من هي ميليا السكاكيني ؟؟؟ بقلم عزيز محمد

خميس, 05/21/2015 - 01:25

لا يُذكر اسم ميليا السكاكيني إلا مقروناً بسيرة شقيقها، خليل السكاكيني، وبزليخة الشهابي. لم يظلم تاريخ فلسطين أحداً كما ظلمها. لا يقدّم (غوغل) عنها إلا أنها (شقيقة الكاتب المعروف خليل السكاكيني، اشتركت مع زليخة الشهابي في تأسيس أول اتحاد نسائي فلسطيني في العشرينيات). وحين نبحث عن الاتحاد عبر الشبكة، لا نجد شيئاً يشفي غليل البحث، لا نعرف تفاصيل إسهامات هذا الاتحاد وإنجازاته، ومن هن أعضاؤه، وما إنجازاته السياسية بالتفصيل، في مجال مقاومة الاستعمار وموقف الاستعمار البريطاني منه، وعلاقته بالقيادات الوطنية الفلسطينية وإسهاماته في التخفيف من معاناة المرأة الفلسطينية في الريف، وعلاقاته مع الاتحادات النسائية العالمية والعربية؟ 

السيدة الفلسطينية المقدسية التي لوّحت بقبضتها في وجه المندوب السامي البريطاني، محتجة على الهجرة اليهودية، وشاتمة وعد بلفور وتواطؤ الإنجليز مع الحركة الصهيونية، لا يعرفها الناس، إلا من قراءتهم يوميات خليل السكاكيني الذي ظلمها هو الآخر (من دون قصد)، حين تنحصر في دور أخت حنون ترعى ابنتيه، وتساعد زوجته في أعمال البيت. لم نعرف الكثير عن ميليا، ما زال تاريخها ومساهمتها في بناء المجتمع الفلسطيني مجهولاً، مثل عشرات الفلسطينيات الرائدات في النضال والتوعية الاجتماعية ومقاومة الاستعمار والتحذير من الهجرات اليهودية، وفي ومحو الأمية وإنشاء الجمعيات التي تعنى بالمسنين والفقراء والمعاقين، مثل ناهدة عبد السجدي وحلوة زيدان وكاترين سكسك ونعمت العلمي وجهينة خورشيد وصبا الفاهوم، وغيرهن من اللواتي أثبتن، مبكراً، وبشكل مثير للإعجاب والدهشة، قدرة المرأة الفلسطينية على القيادة والمبادرة والتحدي.
محزن هذا الفراغ الذي يلف تاريخ هؤلاء النسوة الفلسطينيات، ومحيّر حقاً هذا المحو والتجاهل لمتن فلسطيني نسوي وطني اجتماعي كامل، نحتاج إليه، نحن العطاش للروايات الفلسطينية التي دوّنها، لن نستطيع أن نفهم لماذا حدث ما حدث في بلادنا؟ وكيف؟ في جامعات إسرائيل، أرشيف كامل لكل صغيرة وكبيرة، في فترة ما قبل النكبة، لا تستطيع أن لا نعثر على تفاصيل حيوات قتلاهم، وجرحاهم وحكاياتهم الشخصية وجرائمهم وثكناتهم وهجراتهم.
كلنا يعرف أن الرؤية الذكورية العربية هي التي أقصت إسهامات النساء العظيمات عن مشهد الحياة الفلسطينية، اقتصادياً وتوعوياً ونضالياً وثقافياً وتنموياً وسياسياً، كما أن الذهنية العشائرية لعبت دورا كبيراً في الإقصاء والمحو. وإلا فكيف نفسر سهولة الحصول على تاريخ نضالات خليل السكاكيني وإميل الغوري ومعروف الرصافي وبندلي الجوزي وإسعاف النشاشيبي وجميل الخالدي ونخلة زريق وعادل جبر ونجيب نصار وعيسى العيسى، وإسهاماتهم وآثارهم، وآخرين كثيرين سجل التاريخ تفاصيل إنجازاتهم وأخبارهم.
كيف يمكن استعادة تاريخ النساء الفلسطينيات الرائدات؟ كيف يمكن محو عملية المحو؟ أين يمكن البحث عن أرشيف مؤسسات فلسطينية، أو أجنبية، أو يوميات شخصية، علّنا نجد فيها بعض تاريخ أو أخبار أو تفاصيل حياة مجهولة لهؤلاء النسوة الغائبات عن السيرة وعن الحياة؟ من أين نبدأ؟ لا نملك ماكينة زمنٍ تعيدنا إلى العشرينيات، لنسجل ما حدث بالتفصيل المطلوب. لا نملك سوى بعض انتماء وإرادة وطنية ومسؤولية اجتماعية وعطش بحثي، وحنين كثير إلى زمن البدايات، حيث الأحلام الكبيرة والصهيونية غير المتمكنة والاستعمار غير المنتصر بشكل كامل. هل أدعو إلى البحث عن هذا التاريخ المجهول في أرشيف الجامعات الصهيونية؟
في كتابه المهم (التطهير العرقي في فلسطين)، يذكر الباحث الإسرائيلي، إيلان بابيه، أن العصابات الصهيونية شرعت، منذ العشرينيات، في تسجيل كل صغيرة وكبيرة عن الفلسطينيين، وكان جواسيس يهود يجوبون القرى بهيئة سواح وضيوف، ليسجلوا حتى عدد المواشي التي يملكها المختار (مثلا). سنجد كل تفاصيل الحركة النسوية الفلسطينية في أرشيفات عدونا، وهذا مخجل لنا ومحرج، لكنها الحقيقة المدوية، أننا أعداء أنفسنا، وما كانت الصهيونية لتنتصر، لولا محونا نصف تاريخنا الإنساني، ولولا ذهنيتنا العشائرية الذكورية.
ميليا السكاكيني تجلس، الآن، صامتة وحزينة في أرشيف الأعداء.