يقول الصهيوامريكيون لحلفائهم الخليجين: اذهبوا انتم وربكم وقاتلوا إنا هاهنا قاعدون

سبت, 09/21/2019 - 12:11

د. عبد الحي زلوم

حليفٌ ليس له حليف:

قال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض، في 16/09/2019 بعد استهداف منشآت بقيق وخريص ‏النفطية السعودية أنه لم يعِد السعوديين بحمايتهم، وأضاف: “سيتعين علينا أن نجلس معا ونقرر شيئا. وهم يريدون أن نحميهم، لكن الهجوم كان على السعودية وليس علينا…وإذا قررنا شيئاً فعليهم أن يدفعوا وهم يعرفون ذلك”، السؤال الاول الذي يتبادر الى الاذهان : لماذا كل هذا الاصرار من رئيس الولايات المتحدة على اهانة رموز النظام الرسمي العربي متمثلاً بإحدى اكبر دوله واغناها؟ ثم اذا كانت القواعد العسكرية الامريكية القابعة فوق حقول نفط  ارامكو منذ منتصف اربعينات القرن الماضي وفوق كل حقول نفط الخليج هي ليست لحماية دولها فهي اذا لحماية من؟ ثم لماذا كل هذه البترودولارات والاستثمارات الخليجية التي تذهب بفائض عوائد النفط ‏قبل أن تطئ أراضي أصحابها كسندات دين للخزانة الامريكية؟  ثم لماذا كل هؤلاء المستشارين الامريكيين في جيوش دول الخليج؟ ولماذا كل هذه الاسلحة ‏و ميزانيات الدفاع والمناورات المشتركة؟

***

ولماذا هذه القناطير المقنطرة من السلاح؟

تحتل المملكة العربية السعودية الرقم الثالث بعد الولايات المتحدة والصين في ميزانيات الدفاع بين دول العالم . أي أن السعودية تصرف على الاسلحة اكثر مما تصرف بريطانيا أو فرنسا . إذ تصرف السعودية 81.8 مليار دولار بالسنة على التسلح في حين أن ميزانية الدفاع الروسية نصف ميزانية الدفاع السعودية البالغة 42.8 مليار دولار بما في ذلك ميزانيات مراكز الابحاث ومصانع التسلح التي تنتج القنابل ‏النووية و الطائرات النفاثة والصواريخ  . كما ان السعودية تصرف 261% اكثر من تركيا صاحبة ثاني اكبر جيش في الناتو ‏بعد الجيش الأمريكي.  و‏تصرف اكثر من 381% من مصروف ايران والتي تقدر ميزانية دفاعها ب 17 مليار دولار شاملة كافة مصانع الاسلحة ‏والصواريخ بل وبرامج الفضاء ‏والأبحاث النووية.

انظمة الدفاع السعودية واجهزتها صممتها وزودتها الولايات المتحدة وبأثمان باهظة زادت عن نصف تريليون دولار في السنوات ‏القليله الماضية .افلا يحق للسعودية ان تسأل ترامب ووزارة دفاعه كيف لم تستطع هذه المنظومات أن تحمي جوهر الاقتصاد السعودي منشآته النفطية ؟

***

العاقل من اتعظ بغيره ومن لا تأخذه العزة بالاثم:

قراءة التاريخ هي إحدى ضرورات استقراء المستقبل. أول ما يلاحظة دارس التاريخ العربي الحديث مع الولايات المتحدة أن الكذب والخداع هو من صميم سياساتها.  أنها تخلق اشباحاً اعداءاً لغرض في نفس يعقوبها ‏وخصوصا لنهب  ‏مقدرات الأمة و ثروتها .

بعد أن الغى  ‏الرئيس نيكسون سعر صرف الدولار الثابت بالذهب مخالفاً بذلك اتفاقية بريتن وودز بداية سبعينات القرن الماضي تم اجبار الدول على شراء النفط بالدولار فاصبح الذهب الاسود (البترول) هو الذي يغطي الدولار بدل الذهب الاصفر. توضح احدى حالات الدراسة في جامعة هارفارد (كلية الدراسات العليا للادارة) أن خيار احتلال منابع النفط في الخليج ودوله كان خياراً مطروحاً من هنري كسينجر. الا أنه نتيجة للتوازنات العالمية آنذاك تم الاستعاضة عن ذلك بالاحتلال عن طريق الخطوة خطوة بدءاً من خلق قوات التدخل السريع والتي  تطورت لتصبح القيادة المركزية الوسطى. تم  وضع خطة حرب الخليج الاولى (‏عاصفة الصحراء ) والتي كان احتلال الكويت احدى ضروراتها ‏قبل اثنا عشر سنة من حصولها. نُشرت الخطة بتفاصيليها كاحدى (war games)   في  مجلة فورتشن في عددها الصادر في 7/5/1979 الصفحة 158، وتحت عنوان “إذا قام العراق بغزو الكويت والسعودية…جاء في المقال: “تتمكن القوات المدرعة العراقية مستخدمة في معظمها معدات سوفيتية، من اجتياح اي من الدولتين بكل سرعة. وفي حال طلبها، فإن المساعدة الأميركية ستكون في البداية عبارة عن ضربات جوية تكتيكية أميركية ضد القوات المدرعة العراقية وقواتها الجوية – وربما بعض التهديدات بتدمير المنشآت النفطية العراقية. ولطرد القوات البرية العراقية، فستكون هناك حاجة إلى قوات المارينز من الأسطولين السادس والسابع، ولقوات المشاة من الفرقتين الـ 82 والــ101 ” وصوّرت هذه الخطة “جيشاً في السماء” لتحريك القوات واستخدام الجسر الجوي الاستراتيجي لقوات سلاح الجو الأميركي – المكون من 70 من طائرات C-5A العملاقة و234 طائرة C-141 الأصغر حجماً، إلى جانب 700 من طائرات KC-135 المستخدمة في تزويد الطائرات بالوقود أثناء تحليقها في الجو.” رأت تلك الدراسة نفسها بأن عرب الشمال (خصوصاً الفلسطينيين) في الخليج ، واليمنيين في الجزيرة العربية يشكلون عناصر عدم استقرار ، ويفضل العيش دون وجودهم في أول فرصة سانحة. وكانت هذه الفرصة هي حرب الخليج الأولى.

***

حروب الخاسران والاعداء الاشباح:

عند اندلاع الحرب الايرانية العراقية والتي دامت 8 سنوات قال هنري كسينجر (في كل الحروب خاسر ورابح لكن في هذه الحرب يجب أن يكون هناك خاسران).   فهل الحرب اليمنية السعودية  ‏هي من (حروب الخاسرين) أريد بها أن ‏يكون الخاسران هما السعودية واليمن؟ ‏ايام ايران الشاه كان صدام حسين  هو الشبح العدو لدول النفط .وبعد ان اصبحت ايران جمهورية اسلامية اصبحت ايران هي الشبح العدو . قامت الولايات المتحدة عبر (حلفائها) بإقناع صدام حسين ان الحرب على ايران ستكون نزهة حيث أن جيشها قد تم تفكيكه بعد الثورة ، ‏تماما كما اقترحت الولايات المتحدة للسعودية ان حربها ضد اليمن ستأخذها يوما أو بعض يوم .كانت اول زيارة يقوم بها صدام حسين الى العربية السعودية قبل اسابيع فقط من بداية الحرب على ايران.  اخبره الملك السعودي بأنه يحمل الضوء الاخضر من الرئيس كارتر شخصياً لشن الحرب على ايران وأن دول الخليج ستسانده حتى النهاية . بعد ثماني سنوات ‏من الحرب خسر العراق احتياطاته من الدولارات البالغ  40 مليار دولار بالإضافة الى 100 مليار دولار أخرى غطتها دول الخليج ذهبت جميعها  ‏لشراء أسلحة من الغرب. ‏خسر العراق حوالي مليون من شعبه بين قتيل وجريح وتم تدمير البنية التحتية لإيران وهي ما زالت في بداية الثورة  فأصبح كلا من العراق وإيران خاسرين.

بدأت حرب  الخليج الاولى بأكذوبة. طار وزير الدفاع الامريكي  ‏الذي كان ديك شيني أنذاك وادعى أن القوات العراقية قد تخطت الحدود الكويتية الى السعودية مما اجبر الولايات المتحدة على  التحرك الفوري  حيث أن  طائراتها ‏وجنودها قد اصبحت في الجو للدفاع عن السعودية . وتبين ان خرائط للاقمار الصناعية تم تزييفها وتقديمها للسعوديين . وهكذا جاء نصف مليون امريكي الى المنطقة وتم احتلال فعلي لمنابع النفط خطوة خطوة حتى هذا اليوم.

أكاذيب الولايات المتحدة لتبرير حروبها كثيرة نستحضر منها اكاذيبها لتبرير غزوها للعراق. جاء في تقرير لـ Associated Press بتاريخ 24 يناير سنة 2008 أن مؤسستي The Center for public integrity and the Fund for Independence in Journalism  وجدتا بأن الرئيس بوش وكبار مساعديه قد كذبوا 925 مرة بعد أحداث 11 سبتمبر وذلك لتسويق خطر العراق على الأمن القومي الأمريكي.

 تم الضغط على العراق ‏بعد ذلك من حلفاء الامس طالبين من صدام  تسديد المبالغ التي قالوا انها كانت ‏قروضا وليست مساعدات وهم يعلمون أن خزائنه فارغة. ثم ضخوا الى الاسواق العالمية اكثر من حصصهم في اوبك مما خفض الاسعار والتي كانت تعني خسارة العراق مليار دولار عن كل دولار هبوط في الاسعار . كما ساعدت السفيرة الامريكية في بغداد في تضليل صدام حسين بأن غزو الكويت هو شأنٌ عربي لا شأن للولايات المتحدة به. وادعت الولايات المتحدة ان اقمارها وجواسيسها في الارض والسماء لم ترى مئة الف جندي عراقي يتوجهون الى الكويت بالاف دباباتهم وعرباتهم فأوقعوه بالشركة تماماً كما لم ترى الاقمار الصناعية الامريكية ومداراتها في البر والبحر عشر طائرات مسيرة تقصف المنشآت النفطية السعودية! اذا اقتضت الخطة احتلال حليف كالكويت فبالنسبة للولايات المتحدة فكل شيئ يهون في مصلحة التجمع العسكري الصناعي الامريكي .

من ‏الجدير ‏ذكره إنه بعد الغزو الأمريكي للعراق وبعد أن ‏أعلن جورج دبليو بوش أن المهمة قد أنجزت جاء المحافظون الجدد الذين روجوا للحرب على العراق جاءوا إلى الكونجرس بخبراء ‏من شاكلتهم يدعون إلى تقسيم السعودية إلى ثلاث دول. الذي اوقف ‏هذه الحملة كانت المقاومة العراقية الباسلة التي كادت أن تطيح بالنظام المالي الأمريكي والعالمي وكبدت  الولايات المتحدة اكثر من 4 الاف قتيل وعشرات الاف الجرحى وزادت كلفتها عن تريليونات الدولارات.

 ما يحدث اليوم وبعد اختفاء صدام حسين هو أن اصبحت الجمهورية الاسلامية في ايران هي الشبح العدو الجديد بدل العدو الحقيقي المحتل للمقدسات في فلسطين. هل نحن بحاجة الى فلاديمير بوتين ليذكرنا بأن عليّنا الاعتصام بحبل الله لِنُفْسِدَ على هؤلاء المستعمرين والمحتلين اكاذيبهم وخططهم  وأن نقول لجيران لنا يشاركوننا أركان الاسلام الخمسة : تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ “.

أليس ذلك بأفضل من التحالف مع المغضوب عليهم المحتلين للمقدسات والارض التي بارك الله حولها و الطامعين ليس فقط في فلسطين وإنما في اجزاء كبيرة من مصر والاردن وسوريا ولبنان والجزيرة العربية في اسرائيليتهم الكبرى والتي يجاهرون بها اليوم دون خوف أو حياء! أو التحالف مع حليف بينه وبين السعودية تحالف استراتيجي منذ ايام الرئيس روزفيلت والملك عبد العزيز والذي جعل  من الاحتياطات النفطية السعودية  الغطاء الحقيقي للدولار وغطت تريلونات بترودولاراته عبر السنين ديون الولايات المتحدة عبر شراء سندات الخزانة الامريكية؟ وعندما تطرق الحاجة الابواب يقول”… لكن الهجوم كان على السعودية وليس علينا…وإذا قررنا شيئاً فعليهم أن يدفعوا وهم يعرفون ذلك” . هذه العقلية هي عقلية رجال المافيا الذين يفرضون مال الحماية (protection money ) على زبائنهم. ما يجب أن تعرفه كل دول المطبعين العرب ‏واسم توريتهم  هو دول الاعتدال بأنه لا يوجد للإمبراطوريات صداقات ولا حلفاء. للإمبراطوريات وكلاء  فقط. و العلاقة بإتجاه واحد يخدم فيها الوكيل الأصيل وليس العكس. و العودة عن الخطأ فضيلة . وكما يقول المثل الأمريكي: أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا.

حسب موقع تقصي الحقائق التابع لجريدة واشنطن بوست” فقد أدلى دونالد ترامب خلال 928 يوما في الحكم بنحو 1201 كذبة أو ادعاء مخادع !!! الا يحق للسعودية أن ‏تستنتج  صحة ما قاله حسني مبارك بعد خبرة 30 سنة “أن المتغطي بالامريكان عريان؟”

مستشار ومؤلف وباحث