سيادة القانون من “المنشد” الى “العطوة الوطنية”

أربعاء, 05/01/2019 - 11:56

نادية عصام حرحش
منذ أن جاءت السلطة الفلسطينية، وقطاع العدالة متمثلا بوزارة العدل والنيابة والقضاء والمحافظات وغيرها من وزارات في حالة سباق من أجل سيادة القانون وتطبيقه. ملايين الدولارات انفقت على مدار السنوات لمشاريع سيادة القانون. أمر طبيعي ومحمود، وتوقعات من الشعب الذي يدر التمويل الدولي عليه سبل الحياة، أن ينعم بنهاية الامر بتحقيق العدالة تحت إطار سيادة القانون والعيش بأمن- لا ينحصر على التنسيق الأمني المقدس!
عدد المحامين ورجال القانون ارتفع بشكل كبير، وصار قطاع القانون فائض من كل الاتجاهات، فكم من قاضي تم تعيينه، وكم من هيئة تم تأسيسها، وكم من قانون تم كتابته، وكم من مستشار تم تأهيله لكي نرقى بما يسمى سيادة القانون.
في السنوات القليلة الماضية، لم تتوقف التعيينات بل زادت، من كل الاتجاهات فيما يمثل قطاع القضاء والعدل بشقيه التنفيذي والتشريعي. ولكن في المقابل، وبدلا من ان يشهد الشارع الفلسطيني حالة من نفاذ القوانين وسيادتها، صارت الاحكام العرفية هي سيدة المواقف. فالعطاوي تحولت لتكون البديل الوحيد لأي خلاف، صار تباعا خلافا عشائريا، من مشادة بين شباب، الى خلاف على مصف سيارة، الى جريمة قتل علي خلفية شرف او غياب الشرف.
الأمثلة كثيرة، وقد تتصدر جريمة قتل نيفين العواودة مشهدها مرة أخرى، لأن في تلك الجريمة شهدنا نقلة نوعية على كل الأصعدة. كان هناك تمازج عجيب لأصحاب السلطة في التحقيق وابداء الرأي وإصدار القرار وإيجاد الأدلة (دليل ملقط ملقط الحواجب)، لينتهي الامر في صلح عشائري تعدى ما نسمع عنه في دول سيادة القانون- على اعتبار اننا دولة سيادة قانون- ليمر من العطوة إلى “المنشد”.
وكما يغيب القانون وسيادته تدريجيا، تغيب الحلول بطبيعة الحال الا من العطوات، وعليه يصبح تصرف المواطن العادي تصرفا يحتكم الى العشائرية. فإذا ما كانت جريمة قتل تنتهي بمنشد او دية، (كما في جريمة قتل نيفين العواودة ورائد الغروف)، وعطوات كثيرة لم نسمع عنها ولم نرها انتهت بها الجرائم بفنجان قهوة على سجادة الصلح العشائري.، فمن الطبيعي ان يكون “طلب الجزية” من المسيحيين منتهيا ب “عطوة وطنية”.
ما جرى بالتالي بجفنا، ليس بغريب ولا عجيب، وقد يشكل وضع الضحية ك “مسيحي” دقا على الخزان.. وعليه فإن الامر يشكل تهديدا أكبر على نسيج مجتمعي لم نعد نعرف ان تم بالفعل تآكله لدرجة لا يمكن اللحاق في إنقاذه، فيدق الامر على خزان الواقع الفلسطيني القادم.
بين فكرة “العربدة والبلطجة” وبين فكرة ” الجزية”، نقف أمام أزمة ليست فقط أخلاقية وثقافية واجتماعية وسياسية، بل أزمة تختلط فيها المفاهيم لننتهي من كابوس “الإسلام الإرهابي” بشكل داعش واخواتها من جماعات إرهابية شوهت الإسلام لتضعه في الصورة الاقبح والأخطر، وجعلت المسلمين في محاولات حياتية للدفاع عن شكل الإسلام الحقيقي، لتوصلنا الى إرهاب الحزب “العلماني” في شكل داعشي.
أزمة الانسان الفلسطيني التي بدأت مع صعود حماس الى الحكم، كان سببها الخوف من “اسلمة” الحياة الفلسطينية على شكل الطابع “الحمساوي” المتأثر او المنبثق من الاخوان المسلمين. وما يبقي “فتح” حتى هذه اللحظة في ميزان قوة الحزب الثنائي هو تخوف الشعب بالعموم من فكرة “الدولة الإسلامية” على شاكلة السعودية وداعش. ففتح تحمل شعار النقيض لما تمثله حماس من اسلام سياسي. وهنا، عندما يصل الانسان الفلسطيني العادي الى مرحلة يقوم فيها أبناء الحزب العلماني بمطالبة غير المسلمين بالجزية، فلا بد ان المشهد القادم لن يفاجئنا إذا ما رأينا حرقا لمن يعارض او تحويل ساحة المنارة لمنصة اعدام.
قد يكون ما جرى بجفنا من تعدي وبلطجة واستقواء لشخص بعينه امرا استثنائيا ولا يمثل الا من قام به، كما وصفت محافظة رام الله، مرتكب الواقعة ومن شاركه – قيادي فتحاوي وصاحب مركز سيادي- بأنهم “بعض الافراد”، ورئيس الوزراء الذي أكد ان “البعض” الخارج عن القانون لوصفه الاحداث، الا ان الموضوع بات أكبر بكثير من مسألة “فرد” او “مجموعة من الافراد”. عندما شارك رئيس الوزراء بإطلاق النار الكثيف جدا عند فوز (بفارق الأصوات) شبيبة فتح بانتخابات جامعة بيرزيت، أرسل رسالة دعم واستقواء لهؤلاء “البلطجية”. وما جرى قبلها بأيام عندما تم ضرب الطالب
“حمساوي الانتماء” بجامعة النجاح من قبل قوات الامن على مرأى العالم. وعندما يسجن ويسحل ويهدد المواطن ثم يقتل في السجن بلا حسيب ولا رقيب. كيف لنا ان نستغرب او نستهجن مطالبة أحدهم لغير المسلم ب “آلجزية” والترهيب واغلاق الشوارع واطلاق النار وتحويل المكان الى حرب عصابات؟
وينتهي الامر بصلح عشائري على شكل “عطوة وطنية”!
ما نريده هو سيادة القانون. وسيادة القانون تبدأ بمحاسبة جدية للمجرمين والخارجين عن القانون والفاسدين. هؤلاء يهددون الامن والأمان والوطن. فطالما يستطيع المرء ان يتنصل من جرائمه بسبب نفوذه وانتمائه الحزبي بعطوة عشائرية، وصلنا الى نجعل له مسميا محددا “عطوة وطنية”.
لا اعرف ان كان من المجدي توجيه الأسئلة لأي من أصحاب السيادة، سواء بشخص الرئيس او رئيس الوزراء. قد تكون مناشدة اهل جفنا لرئيس الوزراء للتدخل اكدت مرة أخرى على ان ما نحتاجه هو مناشدات وتدخلات وعطوات، يمكن لرئيس الوزراء التدخل فيها إذا ما كانت بهذا الهول من المأساوية…. عندما يصل ابن الحزب الحاكم علماني الشعار لمطالبة أحد جماعات الشعب بالجزية. أو نستغرب كيف تعششت داعش في عقولنا؟
ما نشهده مأساوي، لا يبشر بأي خير.
نعيش مرحلة فلتان أمني قبل تخوفاتنا القادمة بمرحلة السلطة ما بعد أبو مازن. إذا ما نعيش الفلتان الأمني هكذا الان في ظل سلطة وحكومة ووزراء وقطاعات امن متعددة، فما هو شكل المشهد التالي؟
كاتبة فلسطينية