إرهاب ترامب يعم المنطقة ولا يتوقف

أربعاء, 04/10/2019 - 09:23

عبد الستار قاسم
أمريكا تصنف الحرس الثوري الإيراني وهو مؤسسة عسكرية رسمية تابعة للدولة إرهابيا. هذه آخر حماقات ترامب وصلفه. وإذا كان لنا أن نطبق تعريفات أمريكا للإرهاب: تعريف البيت الأبيض وتعريفي وزارة الخارجية والدفاع الأمريكيتين فإن العالم يشهد إرهابا ضد المدنيين من قبل منظمات من أجل تحقيق مكاسب سياسية. لكن الدولتين الأكثر ممارسة للإرهاب هما الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. الكيان الصهيوني هو رأس الإرهاب لأنه احتلال، والاحتلال بالتعريف إرهاب. أما الولايات المتحدة لا تنفك عن ملاحقتها للدول التي تختلف معها وتفرض عليها العقوبات، وتعمل على الضغط على المدنيين من أجل أن يثوروا في وجه السطات الحاكمة فتنقلب المعادلة وتصبح الدولة بثوبها الجديد من أتباع وعملاء الولايات المتحدة. أمريكا تفرض عقوبات مشددة على قطاع غزة، وعلى سوريا وإيران وحزب الله وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا وآخرين. وهي تهدد أوروبا بالتعامل وفق القواعد الأمريكية العدوانية إن هي تعاملت مع إيران كاسرة للعقوبات.
ماذا يريد ترامب؟ واضح أن أغلب الدول والمنظمات التي يلاحقها التصنيف الإرهاب الأمريكي تقف في مواجهة الكيان الصهيوني الإرهابي، وهذا ما يؤكد لنا أن الحرب الأمريكية على الشعوب وبالذات شعوب المنطقة العربية الإسلامية هي من أجل إقامة سياج أمني يجعل الصهاينة آمنين مطمئنين. وعندما تحدث وزير خارجية عُمان عن ضرورة توفير العرب الأمان والطمأنينة للصهاينة فإنه لم يبتدعها من داخله، وإنما تعلمها من أسياده الأمريكان، وهو الشخص الذي تسلل إلى موقف للسيارات من أجل أن يصافح نتن ياهو سرا.
هل سيحقق ترامب مبتغاه؟ سبق للولايات المتحدة أن مارست الإرهاب ضد العراق وليبيا وسوريا والسودان وأفغانستان وكوريا وكوبا. وماذا كانت النتيجة. كل برامجها العقابية فشلت في الإطاحة بنظام حكم واحد. وحتى حصارها لقطاع غزة وعقوباتها لم تفلح في إخراج الناس من بيوتهم ليسقطوا المعادلة السياسية القائمة في غزة. وبسبب الفشل الذي واكب السياسات العقابية الأمريكية، اضطرت أمريكا أن تحشد جيوشها للقتال في أفغانستان ولم تحرز النصر، وخاضت حربا على العراق لم تتمخض عن تبعية عراقية لأمريكا، وأفرزت حتى الآن وضعا سياسيا تراقبه أمريكا بحذر وعدم اطمئنان. وفشلت أمريكا في سوريا، وكل محاولاتها لإحداث فتن في لبنان فشلت. المعنى أن المتتبع للسياسة الأمريكية في المنطقة يجد أنها لم تقلل من قدرات المقاومة التي تواجه الصهاينة، ولم تطح بأنظمة حكم لتأتي بأنظمة موالية لها وصديقة للكيان الصهيوني.
أما حرص أمريكا على الصهاينة لم يؤد إلى مزيد في القوة الصهيونية، وتخفيض لقوى المقاومة. على العكس، حزب الله بات قوة ردع في مواجهة الصهاينة، والمقاومة في غزة باتت قوة صد عنيدة قادرة على الدفاع عن القطاع، وسوريا تشهد تفاعلات عسكرية حثيثة ستنتهي بتطوير جيش سوري حديث، وإيران لم تضعف وإنما ازدادت تسليحا ومهارات قتالية. وفي النهاية، أخذ جيش الصهاينة يتدرب على قتال المدن وعلى مواجهة قوات المقاومة داخل المدن والمستوطنات الصهيونية.
فهل الجولات الأخيرة في التصنيفات الإرهابية ستفلح في تطويع المنطقة؟ طبعا الحديث لا يدور حول أغلب الدول العربية لأنها البوتقة الأمريكية الصهيونية، وهي دائما عون لأمريكا على حساب شعوب المنطقة. إنما يدور الحديث عن مناطق وقواعد المقاومة. ستتأثر إيران اقتصاديا ، وستؤلب أمريكا بعض الناس في إيران للوقوف ضد النظام وصناعة بعض التحركات، لكنها لا تملك القدرة على تحريك فاعل وواسع للجمهور. وإن فعلت فهي ستخفق كما أخفقت في السابق. أما المقاومتان في لبنان وفلسطين فقد بلغتا سن الرشد وهما قادرتان على تصنيع الأسلحة وتوفير مستلزمات المواجهة الحربية. هما تقفان على أقدامهما الآن وليستا بحاجة إلى مساندة خارجية لمواجهة الكيان الصهيوني. فضلا عن أن المقاومتين لا تملكان أموالا في المصارف المحلية أو العالمية، ولا قياداتهما تملك ما يمكن أن يكون فريسة للعقوبات.
لقد صمدت شعوب المنطقة في وجه العقوبات، ولا يوجد سبب يدعونا إلى الظن بأن القدرة على المواجهة والصبر قد تلاشت، وإنما على عكس ذلك، تدربت الشعوب على ضيق العيش والحصار والضغوط، ولم تعد العقوبات ظاهرة يخشاها الناس. ومثلما امتصت الجماهير العربية والإسلامية كل محاولات الإذلال الأمريكي ستمتصها أيضا الآن وستبقى صامدة في مواجهة كل الصلف الأمريكي. الشعب الإيراني لن يستسلم وسيزداد قوة وشكيمة وإباء. الشعب الإيراني صاحب حضارة فارسية عريقة وضاربة الجذور في التاريخ، وصاحب حضارة إسلامية ما زالت حاضرة بقوة في أعماق النفس الإيرانية ، ولن يتمكن ترامب من كسر إرادة عمّرت على مدى قرون طويلة من الزمن وواجهت الصعاب والتحديات ومرّ العيش وضيق الحال
كان أمام ترامب أن يعلم أن العقوبات باب واسع للإبداع. إيران طورت نفسها بعدما تبنت استراتيجية الاعتماد على الذات، وكان في العقوبات التي فرضها أهل الغرب على إيران بعد عام 1979 ما دفع إيران إلى تطوير كل ما يلزمها بطاقات إيرانية، فكان الحصار نعمة وليس نقمة. وغزة أثبتت استفادتها من العقوبات وانطلقت نحو مراكمة القوة إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من قدرات صاروخية وقتالية..
ولا خيار أمام ترامب لحماية الكيان الصهيوني سوى الحرب، فهل يجرؤ على إشعالها؟
اكاديمي وكاتب فلسطيني