استقالة رئيس المجلس الدستوري.. الأمل الذي لم يعمّر طويلا

أحد, 04/21/2019 - 21:26

الأستاذ علي بن فليس

تستدعي استقالة رئيس المجلس الدستوري جملة من الملاحظات إن على مستوى الشكل وإن على مستوى المضمون.

فمن ناحية الشكل، فإن هذه الاستقالة تمثل استجابة جزئية للمطالب الشعبية العارمة والمُطالِبة برحيل كل الوجوه الرمزية للنظام السياسي القائم، وهي الوجوه  التي شخصت اسما ورسما. وعلى مستوى الشكل دائما، فإن هذه الاستقالة تجسد بداية تطبيق المادتين السابعة والثامنة بصفة تكميلية للمادة اثنتين بعد المائة من الدستور.

أما من حيث المضمون، فبعد رحيل مؤسس النظام السياسي الذي عاث في البلد فسادا وراكم الإخفاقات طيلة عشريتين من الزمن، فإن استقالة رئيس المجلس الدستوري تأتي بمثابة انهيار جدار من بنية هذا النظام المهترئة والمهزوزة. وما يزال الشعب يتطلع في هذه اللحظات المفصلية إلى رؤية سقوط الجُدر الأخرى لهذه البنية من بعد رحيل رؤوس رئاسة الدولة والحكومة والمجلس الشعبي الوطني.

إن الأزمة السياسية الكبرى التي يعيشها البلد قد عمّرت وطال أمدها، ووضعت على المحك صبر وترقب مواطناتنا ومواطنينا. وفي مناخ عام كالذي نعيشه، جاءت استقالة رئيس المجلس الدستوري لتذكي الأمل وتغذي التفاؤل بشأن تفعيل حل حقيقي لهذه الأزمة. غير أن هذا الأمل لم يعمر سوى عمر الشرارة الخاطفة، وتبدد التفاؤل بسرعة قياسية.

فالجلي في هذه الساعات الحرجة أن استقالة رئيس المجلس الدستوري لم تتم الاستفادة منها كفرصة سانحة للشروع في تطبيق المادتين السابعة والثامنة بصفة مكملة للمادة اثنتين بعد المائة من الدستور.

تفتقد الجزائريات ويفتقد الجزائريون إلى حد الساعة إلى امتلاك رؤية كافية عن المقاربة الكاملة والمتكاملة التي يتوجب تبنيها، والتي من شأنها أن تطمئنهم وتضمن لبلدهم خروجا منظما وسريعا من الأزمة السياسية والمؤسساتية والدستورية التي يتخبط فيها. ففي غياب مقاربة كاملة ومتكاملة، فإن أي يوم يمر إلا وتتولد عنه تعقيدات أكبر في ظروف الحل الواجب توفيرها، ويتأجل معه وضع الشروط المسهلة لبلوغه.

إن رحيل الوجوه الرمزية للنظام السياسي القائم قد بات في صميم الانسداد الراهن، و بالتالي يتوجب التيقن من أنه لا يوجد مخرج من هذا الانسداد من دون اختفاء هذه الرموز المنبوذة التي اقترن اسمها بأسوأ الإخفاقات وأردأ الانحرافات وأقبح صور التسلط وأفظع أساليب الطغيان. وإن ما يتطلع إليه الشعب الجزائري اليوم من دون هوادة أو تراجع هو التخلص من هذه الرموز البائسة في أقرب الآجال، ومحو آثارها القبيحة نهائيا من الذاكرة الوطنية الجماعية.

لقد انطوى النظام القائم على أبشع وجوه الفساد الاقتصادي كما احتضن فسادا سياسيا لا يقل بشاعة و شناعة عن الأول. وعليه، فإنه من غير المعقول ومن غير الممكن أن تبقى مفاتيح التحول السياسي الجذري الذي يأمل الشعب الجزائري برمته بلوغه في أيدي هذه الوجوه المرفوضة.  وإن وضع مصير انتخاب رئيس شرعي للبلد في أيادي لا تؤتمن ولا تصدق من أي أحد، ولا يطمئن لها ولا يثق فيها أي كان هو أمر لا يمكن أن يقبل أو أن يطاق أو يحتمل من طرف سائر الجزائريين والجزائريات.

لقد ضمّن قائد الأركان للجيش الوطني الشعبي الكلمة التي ألقاها منذ أيام بمدينة ورقلة إلحاحه مكررا على أن كل الآفاق لا تزال مفتوحة أمام الحل المنتظر للأزمة. ولكن الظروف المخيبة للأمال التي تمت فيها استقالة رئيس المجلس الدستوري وتعيين خلف له قد سدت جزءا من هذه الآفاق المفتوحة. ولا يسعنا إلا أن نتمنى بقاء هذه الآفاق واسعة بالقدر الكافي لتبني مقاربة كاملة ومتكاملة تقودنا إلى الحل المنشود بصفة استعجالية من أجل وضع البلد في مأمن من كل التطورات الخطيرة التي تم احتواؤها إلى حد الساعة، والتي يتوجب تجنيب البلد إياها نهائيا عن طريق الاستجابة الحقيقية والعاجلة لكل طلبات الشعب الجزائري المشروعة.

(*) ـ رئيس حكومة أسبق، ورئيس حزب “طلائع الحريات” ـ الجزائر.