الأزمة الاقتصادية والمالية تُفاقم مُعاناة وسائل الإعلام في لبنان

ثلاثاء, 02/04/2020 - 17:42

تكافح وسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في لبنان من أجل البقاء، بعد احتجاب عدد منها عن الصدور وتعثر معظمها عن سداد رواتب موظفيها، في وقت يشهد قطاع الصحافة تدهوراً منذ سنوات فاقمته مؤخراً أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
ولم يسلم الإعلام المحلي من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي دفعت مئات الآلاف من اللبنانيين إلى الشوارع ضد الطبقة السياسية، آخرهم صحيفة الدايلي ستار، الوحيدة الناطقة بالإنكليزية في لبنان، التي أعلنت الثلاثاء “تعليقاً مؤقتاً لنسختها الورقية”.
وبرّرت الصحيفة التي تأسست قبل 68 عاماً، قرارها بـ”التحديات المالية التي تواجه الصحافة اللبنانية والتي فاقمها تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد”. وقالت إنه جاء بعد “تراجع في عائدات الاعلانات إلى حدّ توقفها في الربع الأخير من العام 2019، كما في شهر كانون الثاني/يناير من العام الحالي”.
وخلال الأشهر الماضية، أفاد موظفون في الصحيفة عن عدم تلقيهم رواتبهم. وذكر صحافي أقيل من منصبه نهاية العام الماضي، إن الصحيفة تدين للبعض برواتب ستة أشهر.
وسبق للصحيفة أن أغلقت أكثر من عشرة أعوام خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، قبل أن تعاود الصدور عام 1996.
ويشهد قطاع الصحافة في لبنان منذ سنوات أزمة متمادية ترتبط بشكل أساسي بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي لوسائل الإعلام، عدا عن ازدهار الصحافة الرقمية وتراجع عائدات الاعلانات.
وخلال السنوات الماضية، استغنت مؤسسّات عدة عن عاملين فيها، كما توقّفت صحف عريقة عن الصدور، أبرزها صحيفة “السفير” نهاية العام 2016 جراء مصاعب مالية بعد 42 عاماً من تأسيسها.
لكن معاناة وسائل الاعلام تضاعفت مؤخراً نتيجة انهيار اقتصادي متسارع منذ أشهر، وسط شحّ في السيولة ومخاوف من عدم تمكن لبنان من سداد جزء من الدين العام المتراكم والذي سيستحق قريبا، بالتزامن مع ارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية وفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار.
وتمتنع وسائل اعلام عدة لا سيّما القنوات التلفزيونية عن دفع رواتب موظفيها كاملة. واقتطع بعضها نصف الرواتب بينما دفعت إحدى القنوات ثلث رواتب موظفيها، بانتظار تحسّن الوضع، وفق ما أكد صحافيون وموظفون لوكالة فرانس برس.
وقال صحافي في جريدة النهار، وهي الصحيفة الأعرق في لبنان، لوكالة فرانس برس “لم نتقاض رواتبنا منذ خمسة أشهر”.
وأوضح موظف في قناة تلفزيونية بارزة أن مؤسّسته دفعت الشهر الماضي نصف قيمة الرواتب، لكنها وعدت بإكمالها لاحقاً.
– “أزمة بنيوية” –
في نهاية الأسبوع، توقّفت إذاعة “راديو 1” الناطقة باللغة الإنكليزية، عن البثّ بعد نحو 40 عاماً من انطلاقها. كما توقفت مجلة “إيبدو” الناطقة بالفرنسية والتي تأسست في العام 1956 نهاية العام الماضي عن الصدور.
وتقول موظفة في المجلة لفرانس برس “كانت المصارف وشركات التأمين تُشكل الجزء الأكبر من ناشري الإعلانات لدينا”، وتراجعت هذه الإعلانات بشكل كبير مؤخراً.
وأعلنت المؤسسة اللبنانية للإرسال “إل بي سي” نهاية الشهر الماضي أنها “ستنتقل من البثّ المجّاني المفتوح إلى البثّ المشفّر قريباً”، ويتوجّب على المشاهدين دفع مبلغ مالي لمشاهدتها.
ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز) أيمن مهنا لوكالة فرانس برس “أزمة الصحافة اللبنانية بنيوية، لكن الوضع الاقتصادي الحالي فاقمها”.
ويضيف “ما يحصل ليس مفاجئاً كون النموذج الاقتصادي لغالبية وسائل الاعلام اللبنانية هو التمويل السياسي الذي لم يعد متوفراً، فضلاً عن سوق الإعلانات المحدود”.
وحذّر مهنا من أنه “إذا استمرت الأزمة الحالية، فإن وسائل إعلام أخرى ستقوم حتماً بالأمر ذاته”.
ولا توجد في لبنان وسائل إعلام مستقلة بشكل كامل، بل هي غالباً موالية لطرف سياسي معين، أو على الأقل مؤيدة لخط سياسي ما.
– “فرصة” –
و”الدايلي ستار”، التي أسّسها كامل مروة، مالك ورئيس تحرير صحيفة الحياة العربية حينذاك، هي آخر المؤسسات الاعلامية المدعومة من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري والتي تعلّق عملها لأسباب مادية.
ومطلع عام 2019، توقّفت صحيفة المستقبل التي أسّسها رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، والد سعد الحريري، عن الصدور بعد عشرين عاماً من بدء صدورها. وفي أيلول/سبتمبر من العام ذاته، أعلن الحريري تعليق العمل بتلفزيون المستقبل بعد 26 عاماً من تأسيسه، معللاً قراره بأسباب مادية أيضاً.
وتفاقمت مشاكل الحريري المالية خلال الأعوام القليلة الماضية، ما أجبره في العام 2017 على تسريح مئات الموظفين والعاملين من دون دفع مستحقاتهم الكاملة مع إغلاق شركة “سعودي-أوجيه” للبناء والتعهدات في السعودية التي ورثها مع العائلة عن والده وكانت الركيزة الأساسية في بناء ثروة رفيق الحريري.
وشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر تظاهرات غير مسبوقة ضد الطبقة السياسية التي يتهمها اللبنانيون بالفشل في إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة. وأدت التظاهرات إلى استقالة الحريري من رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة جديدة الشهر الماضي برئاسة حسان دياب.
وتعدّ الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية. وارتفع الدين العام إلى نحو تسعين مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
ويرى مهنا أنه “حان الوقت لأن تعيد الصحافة اللبنانية النظر في نموذجها الاقتصادي” معتبراً أنّ ” الأزمة الحالية فرصة مناسبة لذلك”.