الأخيرة التي دعت بشكل صريح إلى البحث عن "حل سياسي عادل، متوافق بشأنه بروح ودينامية جديدة".

وعندما تحدث مجلس الأمن عن ضرورة الوصول إلى حل سياسي بروح ودينامية جديدة، فهذا يعني أن الدينامية السابقة التي تم تجاوزها عمليا من طرف الأمم المتحدة تم إقبارها، وهي دينامية "استفتاء تقرير المصير"، لينتصر المجلس لحل سياسي جديد يعكس هذه الروح التي تحدث عنها، وهي الروح التي جسدها المغرب وتجسدت في مبادرة الحكم الذاتي التي تستجيب مضامينها للمعايير التي وضعتها الأمم المتحدة لإنهاء هذا النزاع المفتعل.

وبالعودة إلى الموقف الذي تم التعبير عنه من طرف الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية، جوزيف بوريل، الذي تبنى الخيار الجديد للأمم المتحدة ولمجلس الأمن لتسوية الملف سياسيا، فهو بذلك يدعم خيارا سياسيا بالمعايير التي أشرنا إليها سابقا، وهي المعايير المعبر مضمونها عن دعم الحكم الذاتي كمبادرة تبعث روحا جديدة وتطلق دينامية تعكس هذا التوجه السياسي الجديد. لذلك فتطابق رؤية الاتحاد الأوروبي مع رؤية وقرارات مجلس الأمن يؤكد رغبة الاتحاد من جهة في طي هذا النزاع المفتعل، ومن جهة أخرى في دعم سياسي صريح للمغرب ولرؤيته التي طرحها لإنهاء هذا الملف.

ما يعزز ما تم طرحه سابقا هو أن الأمر لا يتعلق فقط بموقف سياسي أوروبي معزول، بل برؤية تتقاطع فيها عدة تحركات سياسية دبلوماسية ومؤسساتية لأجهزة الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتعلق بالمفاوضات التي تمت بينه وبين المغرب حول تجديد اتفاقيتي التبادل الفلاحي والصيد البحري اللتين بموجبهما عادت السفن الأوروبية للمياه الصحراوية المغربية، وفق اتفاق محدد محترم للقانون الدولي وللسيادة المغربية السياسية والإدارية على كافة مياهه الإقليمية المتواجدة ضمن إقليم الصحراء الغربية المغربية.

هذه التفاهمات والاتفاقيات لم يكن لها أن تنجح دون إشراك المغرب للساكنة المحلية من خلال ممثليها المنتخبين ديمقراطيا، المشكلين لمختلف الأجهزة المحلية والجهوية للمؤسسات المنتخبة بالأقاليم الصحراوية التي تقدر بحوالي ألف منتخب، مشكلين لما مجموعه 33 جماعة محلية متواجدة بالأقاليم الجنوبية الصحراوية، وأربع غرف مهنية؛ إذ إن عملية إشراك هؤلاء المنتخبين تمثلت في المشورة التي استند إليها المغرب وقدمها للاتحاد الأوروبي من أجل تجديد الاتفاقية الفلاحية معه، إذ كان لرأي الممثلين المحليين القول الحاسم في هذا التجديد، وكان موقفهم الذي يعبر عن طموح الساكنة المحلية في التنمية وفي شراكة حقيقية مع أوروبا تنعكس إيجابيا على الوضع الاقتصادي العام بالصحراء حاسما في تجديد الاتفاقية. وتمثل كل ذلك في التقرير الأوروبي الذي تم إعداده من EESA ووجه إلى المجلس والبرلمان الأوروبي؛ لتعمل اللجنة المكلفة بالتجارة الدولية بمهمة استطلاعية عبارة عن تقص للحقائق في الأقاليم الجنوبية، فتوج كل ذلك بقرار أوروبي صريح بتجديد وتوقيع الاتفاقية الفلاحية.

هنا لا بد وأن يطرح سؤال من يمثل الساكنة الصحراوية ومن يحمي مصالحها ومن يعتبر أمام المنتظم الدولي، خاصة على المستوى الأوروبي، المخاطب إلى جانب المغرب في الشراكات التي يوقعها معه؟ فإشراك الاتحاد الأوروبي للممثلين المحليين في المفاوضات وجلوسهم معهم لم يكن فقط أمرا شكليا في المسار الذي سبق توقيع الاتفاقيات، بل كان تعبيرا عن قرار سياسي وموقف مؤسساتي للجهة التي تم اعتبارها المخاطب، وهي الموكول إليها الحديث باسم الساكنة المحلية الصحراوية وتمثيلها.

والموقف الأوروبي حسم بشكل نهائي الجدل القائم حول من يمثل الساكنة الصحراوية، وانتصر للتمثيلية الديمقراطية والمدنية المتواجدة بالأقاليم الصحراوية، وأنهى عمليا أكذوبة شعار "البوليساريو الممثل الشرعي" للساكنة الصحراوية.