في ظل توازن الرعب والردع… هل بمقدور أسرائيل شن الحرب؟!

سبت, 02/02/2019 - 21:26

محمد النوباني

 لا احد يستهين بقوة أسرائيل العسكرية فهي تملك قرابة ٣٠٠ راس نووي وصواريخ قادرة على حملها لاهدافها في البلدان المجاورة ،ولديها أسلحة جو وبر وبحر متطورة وترسانة ضخمة من احدث انواع الاسلحة الامريكية المتقدمة بالإضافة الى اقمار صناعية لاغراض التجسس والمراقبة ووسائل حرب الكترونية ومنظومات دفاع جوي وصاروخي مثل السهم والقبة الحديدية وغيرهما.

 ومع ذلك فإن اسرائيل هذه ورغم كل قوتها العسكرية تعيش

 اليوم حالة قلق وجودية لم يسبق لها مثيل وسبب ذلك أنها بنت أستراتجياتها ألعسكرية وألأمنية على اساس انها تواجه عدوا عربيا وأسلاميا متخلفا وعاجزا عن أستيعاب السلاح المتطور وتوظيف معطيات العلم والتكنولوجيا والمعرفه في الحروب معها من دون ان يدور في خلدها أنه قد يات يوما تجد نفسها فيه في مواجهة عدو اخر مختلف نوعيا عن العدو الأول الذي كانت تحسم المعارك معه وتنتصر عليه في عدة ساعات او ايام على ابعد تقدير في حروب خاطفة وسريعة تدور خارج حدودها وجبهتها الداخلية في منأى عن اي خطر.

 ويحضرني في هذا السياق ان وزير الدفاع الأسرائيلي الاسبق موشيه ديان عقد بعد حرب الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ مؤتمرا صحافيا عالميا في القدس تحدث فيه عن الانتصار المدوي الذي حققه الجيش الاسرائيلي على ثلاثة جيوش عربية في تلك ألحرب في غضون ستة ايام وأنتهت بأحتلال كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان .

 ولما فتح باب الأسئلة وألاجوبة وجهت اليه أحدى الصحافيات الاجنبيات ألسؤال التالي: سيد موشيه الخطة التي اعتمدتها في تحقيق الانتصار على العرب في حرب ١٩٦٧ سبق ان تحدثت عنها تفصيلا في كتابك (حملة سيناء) الذي صدر بعد العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، الم تكن تخش ان يقرأ العرب ذلك الكتاب ويفشلون خطتك؟

فأجابها لا لقد كنت على قناعة بأن العرب قوم لا يقرأوون وان قرأووا لا يستوعبون هذه الصورة النمطيةعن القادة العرب والجيوش العربية وألمقاتل العربي سكنت في العقل السياسي والعسكري الاسرائيلي ردحا طويلا من الزمن لأن الجيش الاسرائيلي. الذي كان يوصف ذات يوم بانه الجيش الذي لا يقهر كان يواجه جيوش عربية كلاسيكية عاجزة بحكم ضعف بنائها التسليحي والعقدي والمعنوي عن خوض اية مواجهات او معارك ناجحة معه ألا في في حالات نادرة مثل معركة الكرامة في ٢١ اذار ١٩٦٨ التي انتصر فيها الفدائيون الفلسطينيون ومعهم وحدات من الجيش الاردني على القوات الاسرائيلية التي اجتاحت بلدة الكرامة الاردنية لتصفية قواعد الفدائيين أنذاك وحرب الأستنزاف التي استمرت ثلاث سنوات (١٩٦٨-١٩٧٠) بين الجيشين الاسرائيلي والمصري على جبهة قناة السويس وكانت الغلبة فيها للجيش العربي المصري من دون ان ننسى بطبيعة الحال حرب اكتوبر ١٩٧٣ التي أنتصر فيها الجيشين العربيين المصري والسوري في بداية الامر انتصارا مدويا على الجيش الاسرائيلي لو ان خيانة السادات اجهضت تلك الحرب وحولتها من انتصار استراتيجي على اسرائيل الى هزيمة أستراتيجية عربية.

مدوية لا زلنا نعاني من اثارها المدمرة حتى اليوم. عود على بدء فإنه ومنذ تمكن المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله من تحرير جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ وانتصارها في حرب ال٢٠٠٦ وأنتصار المقاومة الفلسطينية في غزة على الجيش الاسرائيلي في ثلاثة حروب في اعوام ٢٠٠٨ ، ٢٠١٢، ٢٠١٤ باتت اسرائيل تعاني من عدم مقدرة على حسم المعارك والحروب لصالحها رغم كل الدعم الامريكي والغربي والرجعي العربي لها. وهذا ما عبر عنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حينما وصفها بانها اوهن من بيت العنكبوت وقال جملته المشهورة :لقد ولى عصر الهزائم وجاء عصر الأنتصارات”.

فإسرائيل بنيت لكي تكون في حالة حرب دائمة وحالة انتصار دائمة ولا تستطيع خسارة حرب كبيرة واحدة لانها اولا صغيرة المساحة وعدد سكانها محدود وثانيا لانه لا عمقا إستراتيجيا لها. وثالثا لان مستوطنيها الذين تم استجلابهم من مختلف بقاع الارض كوقود في خدمة مشروع كولنيالي استيطاني استعماري لا يستطيعون تحمل حروب طاحنة كبيرة وهم الذين وعدوا بالامن الدائم وبحبوحة العيش. ولذلك فأنهم سيكونون على استعداد لمغادرة فلسطين والعودة الى بلدانهم الاصلية إن شعروا بأن خطرا وجوديا حقيقيا يتهددهم. ومما يضيف الصورة قتامة وسوداوية امام حكام اسرائيل ان الجمهورية الاسلامية في ايران التي تحتفل الشهر القادم بالذكرى الاربعين لانتصار ثورتها قد تمكنت بفعل نهضتها العلمية والتكنولوجية وتطور قوتها العسكرية وتحديدا في مجال الصواريخ الباليستية ودعمها بالمال والسلاح لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن كونها صاحبة مشروع لتحرير فلسطين وتحرير العالم الاسلامي والعالم اجمع من الاستكبار الامريكي من ملئ الفراغ الذي تركه غياب الاتحاد السوفياتي السابق وباتت دولة مواجهة لاسرائيل من خلال تواجدها العسكري في سوريا .

ومما عمق أزمة إسرائيل البنيوية اكثر فأكثر انها بدأت تفقد المقدرة على تسويق نفسها في العالم على أنها دولة مسالمة تدافع عن وجودها في وجه عرب متخلفين يسعون الى تصفيتها وازالتها عن الوجود مبررة عدوانيتها على انها دفاع عن النفس ولأنقاذ اليهود من شبح “هولوكوست” يتهددهم فيما لو رضخت لاعدائها. . ومما له دلالته بهذا الصدد ان مقالا غير مسبوق تم نشره في مجلة “نيوزويك “الأمريكية واسعة الانتشار مؤخرا هاجم فيه الكاتب سياسة القتل التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين منتقدا اعضاء الكونجرس ألذين يتجاهلون ذلك بسبب رضوخهم للوبي الصهيوني كما نشر مقال اخر في “الجارديان” البريطانية يصب في نفس الأتجاه. وهذا يعني ان الناس حتى في امريكا والغرب قد بدأووا يضيقون ذرعا بسياسة اسرائيل أزاء الفلسطينيين معتبرين ان الدفاع عن تلك السياسات بات مسالة معيبة ولا اخلاقية لا يجوز لها ان تستمر غير آبهين بتهمة معاداة السامية التي

يمكن ان توجه لهم.. هذه العوامل مجتمعة تدفعنا للاعتقاد بان حكام اسرائيل باتوا اليوم في ورطة أستراتيجية حقيقية، فمن ناحية فانه لا مخرج لهم من الازمة البنيوية الحادة التي يعانون منها سوى شن الحرب لتدمير أعدائهم ،ولكنهم من ناحية ثانية مردوعون ويدركون بان اية مغامرة عسكرية لأعادة الأعتبار لقوة الردع التي فقدوها قد تؤدي الى نشوب حرب كبرى لا يستطيعون لا ألانتصار فيها ولا تحمل نتائجها .

ولكن هذا لا يعني انحطر نشوب الحرب في المنطقة مستبعد بألمطلق فقد يؤدي اي تصرف خاطئ او تقدير موقف خاطئ من قبل نتنياهو قبل انتخابات الكنيست في شهر ابريل القادم الى تحقيق الوعد الرباني (أدخلوها بسلام امنين).