الجزئر: تقييم للتطورات الأخيرة في أزمة النظام

أحد, 04/14/2019 - 17:28

علي بن فليس

دخلت الثورة الشعبية السلمية أسبوعها الثامن، وأثبتت بصفة جلية تمسكها الراسخ بمطلبها المحوري القاضي برحيل النظام السياسي القائم ووجوهه الرمزية التي لازالت على رأس أهم مؤسسات الدولة. ليس هذا المطلب نزوة وليس تصرفا مزاجيأ، وإنما هومطلب ذو عمق سياسي وذو مضمون تعبيري بالغ الأهمية. والأمر يتعلق باختبار صدق النوايا في بناء منظومة سياسية جديدة أو الإبقاء على سابقتها المنبوذة.

فالتطور الجلي للعيان هو أن الأسبوع الثامن للمظاهرات الشعبية الحاشدة قد أعاد البحث عن حل الأزمة إلى نقطة الانطلاق. ومن الأكيد أن البحث عن هذا الحل يتطلب، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، التوافق السياسي الأوسع حول جملة من المنطلقات الأساسية.

المنطلق الأول: هو أن نخرج من الفخ الذي وضعنا أنفسنا فيه، والمتمثل في الخيار بين حل دستوري صرف أو حل سياسي مطلق بنفس المقدار. إن فلسفة القوانين والدساتير هي أصلا سياسية. وإذا كانت السياسة في جوهرها منهجية تنظيم وتسيير المجتمعات البشرية فإن القوانين والدساتير تشكل أدوات تأطير لهذا التنظيم والتسيير.

خلاصة القول في هذا الموضوع هي أن أزمة كالتي نعيشها تفرض، وفي آن واحد، معالجة دستورية ومعالجة سياسية. وهذا يعني أننا نعمل بالدستور إلى أبعد ما يمكن. وعند بلوغ أي انسداد نعمل على تجاوزه باجتهاد سياسي يحظى بقبول واسع.

المنطلق الثاني: هو أن الشعب لا يريد الدخول في المرحلة الجديدة بالوجوه القديمة. وأكثر من هذا، فإن الشعب لا يريد أن تقود هذه الوجوه القديمة المرحلة الجديدة. وهو يرى في بقاء هذه الوجوه مناورة لإجهاض وثبته ولاستنساخ النظام القديم!. ولم يعد الأمر متعلقا فقط بذهاب الوجوه المنبوذة واستبدالها بوجوه محبوبة، بل أصبح اختبارا لصدق النية في التوجه نحو تغيير النظام السياسي أو الإبقاء على النظام السياسي القديم في ثوب جديد.

المنطلق الثالث: هو أن التطبيق المتزامن والمتكامل للمواد 7- 8 و102 من الدستور قد أثبت قبوله كقاعدة لحل الأزمة؛ وبالتالي يجب العودة إليه حتما، ولا يمكن أن نخشى أن تطبيق المادتين 7 و8 سيؤدي إلى خرق الدستور. بل بالعكس تماما، فإن هاتين المادتين توفران الغطاء الدستوري لأي شق سياسي من الحل للأزمة.

المنطلق الرابع: هو أن نقر ونعترف بأن كل المؤسسات القائمة غير قادرة على الإسهام في الحل. بل بالعكس، أصبحت هذه المؤسسات جزءا من المعضلة وليست إطلاقا فاعلا في الحل، ولم يبق في الميدان سوى المؤسسة العسكرية. والمنتظرمنها ليس فقط مرافقة البحث عن مخرج، بل الإسهام في تسهيل الوصول إليه. هذا هو ما يمليه عليها واجبها وحسها الراقي بمسؤولياتها الوطنية تجاه الأمة.

إننا لا ننتظر من الجيش الوطني الشعبي أن يكون الآمر والناهي في البحث عن الحل، وإنما نريد منه أن يسهل ويرافق ويحمي مسار الحل المنشود.

هذه هي المنطلقات التي يتوجب علينا الفصل فيها اليوم. وبمجرد الانتهاء من الفصل فيها سيتبين لنا أن الحل في متناولنا في مدة زمنية معقولة وبتكلفة غير مضرة بالنسبة للبلد.

(*) رئيس حكومة أسبق، ورئيس حزب “طلائع الحريات” ـ الجزائر