عاموس عوز ومحمود عباس: حكاية حب وظلام: ولماذا يحرص الرئيس على واجب العزاء للاسرائيليين فقط؟

سبت, 01/05/2019 - 11:41

نادية عصام حرحش

كان لقائي الفعلي والمتخيل الأول والأخير مع عاموس عوز في كتابه: حكاية حب وظلام. على صعيد العمل الأدبي، أعتقد انها عمل إبداعي كان من الممكن أن تؤدي لترشح الكاتب لجائزة نوبل بالآداب. صديق إسرائيلي أمريكي يساري يدعي نبذه للصهيونية، كان قد رشح لي الكتاب عند صدوره. استغربت من ترشيح رواية لكاتب صهيوني، كان قد أيد العدوان على غزة وشارك في حروب إسرائيل المختلفة ودعا لتوسيع العمليات ضد لبنان ابان الحرب. بالنهاية، مهما أخذ الإسرائيلي الصهيوني اتجاه اليسار، فإن الصهيونية لدى الإسرائيلي اليساري تتوج نفسها في أحسن أحوالها بكيان فلسطيني منفصل ومنعزل وتعايش مبني على فكر عنصري بجدارة. فكرت حينها، ان الإسرائيلي مهما ادعى نبذه للصهيونية، يبقى صهيوني في صميم تركيبته.

قرأت الكتاب موازاة مع كتاب صدر في نفس الوقت لسري نسيبة فيما يشبه الرد على رواية عوز. كان كتاب سري نسيبة كالثلج على صدري في وقعه ورده الذكي بوعي او بلا وعي. او ربما هكذا اردت قراءته. رحلة من يولد بالقدس.

الوصف الصهيوني لأن تكون ابن المدينة يشكل بالضبط قضيتنا مع الفكرة الصهيونية التي تصنع من الحبة قبة، ومن الحرف روايات تاريخية. شعور يتخلل أرجاء المرء لدى القراءة لا يمكن الا ان تتعاطف به مع الكاتب وتتماهى لوهلة مع جانبه من الحقيقة. حقيقة مهما تفنن الواحد منهم بتزيينها، تمتزج في فحواها بالدم الفلسطيني المسفوك وبترابه المنهوب.

تباينت الآراء والردود حينها على كتاب عوز، خصوصا عندما أرسل نسخة من الكتاب الى مروان البرغوثي في سجنه طالبا منه القراءة عساه يفهم القصة من الجانب الاخر.

عاموس عوز كاتب مرموق بلا شك بالساحة الأدبية. صهيوني حتى النخاع. اعتبره شمعون بيريس أحد ثلاثة ممكن أن يخلفوه (اهود باراك وشلومو بن عامي).

وفاته قبل أيام شكلت تداعيات غريبة في الساحة الفلسطينية، من حزن للبعض ونحيب على شهيد سلام اخر!

تداعيات اعتبرتها في بادئ الامر غير مهمة، فعادة الناس في بلادي النحيب والتهليل تباعا بلا تفكير. وطبعا، إذا ما كان هناك من الفلسطينيين من يعتبرون رابين وبيريس عرابي سلام، فمن الطبيعي ان يبكي هؤلاء وفاة عوز.

ولكن، يبدو ان عوز لم يكن مهما فقط من مدعي الثقافة والادب في حزب السلام الفلسطيني، لأن الرئيس نفسه قدم تعازيه الحارة لذوي الميت في رسالة ينقصها حضور الرئيس نفسه لتقديم واجب العزاء.

في الآونة الأخيرة فقدت فلسطين أدباء وصحافيين مهمين كان آخرهم بسام هلسة (على سبيل الذكر لا الحصر)، الحقيقة ان هناك من هو مهم يفقد دائما في فلسطين. لماذا لم يلحظ الرئيس هذه الخسارات ولم يقدم واجب العزاء فيهم؟

يعجبني امر الرئيس الذي يقوم بالواجب دائما مع الإسرائيليين. وكأنه يصر دائما في الاثبات لهم انه من حزبهم. ولكنه لا يفهم ابدا ان اليهود ابدا لن يرضوا عنه!

ولكن بعيدا عن التهكم، هناك بالفعل ما هو منطقي بألم الرئيس على رحيل عاموس عوز وفقدان معسكر السلام شخص مثله في وقت تتعالى فيه العنصرية اليمينية في إسرائيل. فعاموس عوز وتياره بلا شك حمامة سلام بيضاء.

ما هو مقلق رجوعا الى تيار عوز للسلام متمثلا بحركة السلام الآن وتمسك الفلسطينيين متمثلين بحزب الرئيس بهم، مؤمنين بأنهم بالفعل أرباب سلام.  أو ربما علينا الإذعان اليوم كفلسطينيين، أن هذا هو الحل الذي أراده كذلك أرباب القرار الفلسطيني منذ أوسلو.

أحيانا، تتداركني فكرة سذاجتنا قيادة وشعب بقبولنا لأوسلو. كنت أتفهم حالة الحنين للعودة بعد اغتراب وتشرد بين دول الجوار والعالم. وأفهم كذلك كفلسطينية، وأتقبل فكرة الخطأ والخطيئة ومغفرتها كمواطنة، يكون لم الشمل الفلسطيني كنتيجة هو العنوان. ولكن لا أستطيع زن افهم تمسك القيادة الفلسطينية بكل ما ترتب عن أوسلو. قد يذكر عاموس عوز الرئيس محمود عباس، بحالة من الحنينية لحلم بناه أشكال عاموس عوز مع أرباب القيادة الفلسطينية منذ أوسلو. ولكن ألم يعي الحقيقة المأساوية ولم ير بعد الوجه الحقيقي للصهيونية اليسارية في إسرائيل؟

بين كل التناقضات، يتزامن عزاء الرئيس المكتوب الى عائلة الصهيوني الفقيد مع انطلاقة فتح.

من جهة، لا تتوقف بيانات فتح “بالطلقة الأولى ” والبطولات المجيدة والشهداء الأبرار من حركة فتح في هذه المناسبة. ومن جهة تختار الرئاسة هذا اليوم لتقوم بواجب العزاء عليه. لا نعرف ان كان هناك وفود باسم القيادة ذهبت لتقديم واجب العزاء بكيبوتس خلدا الذي أقيم على أنقاض تهجير قرية (قرية خلدا قضاء الرملة. أقيمت على أنقاضها مستعمرات مشمار دافيد وتل شاخر) وقتل أهلها في السادس من نيسان سنة ١٩٤٨ حيث اختار عوز العيش فيه لأن تل أبيب في حينه لم تكن راديكالية بما يكفي لما يؤمن به.

كاتبة من القدس