براغماتية التكتيك وعقائدية النهج.. قراءه في العـلاقات السورية الروسية

اثنين, 04/29/2019 - 14:01

د. احمد الاسدي

لا نجـادل فـي حـقيقــة إنَ القيـادة السـوريـة تـلعب علـى مـضـض اليوم بـالـورقـة البـراغمـاتيـة مـع حـليفهـا الـروســي , حـيـث طـبيعــة الصـراع والتـحـدي الـذي شهـدتـه ولا زالـت السـاحــة الســوريــة علـى جمـيــع الصـُعـد العســكريــة والسيـاسيــة والاقـتصـاديــة يــوجـب علـى الجمــيـع اعطـاءهـا ليس العـُذر وحـسب , بــل المشـروعيــة الوطنيــة والقـوميــة والاخـلاقيــة فــي إتخـاذ كـل ما تــراه لــزومــا فـي مجـابهــة هــذة التحـديــات والخـروج فــي نهـايـة المطـاف سـليمـة ومعـافـــاة مـن هــذة المحنـــة التـي وضعهـا فيهـا العـرب قبـل الغـربـاء وأهـل شـارعهـا قبـل الدخــلاء , وبكـل تــأكيـد فإنهـا أجـادت فـي استخـدام هـذة الورقــة  وأدارت دفتهـا بـدرايـة أدهـشت اعداءهـا وخصـومهـا وجعلتهـم يتخبطـون علـى الملأ فـي خطواتهـم ,و يتعثرون  فـي سياساتهـم التي دفعـوا لهـا مليارات الدولارات وجندوا المـال والاعلام ومرتزقـة ارهـاب العالم كلــة  وفشـلوا فـي تحـقيق جوهـر مشـروعهم ولا نقـول فـي كل ما كانوا قد خططوا له  , فما دفعتـه سـوريـة الدولة والقيـاده والحـزب وشارعا عريضا فيهـا  من خسـائر وتضحيات لا يمكـن تجاهلـه إو القفـز علـى  حقيقة واقعيتـه , بعـد أن تحولت سـورية من دولة قـوية وصـاحبة موقـع ريادي اقتصـادي وسياسي الـى دولة شبـه منقسمـه على نفسهـا  ومنقوصة سيادتهـا ومنهكـه اقتصـاديـا ومـعزولا سياسيـا ومحط اتهـام مـن قبل طيف لا يمكن تجاهلـة من شـارعهـا ,  ولكـن عنـدمـا ينـجح الطـرف الآخـر من المعـادلة التحـالفيه  والمقصـود هنـا الطـرف الـروسي تـحـديـدا  بالالتفـاف على التكتيك البراغمـاتي السـوري ويفـرغــه مـن محتــواه , وينتـزع مـن القيـاده السـوريـة عنصـر المبـادرة ومشـروعيـة إدارة دفــه الصـراع وفـق مـا يديـم ويعـزز اوراق انتصـارهـا , فالأمـر لا يحتاج الـى اعـادة تدويـر زوايـا هــذة الـورقــة وحـسب بـل  الـى اعـادة تقييم تـوازنات معـادلة التحـالف السـوري الروسـي بجميـع عنـاصـرهـا , خصوصـا بعـد أتضـاح ابعـاد التوافقـات الروسيـة الاسرائليـة وخروجهـا من حسـابات تلافـي الاصطدام الـى حسـابت تقـاطع المصـالح والتقـاءهـا في نقاط لا تخدم تحـالفات دمشـق مـع داعمهـا وحليفهـا الاستراتيجي والتاريخي الايـراني  وقوى المقاومـة المرتبطـه به عقـائديا وعسكـريا ووجـوديـا .

لا احـد يتنكـر للدور الروسـي فـي معـركـة محـاربـة الارهـاب واجهـاض مشروع التآمـر الخـارجي التقسيمـي على سورية , ولكـن في نفس الـوقت يجـب التذكيـر إن روسيـا قـد جـاءت متأخـرة الـى سـوريـة  ولم تحسـم أمـر مجيئهـا إلا بعـد أن تيقنت إن سـقوط سـورية بيد الارهـاب وداعميـه ورعـاتـه  إنمـا يعني  لهـا نقــل المعـركـة ليس الـى حـدود روسيـا وحسب بـل الى عمقهـا الجغرافي  هذا مـن بـاب , ومـن باب آخـر إنما هـو  خـروج روسيـا مـن المنطقـة نهـائيـا وتجريدهـا مـن آخـر مناطق نفوذها فـي الشـرق الاوسط  و تهـديد مصـالحهـا الاقتصادية وفي مقدمتهـا الغـاز وطرق امداداتـه , ومحـاصرتهـا جيوسياسيا وقصقصـة أجنحتهـا اقتصاديا وعسكريـا , وقبـل هـذا كله وذاك , مـا كان لبوتيـن أن يتخـذ قرار التدخـل العسكري فـي سـوريـة ويرسـل طائراتـه وحـاملات الصواريخ التي تشكل معظم الجهد العسكري القتالي الروسي في سوريـة  ,لـولا  معرفتـه المـُسبقـة إن كفـة الحـرب اخذت تميـل لصـالح الدولة السـورية وحليفهـا الايرانـي  عقب الانتصارات التي حققهـا حـزب الله وفصائل المقاومة المتجحفلـه مـعـه بعـد دخـوله المعركـة بصـورة مبـاشـرة على الجغرافية السـورية   ابتداء من معركة القصير وما تلاها من معارك لاحقـة , حيث لولا الوجود العسكري الايراني والفصائل المرتبط به وقـوات حـزب الله على الارض  لما استطاع الروس وطائراتهم وصواريخهم من حسم أي معركـة مهما كان حجمهـا  , فالطائرات والصواريخ مهما إتسعـت جغرافيتهـا التدميرية لكنهـا تبقى قاصرة في  حسم المعارك من دون وجـود قوات بريه متمرسه وفاعله  تمسك الارض وتستثمر فعل  الضربات الجوية والصاروخية وتحولهـا الى انتصار ملموس وليس مجرد تعطيل حركة عدو وتشتيت قوتـــه .

أن يمسك بـوتيـن العصـا مـن منتصفهـا اليوم , بعـد أن حـقق الاهـداف التـي تضمـن لـروسيا مصـالحها وتبعـد خطـر الارهـاب الـذي كـان  المـراد  لــه الـوصول الـى العمـق الـروسي بفضـل تضحـيات السـوريين وحـلفـاءهم الايرانيين وحـزب الله وفصـائل محـور المقـاومـة الاخرى بحجـة أنـه غيـر معنـي بالصـراع السـوري الايراني  الاسرائيلي , فالأمـر ومثلما أسلفنـا يحتاج الـى إعـادة قـراءة المشهـد الجمعـي للصـراع السوري  , وتثبيت اولويـات التحالفات  وترسيـم حـدود جديده لخرائطهـا ,  فليس مـن المعقـول أن تـتـرك السـاحـة السـوريـة  مشـرعـة الأبـواب لبـوتيـن ليرسـم هـو خـرائطهـا وفق ما يخدم مصالحـه وعـلاقـاتــه , ويـُجيـر  السـاحـة  السـوريـة لنفســه على حـساب  حلفـاء ســورية الآخـريـن , وفـي ذات  الـوقت يغـض الطـارف عـن الحصـار الذي أخـذ حليفـه الاسـرائيلـي يضغط بــه  علـى دمشـق عبـر البوابـة الأمـريكيـة  , نـاهيـك عـن وضـعه الفيتـو علـى استخدام  منظومـة أس 300 التي سلمهـا الـى دمـشق بالضـد من  الطـائرات الاسرائليـة وصـواريخهـا  التي تستهـدف المنشاءات العسكرية السوريـة بيـن الحين والآخـر   , فالتحـالفـات عنـدمــا تـفـرغ مـن محتـواهـا الاستراتيجي  وتستخـدم مـن قـبـل احـد أطرافهـا للـوصـول الـى اهــدافـه علـى حسـاب مفـاهيم التحالفات الاخلاقيـة  الجمعيــة تكـون حينهـا  هذة التحالفات  بـوابـة لسياسات استعماريــة بروح  جـديده  وإن كـان ظاهـرهـا وعنوانهـا غير ذلك .

اكاديمي وكاتب سوري