بندر الهتار: هل تنجح التهدئة السعودية الإماراتية جنوب اليمن؟

اثنين, 09/09/2019 - 15:25

بندر الهتار

بين ليلة وضحاها يمكن أن تنفجر الأوضاع عسكريا في المحافظات اليمنية التي تتقاسم نفوذها السعودية والإمارات، وبالسرعة نفسها قد نشهد تهدئة ومصالحة بين طرفي الصراع، أي إننا أمام واقع مترنح بين اللافوضى واللااستقرار، واقع مفتوح على جميع الخيارات، ودلالة ذلك أن التحالف قد وقع في مستنقع يعجز فيه حتى عن إدارة المناطق الخاضعة لنفوذه.

البيان السعودي الإمارتي المشترك الذي صدر مؤخرا يؤكد أن مسار الأحداث في عدن وبعض المحافظات الجنوبية متجه نحو تهدئة مؤقتة، وحتى هذا الحكم لا يمكن الجزم به بالنظر إلى أن طرفي الصراع حتى إلى ما بعد “البيان المشترك” يواصلان التحشيد العسكري بالقرب من خطوط الاشتباك، دون أدنى احتمال بتخلي أحدهما عن مواقعه لصالح الآخر.

ما يثير التكهنات أن البيان المشترك جاء بعد يومين من بيان سعودي منفرد ومخالف في نقاط مهمة، فهذا الأخير كان شديد اللهجة حين عبر عن “رفضه التام للتصعيد الذي حصل في عدن والمسار الذي اتجهت إليه الأحداث” مؤكدا ضرورة تسليم المقرات المدنية والعسكرية لحكومة هادي، وهذه النقطة بالذات لم ترد ولو من باب الإشارة في البيان السعودي الإماراتي، وخلاصته التركيز على الدعوة لوقف أي تحركات أو نشاطات عسكرية أو القيام بأي ممارسات ضد المكونات الأخرى، ما يعني تجميد الخلافات والقبول مبدئيا بالأمر الواقع الذي فرضه “المجلس الانتقالي” وقواته.

وعلى الرغم من أن البيان المشترك مرّر عبارة “نؤكد دعم الحكومة الشرعية” ولو أنها ضدا من قناعات أبوظبي، إلا أن هذه الحكومة قد أبدت انزعاجها، بعد أن سوّقت على مدى اليومين الماضيين للبيان السعودي المنفرد الذي راعى اشتراطاتها للقبول بحوار جدة المفترض، بعكس المجلس الانتقالي الذي سارع للترحيب، وهذا بديهي لأن البيان يعترف به طرفا سياسيا متواجدا على أرض الواقع، ثم باعتبار التهدئة ستمنحه مزيدا من الوقت لترتيب أوراقه واستقبال الدعم العسكري الإماراتي للتصدي لتحشيد القوات المضادة التي كانت تراهن على معركة قريبة – بدعم سعودي – تقضي فيها على طموح الانتقالي وتعيده إلى نقطة الصفر.

الهدف من التهدئة كما هو موضح في البيان المشترك، توحيد الجهود ضد أنصار الله والقوى المتحالفة معهم، فالأخيرة -بنظرهم- بدت مرتاحة من تفاقم الصراع بين الطرفين، ولعل الاعتقاد السائد الآن هو البحث عن كيفية تدشين مرحلة من التصعيد العسكري ضد صنعاء، تُعنى بتحقيق اختراق ميداني يعيد الاعتبار لقوات التحالف التي تعاني من تراكم الفشل للعام الخامس على التوالي.

هذه الرؤية لا تبدو سعودية إماراتية محضة، فالغالب عليها أنها توصيات أمريكية لمحاولة احتواء الطرفين، وتوجيههما نحو أنصارالله الطرف الأكثر خطورة بحكم تطور قدراته العسكرية، وهذا ما عبر عنه قبل أيام مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الذي حذر من أن صراع السعودية والإمارات سينعكس لصالح “الحوثيين”، قائلا  “ما يجري سيعطل جهود الولايات المتحدة وإسرائيل في سعيها لبناء جبهة قوية وموحدة ضد أنشطة إيران وحلفائها” !

وإضافة إلى ما قدمه المركز الإسرائيلي من إشارات تؤكد بأن حرب التحالف تراعي مصلحة الكيان الصهيوني، فإن الرياض وأبوظبي تبدوان ملزمتين بالاستجابة لهكذا ضغوط، خاصة الرياض التي ترى نفسها في مأزق مفتوح، وهي بحاجة إلى من يسندها في الحرب المتصاعدة على حدودها وفي عمقها بضربات الصواريخ الباليستية والطيران المسير.

على الجانب السياسي، قد نشهد تقدما ملموسا ولو شكليا نحو انعقاد حوار جدة، وحين نقول شكليا فإننا نجزم بفشل أي مخرجات، نظرا لتناقض الأجندات في المحافظات الجنوبية، وقد اتضح مؤخرا أن الإمارات إلى جانب رفضها اشتراطات حكومة هادي بانسحاب قوات المجلس الانتقالي من عدن، فإنها تشترط على السعودية إزاحة الإصلاح من موقع التفرد بقرارات الحكومة، ثم الذهاب نحو تسوية سياسية تعطي الانتقالي حصة الأسد.

ومع ذلك، تبقى التهدئة المؤقتة أمام مخاطر عودة الاقتتال من جديد، خصوصا إذا ما حدث تطور عسكري في إحدى خطوط الاشتباك المليئة بالمقاتلين والعتاد الضخم، كذلك فإن إمكانية جمع الطرفين في معارك ضد أنصارالله يبقى مهددا بكثير من العراقيل، أهمها انعدام الانسجام والثقة بينهما، وهل يعقل أن يترك الانتقالي عدن وأبين ليذهب بقواته عشرات الكيلومترات كاشفا ظهره أمام قوات حزب الإصلاح ؟ ثم إن الإمارات في حال تبنت أي معارك ضد أنصارالله تكون قد خرقت المعادلة التي تُلزم أبوظبي بالانكفاء مقابل تجنيب قواعدها ومنشئاتها الحيوية القصف بالصواريخ الباليتسية والطائرات المسيرة.

إعلامي وكاتب يمني