الأردن … هذا أوان تطوير التحالفات

أحد, 01/20/2019 - 11:12

المهندس سمير الحباشنة
كُتبت كلمات هذا المقال قبل عامين تقريباً، وبتاريخ 30-01-2017 تحديداً، والفكرة من إعادة النشر هو التذكير بالعِبرة.
“فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى”
قبل أيام كان الملك عبدالله الثاني في موسكو بتاريخ (25-1-2017)، في زيارة تعكس عمق العلاقة الروسية-الاردنية، وهي تجسيداً وتمهيداً لجملةٍ من التفاهمات المنطلقة من رؤى متقاربة سوف تتحدد بموجبها السبل التي يجب اتباعها للتعامل مع الأزمة السورية وهي التي بدأت تتضح في الاسابيع الأخيرة ومن المأمول أنها سوف تفضي الى حل يعيد لسوريا أمنها واستقرارها المفقود .
إن حديث الملك في هذا اللقاء وتأييده لأهمية الدور الروسي في سوريا، وتأييده لمخرجات الأستانة، و تأكيده على الموقف المبكر والتقليدي للسياسة الاردنية بأن الحل في سوريا لن يكون عسكرياً، بل هو حل سياسي بامتياز، إنما هو مقدمة إلى دور أردني إيجابي منتظر ومحتمل في حل الموضوع السوري. وإن ما يعزز ذلك، ديمومة تواصل الملك مع الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة.
إن الجهد الملكي المبذول في هذا الشأن إنما يحتاج الآن إلى خطوات أردنية إيجابية نحو أطراف المعادلة السورية، تؤهله لذلك الدور. فالإخوة في سوريا، سواء في الحكومة أو المعارضة، هم بحاجة إلى شقيق عربي يقربهم من ترجمة مقترحات الحل المطروحة على الصعيدين الدولي والإقليمي.
فالعرب مع الأسف غائبون عن ممارسة دور إيجابي في الموضوع السوري، وآثروا الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، ما أطال أمد الاحتراب والتدمير والقتل لكل هذه السنوات؛ ويمكن أن يكون الأردن استثناءً حميداً لهذا الغياب.
-2-
في ذات سياق مضمون زيارة الملك إلى موسكو، فإنّ من المناسب التذكير بالحديث السياسي والأمني المكثف والهام لرئيس هيئة الأركان، الجنرال فريحات، إلى الـ BBC، بتاريخ (30-112-2016) والذي تضمن رسائل عدة موجهة إلى الدولة السورية، تلك الرسائل التي حملت أهمية استثنائية، خصوصاً وإنها جاءت على لسان أرفع شخصية عسكرية أردنية، الأمر الذي يعكس أهمية وجدية هذه الرسائل. لا سيما وأن العسكريين في الأردن لا يتحدثون «تقليديا» في السياسة.
وهنا أحاول استعراض تلك الرسائل التي تبين حقيقة موقف الدولة الأردنية من الأزمة السورية منذ أن بدأت وحتى اليوم، فبيان حقيقة هذا الموقف لربما يعمل على رفع أي عتب يحمله الإخوة السوريون على الأردن، الذي تمكن من أن يبقى في منطقة آمنة لم تنزلق لتكون طرفاً في ذلك الصراع الدامي والطويل.
فالأردن لم يقطع علاقاته الدبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية، وأن تلك العلاقات بقيت مستمرة عبر سفارتي البلدين منذ ان بدأت الأحداث في سوريا، وهذا برغم قرار الجامعة العربية بقطع العلاقات مع سوريا، وأكثر من ذلك، فأن من المناسب التذكير أن الأردن أتاح للمواطنين السوريين المقيمين على أرضه في المشاركة في الاستفتاء الذي جرى على رئاسة الرئيس “بشار الأسد” ودلالة ذلك أن دولتنا لم تسحب اعترافها بالدولة السورية ومؤسساتها.
كذلك فإن الأردن لم يغلق حدوده مع سوريا، وأن سبب عدم استمرار فتح تلك الحدود مرده إلى انتفاء وجود الجيش النظامي/الجيش العربي السوري على الجانب الآخر، والذي خضع الى سيطرة المجموعات المسلحة على الحدود. إن في ذلك رسالة واضحة تمثل ثوابت أردنية من أن بلادنا لا تتعامل رسميا إلا مع الحكومات.. ولم تكن سوريا استثناءً لذلك.
إن التواصل مع الدولة السورية لم ينقطع وبقي مستمراً عبر اجتماعات ضباط ارتباط من كلا الجانبين، هذا ما أكده الجنرال فريحات ولم يتم نفيه من الأشقاء في دمشق.
و لتأكيد تلك الحقيقة، كانت استضافتني “قناة الجزيرة” في ليلة احتلال المسلحين لنقطة الحدود السورية الأردنية/مركز نصيب، حيث شاركني في ذلك اللقاء على الجانب الآخر أحد مسؤولي المسلحين الذين سيطروا على تلك النقطة، والذي طالب بدوره الحكومة الأردنية بالتنسيق مع المسلحين لفتح الحدود الأردنية السورية.
وكانت ردي بالقطع “ولم أكن بأي موقع مسؤولية” أنّ هذا الطلب لن يتحقق، لمعرفتي بثوابت السياسة الأردنية، التي تقوم على التعامل مع السلطات الشرعية في الأقطار العربية فقط، ولا تتعامل مع ميليشيات عسكرية أو تجمعات سياسية كممثل بديل لحكومات تلك الأقطار. وفعلاً وفي اليوم التالي كان وزير الداخلية الأردني قد أصدر قراره بعدم فتح تلك الحدود او التنسيق مع المسلحين من الجانب الآخر، ما دامت أجهزة الحكومة السورية المختصة غير موجودة.
وكان رئيس الأركان بين كذلك أنّ الأردن درب بالفعل سوريين على أرضه، إلا أنّ هذا التدريب كان لأبناء العشائر وكان بقصد مواجهة قوى الإرهاب (داعش والنصرة)، وليس مواجهة الجيش النظامي/ الجيش العربي السوري، أي ان بلادنا لم تذهب بعيداً في النظر إلى الصراع في سوريا وإلى أهمية رسم معالم هدف محدد هناك وهو مواجهة قوى الإرهاب، دون غيرها.
-3-
وقد توج رئيس الأركان رسائله تلك، إشارته الواضحة إلى إمكانية أن يكون هناك دور أردني سياسي أو عسكري أو أمني في جنوب سوريا، خصوصا وانّ قوى الإرهاب المعادية للأردن تقف على مسافة تقل عن كيلومتر واحد عن الحدود الاردنية، ولدى هذه القوى أسلحة ثقيلة وتهدد أمننا الوطني.
والتي عبرت عن أهدافها الخبيثة عبر مجموعة من العمليات الارهابية التي شهدها الأردن في العام الفائت -المقصود عام 2016-. وهنا فإنني أجزم أن القضاء على تلك المجموعات الإرهابية إنما هو مصلحة أردنية كما هو مصلحة سورية، وأن على الجانبين التنسيق فيما بينها لإنجاز ذلك.
-4-
إن زيارة جلالة الملك إلى موسكو، والتناغم الواضح مع روسيا فيما يتعلق بالشأن السوري، وزيارة الملك إلى الولايات المتحدة ولقاءاته المنتظرة مع طواقم الإدارة الجديدة -جرت الزيارة في شباط 2017- وتلك السياسة الأردنية التي استطاعت أن تحافظ على توازنها والإبقاء على تواصل عملي ومستمر مع القوتين الأكثر تأثيراً في الأمر السوري وهما الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وقبل ذلك حديث رئيس الأركان الذي صبّ في ذلك التناغم، وأعاد التأكيد على الثوابت الأردنية، إنما يعنى بأنّ الأردن مقبل على تطوير تحالفاته، ولا أقول تبديل تلك التحالفات، فالأردن يمكن أن يكون ضمن التحالف العربي في مواجهة التغلغل الإيراني، دون أن يتعارض ذلك مع دور إيجابي في المسألة السورية، يؤدي إلى إعادة السلام إلى هذا البلد الشقيق، على قاعدة وحدة الدولة السورية أرضاً وشعباً، وذلك عبر جمع أطراف المعادلة السورية، “الحكومة والمعارضة المعتدلة”، واتفاقهم معا على الشكل والمضمون المستقبلي لدولتهم.
إن الرهان على مؤتمر جنيف في الشهر القادم -جرى مؤتمر جنيف 5 في شباط 2017 – يحتاج إلى بلورة موقف عربي مشترك إزاء الازمة السورية بعيدا عن الانحيازات أو الاصطفافات السابقة. فالموقف العربي الإيجابي كفيل بدفع مؤتمر جنيف القادم نحو النجاح، والموقف العربي الموحد هو ضمانة الإبقاء على الهوية العربية للدولة السورية وعدم وقوعها في فخ الطائفية والمذهبية اللعين الذي سبق لعراقنا العربي أن وقع في مصيدته ولا زال منذ عام الغزو الأمريكي للعراق يعاني أيما معاناة.
أن ما يعزز ذلك و يرفع درجة التفاؤل نجاح مؤتمر الأستانة بوقف شامل لإطلاق النار، والمتغيرات العملياتية على الأرض، و الموقف الجديد المنتظر للإدارة الأمريكية بل وتراجع الأوربيين والأتراك عن (عقدة المنشار) في الموضوع السوري، وأقصد تخليهم عن شرط تنحي الرئيس الأسد، وكلها عوامل شكلت مناخاً إيجابياً نحو الحل الشامل للقضية السورية.
-5-
انطلاقاً من ذلك كله، فإنه ينبغي على الحكومة الأردنية، أن تبادر إلى خطوات عملية وإجرائية من شأنها ترجمة التوجهات الملكية بتطوير تحالفات الأردن وتمكينه من تحقيق غاية نبيلة منتظرة، تدفع بالأزمة السورية نحو الحل، بل وترتيب البيت العربي على نحو يعيد للعرب ودهم المفقود وتواصلهم المنقطع.
 فحالنا اليوم ليس بها منتصر فالكل خاسر … و غيرنا هو الرابح.
والله والوطن .. وراء القصد
 كاتب عربي ووزير اردني سابق