الحوثيون.. اخفاق الشجعان: هل يجوز المقارنة بين سجونهم ونظيراتها الاماراتية والسعودية

ثلاثاء, 12/25/2018 - 22:46

منى صفوان

قدم الحوثيون انفسهم مؤخرا انهم “السجن اليمني الافضل” هذه ليست عبارة ساخرة،  بل هي سرب من الأخبار الدعائية التي تبثها الالة الإعلامية للجماعة الفتية، عن تخرج دفعة من السجناء بعد حصولها على المؤهلات العلمية العليا خلال فترة السجن

وهو بالتأكيد خبر رائع، بل مفرح ،  ان ترى السجناء يرتدون عباءة التخرج ويستلمون شهادة جامعية ، لكن الخبر لا يكتمل هنا، بل تضاف إليه البهارات الحوثية الشيقة، بوضع المقارنة بين سجون الشرعية وسجون الحوثيين.

وكان اعلانا تلفزيونيا بدا للتو، جميع  الاخبار والمنشورات قص لصق، تخبرك  التالي:  نحن لدينا سجن بلا اغتصاب ،  السجن عندنا افضل من سجون الإمارات والإصلاح والشرعية ، انظروا إلى الفرق، ايهما أجمل ان تدرس او ان تعذب…

الإعلان الظريف ، يقدم المقارنة الفجة، متناسيا ان المقارنة هي بين المعتقلين السياسيين لدى الجانبين ، وليس بين سجين بتهمة جنائية، وهذه المقارنة غير الواقعية بل والمضحكة ، هي التي دعتنا للسؤال.. ماهو اذا  وضع المعتقلين السياسيين لديكم،  ممن يصنفون انهم معارضة او مع العدوان او يرسلون احداثيات، هل يتم تعذيبهم، ام يرسلون لإكمال مشاريع التخرج. ..؟

كما تنظر للمعارض السياسي ، كذلك   الاحتلال /السعو-اماراتي، ينظر إلى معارضيه بذات الطريقة التي ينظر اليها المعتقل في سجون الحوثيين.  وان كان الاذلال  في معتقلات العدوان أشد  ..وهي صفحة سرية لم تعطى حقها بعد.

وعلى اي حال، لم يكن التشبيه او المقارنة موفقا، وتم بخس  حق عمل رائع قامت به ادارة السجون

وكان من باب أولى تقديم الخبر دون الفاصل الاعلاني على غرار “لسنا الوحيدين ولكننا الأفضل ” ، وكانها دعوة للمواطن اليمني ان يختار الإقامة في السجن في صنعاء وليس في مأرب او عدن.

الشجاع الديكتاتور

ان الحوثيين مقاتلين اشداء ،وبلا شك لديهم بطولات مذهلة يعجز اللسان والقلم عن وصفها، وبالتأكيد انها المرة الأولى خلال تاريخنا السياسي التي  تتصدى فيها جماعة سياسية/مسلحة للوصاية الخارجية -السعودية بهذه الشدة والحزم

ان الحوثيين ومن معهم من قبائل يمنية لقنوا السعودية وحلفائها الاقليميين والمحليين درسا لن ينسوه، درسا في التاريخ والجغرافيا ، والسياسة ، وفي البطولات الحربية

انها ربما المرة الأولى منذ زمن طويل جدا، نستطيع فيها رفع رؤوسنا امام من اذلوا اليمنيين لعقود طويلة ، وللأسف بمساعدة ايداي الداخل ، والتي ثار عليها الحوثيون وتمردوا على سلطتها مبكرا ، حيث كانوا كيان سياسي ينشأ خارج هرم السلطة الموالي للسعودية، فتمرودا عليه.

لن نقول جديدا ونحن نكرر، كما ذكرنا في مقالات سابقة، ان هذه الحركة الفتية، حفزت القيم الإيجابية لدى اليمنيين ، واعادت اليهم روحهم الوطنية المسلوبة ، لكن في المقابل وخارج السياق الحربي /العسكري ، المقاوم والذي اثبت فيه الحوثيون بطولة وفداء بالغالي والنفيس، فإنهم ليسوا الجديرين بتسيير وتسييس حياة الناس وادارتها.

فهذا باب ان فتحه الحوثيون على انفسهم خسروا شعبيتهم ومناصريهم، لان تسيس حياة الناس، قد يكون اكثر تعقيدا من العمليات الحربية.

وبرغم النفي القاطع من قبل الحوثيين بأنهم جماعة ديكتاتورية ، يحاولون فرض لون ديني وثقافي واحد ، الا ان الواقع يقول عكس ذلك، وان مشروع الدولة المدنية الذي دافعوا عنه في مؤتمر الحوار ، سقط عند اول اختبار ، وهذا يؤكد انهم كانوا مع مدنية الدولة حتى لايفرض عليهم اللون الوهابي او السلفي .

القدرة الصاروخية اسهل من حكم مجتمع متعدد

يمكن للحوثيين “أنصار الله” كحركة سياسية شاملة تطوير قدرتها الصاروخية، بل واثبات انها قادرة على تجاوز معضلة الحصار الاقتصادي والتضييق ، وتطوير امكانياتها باقل القدرات، وتصنيع اعقد المعدات الحربية.

لكن حين يتعلق الامر بالناس ، بالتقاليد، والمعتقدات ، بالشباب ، بالرغبات والثقافات والحريات ، بالنساء واللباس، والطقوس، والتقليد والبدع والاختيار، فإن المعادلة تخسر .

لأنك لن تستطيع إرضاء الناس، ولا ارضاخ الناس، الشباب المفتون ببطولات الحوثيين من الجنسين ، والذين يسمعون لزوامل عيسى الليث ويرقصون عليها ، لديهم آراء وأفكار مختلفة عن الفكر العقائدي الذي يحكم الجماعة ، والجماعة عليها ان تدرك ان الناس معها في الجانب السياسي/العسكري في خندق الدفاع عن الوطن، لا في تخندق كبت الحريات العامة والخاصة .

لقد فشلت كل الأحزاب والحركات الدينية وسقطت وهي تحاول السيطرة على المجتمع اليمني المنفتح بطبعه والمتعدد، ولن ينجح الحوثييون فيما فشلت فيه القاعدة وداعش والإصلاح ، وحتى احزاب اليسار الايديوجية.

ان النظام السياسي ينجح حين يحفز الناس حول قيم مشتركة ، واهداف وطنية، لكن في التفاصيل الثقافية والاجتماعية، يفشل ان حاول السيطرة .

الوضع السياسي اليمني يسير حاليا نحو التهدئة ، والمصالحة مع السعودية وتبعا لها التحالف اليمني ، وليمهد ذلك إلى تسوية سياسية.

والحوثيون قبل غيرهم بحاجة لهذه التسوية ، والمشاركة في الحكم والسياسة ، لأنهم وحدهم ليسوا الاقدر على تسيير حياة الناس.. وخاصة فيما يتعلق بالثقافة والحريات.

ربما تمكنوا من سابقة تاهيل السجون ، لكن اليمن مازال سجنا كبيرا يحتاج لكل عقوله الوطنية والطيبة لاعادة تاهيله، ليقبل اولا بأختلافه  وتنوعه، وان الناس ليسوا قصر، ولا يحتاجون لوصي أخلاقي عليهم…

وهنا نذكر اخوتنا اليمنيين ان نظام البشير في السودان كان يراقب ملابس الناس ويجلدهن ، وهذا لم يكن يعني انه نظام الهي منزه، بل كان فاسدا ومنحلا، ووجبت الثورة ضده.

واليمنيين الذين خرجوا في ثورات عدة ضد الفاسدين، وضد اوصياء الدين ومدعي الفضيلة ، قادرين على الخروج بثورة جديدة ضد الاوصياء الجدد ..ولن تشفع لهم شجاعتهم في الحرب.. ان هم  اخفقوا في كسب الناس، وخسروهم بسبب محاولة فرض اللون الواحد.

كاتبة يمنية