الشعب الفلسطيني بين وهم الاستقلال وأكذوبة الوطنية

سبت, 01/12/2019 - 11:17

نادية عصام حرحش

هناك أربع مشاهد تتصدر الساحة الفلسطينية مع بداية هذا العام.

-الحرب الكلامية يحتد وطيدها بين شطري الانقسام، وإسرائيل تقصف أو لا تقصف غزة، فشأن غزة لأهلها، الا عندما يتعلق الموضوع بمسيرة لفتح، فقمع فاعتقالات.

مسيرات بعشرات الالاف في رام الله تنديدا ورفضا لقانون الضمان الاجتماعي، ولا من سامع ولا من حكومة تهتز أو تهتم. فلا حراك بالستر الصفراء او البرتقالي سيغير من موقف حكومة وجدت من معاشات المواطنين قطرات تحلب منها أموالا جديدة.

-رامي ليفي، يفتتح متجرا في وسط مغتصبة بالقدس ويتدافع المواطن المقدسي للتبضع، غير مبالي لكون المتجر ينتج ويبيع من بضائع المغتصبات ولا من كون وجود المتجر وسط مغتصبة في أحيائه. المتجر يحقق ملايين الشواكل في الساعات الأولى من افتتاحه (على حسب المصدر الإسرائيلي )، يتصدر المتسوقون الاخبار الإسرائيلية لهول الحدث حتى بالنسبة للاسرائيليين، والمدافعين والمهرولين في نفس صف التبرير، المواطن مسكين والسلطة باعت البلد فلا تأتوا على المواطن الغلبان. وكأن التاجر الفلسطيني مرابي يهودي من العصور الوسطى يصبح المتهم بنفس القدر، ليغسل الخائن خطيئته بمبرر غلاء الأسعار. من أين خرجت هذه الملايين بساعات من قبل هؤلاء المساكين المصطفين من اجل لقمة العيش الارخص؟

-الدبابات الإسرائيلية تجوب شوارع رام الله، وكأن الامر عاديا منذ أكثر من أسبوع. رام الله تعيش يومها عاديا، اعتقالات واغلاقات ولا كلمة تسمع من ذي سلطة ولا رجل امن فلسطيني في الأفق. الدبابات بجانب مجلس الوزراء والمقاطعة ممكن، والرئيس يجوب العالم ويكرم نادية لطفي، ويصفه الاعلام الإسرائيلي بأنه “الرئيس الرحالة”.

من الطبيعي ان يتهجم المواطن الذي يعتبر نفسه عاديا وغير مسيس، يسعى للقمة العيش، أن العيش في سلطة كهذه لم تعد تعنيه، فالتبضع من المتاجر المبنية على المغتصبات والتي تصنع بالمغتصبات وتشكل قطع أوصال الاقتصاد في المدينة لا يعنيه منه الا توفير بعض القروش. فالسلطة باعتنا، فلماذا اهتم بتجار يأكلون الأخضر واليابس.

وبين تبريرات ولوم، نأتي الى نهاية ما يمكن التعويل عليه من موضوع التوعية المجتمعية. فإذا ما وصلنا الى هكذا مشهد محكم التنفيذ في تجسيد الاحتلال ولا يهتم المواطن الا ببضع قروش يوفرها، فلم يعد هناك ما يمكن الحديث عنه. ان كنا وبعد أكثر من سبعة عقود على الاحتلال نحتاج لتوعية في بديهيات الحياة التي تحتاج الى نسيج متكامل ليشكلها. فكل حامل لخيطه مقتنع ان ما يملكه هو كل ما يريد. فلم يبقى من هذا الوطن رقعة ننسج عليها، او بالأحرى تركت الرقعة وتم التمسك بالخيطان.

إسرائيل تتحرك في رام الله وكأن الاحتلال الصوري الذي أقنعونا بالتخلص منه منذ أوسلو لم يعد حتى مهم. كما المتبضع من رامي ليفي لا يأبه الا لما يوفره من قروش ومن أكياس وفيرة يحملها الى البيت، هكذا المواطن في شوارع رام الله، لا يعنيه من شأن الدبابة التي تجول الحي او الشارع الا عدم الدخول بمدرعاتها وعتادها الى اجتياح لبيته. يعني ما دامت الدبابة تفتش على اخر فليس مهما.

السلطة من جهتها، لا تصدر حتى بيانا لشجب اجتياحات مدينتها المحررة. وكأن الدبابة امام المقاطعة امر اعتيادي. لا يهمهم على ما يبدو كما المواطن الا إذا ما صوبت الفوهات تجاه قلاعها. الرئيس غير موجود. لا تنديد ولا شجب. فالعدو بالنسبة لسلطة رام الله اخر، هناك في غزة اسمه حماس. المعركة تبدو وكأنها حاسمة. لا نفهم متى تشتد ومتى تهدأ. تصريحات واتهامات. وعيد ونفيخ وكأن كلا الفصيلين يحكمان على أراضي بسلطة حقيقية. المجلس التشريعي المنحل بأمر الرئيس غير الشرعي القرار يصدر قرار بالإجماع بعدم شرعية الرئيس المنتهي الولاية. انتخابات مفترضة لم يعد أحد حتى التكلم عنها، واقصى ما يؤرق الساحة الفلسطينية انتخابات الغرف التجارية. هل للمرأة صوت فيها ام لا؟

الضمان الاجتماعي اهم في أولويات الشعب من الظلم الواقع على غزة. أهم من المطالبة بإنهاء الانقسام. أهم من الدعوة الفورية للانتخابات.

إسرائيل في المقابل، تزيد من المغتصبات وتخترق الشوارع المدن والقرى والاحياء الفلسطينية ولا عين تلاحظ ولا فم ينطق. سكوت محكم لانفصال عنصري رسمي قادم. العدة تعد لانتخابات جديدة، العرب فيما بينهم في خلاف وانقسام وكأنها عدوى. صراع على مقاعد بالكنيست الإسرائيلي، وامرأة عربية تعلن ترشحها بالانضمام الى الليكود. وأبو مازن لسان حاله ان الخيانة موجودة في حماس.

فتح تخون حماس. وحماس تقيم القصاص والحدود كما تراه مناسبا ومناطق سيطرتها.

رامي ليفي يجني الأرباح الهائلة من جيوب المستهلك الفلسطيني على حساب ارض مسروقة ولا يدفع الضرائب لما ينتج او يبيع، ولسان الحال الفلسطيني يؤكد: السبب هو غلاء الأسعار واستغلال التجار.

المحللون الاقتصاديون يكثرون فجأة، ويصبح الموضوع شائكا، والازمة تصبح بالسلطة والتاجر ومن يسرقون أموال المساعدات. كيف تحولنا الى شعب متسول كسلطته…. لا أستطيع ان استوعب.

لا أستطيع ان استوعب كم وضعنا مزري ومخزي.

نعيش بالفعل تبريرات ودفاعات للخيانة بوقاحة تعدت أصحاب السلطة وصارت جزئ عاديا من حياة المواطن “الغلبان”.

تذكرون كاسك يا وطن؟

رحمك الله يا وطن، اضعناك أولا، وخذلناك حتى صارت خيانتك جزء من شنطة سمسونايت يحملها الفلسطيني ليسوق الإسرائيلي في كل مكان، وليس فقط بالعالم العربي كما قالها نمر صالح سنة ١٩٨٤. أصبحنا على واقع حلم التحرر صارت تصاحبه الدبابات والاجتياحات، والوطنية تفصل على مقاس من يرددها. أكذوبة يرددها الخائن بتصديق انه يبني ويدافع ويحارب من اجل الوطن!

كاسك يا وطن

كاتبة فلسطينية