الشيخ موسى كمارا عالم افريقيا و مؤرخها عبر العصور

أحد, 12/16/2018 - 11:09

اليوم انفو : بثت شبكة ميدي 1 المغربية حلة تلقي الضوء على أحد أشهر مؤرخي القارة الافريقية هو  الشيخ موسى كمرا وهو من علماء حوض السنغال الذين ساهموا مساهمةً فعّالةً في نشر الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة, من خلال كتاباته، وبخاصّة علم التاريخ, في فترة اتجهت فيها كتابات ومؤلفات جلّ علماء المنطقة نحو العلوم الإسلامية (الفقه، والعقيدة، والتصوف)؛ ما جعل بعض الباحثين الأفارقة المعاصرين يعتبرونه من العلماء الذين دفعوا بدماء جديدة في التاريخ (تاريخ السودان الغربي) بعدما دبّ إليه الهرم والشيخوخة. ضيف الحلقة الدكتور أحمد انداك لوح أستاذ متخصص في التاريخ الافريقي من السنغال.
و من مشاهير اولاده الشيخ التراد كمارا الذي كان مترجما للفرنسيين في كيفة كما تزوج في المدينة و له ابناء و احفاد في المدينة التي يدفن فيها الان
و لم يتوقف مد كمارا الديني و اشعاؤه الثقافي عند السنغال حيث وصل الى موريتانيا اكبر ابنائه و الذي يوجد مدفنه بمدينة كيفة شرقي موريتانيا 
 .

كما له ابناء اخرون يعتبرون من الاعلام الثقافية و العلمية و في موريتانيا اضافة الى احفاده العديدين، فيما يصنف الشيخ على اساس انه ملك عالمي نظر لما قدمه من خدمة للدين الاسلامي و اللغة العربية 

و يمكن التوسع حول الشيخ موسى كمرا في الاسطر التالية للباحث : د عالي يعقوب 

يعدّ الشيخ موسى بن أحمد بن الحبيب كمرا من كبارِ المؤرخين بإفريقيا الغربية خلال العهد الاستعماري, فقد وُلد ونشأ وتعلّم وتُوفي في أيام الاستعمار.

 عاش الشيخ موسى في منطقة فوتا تورو (السنغال) المنطقة التي عُرفت تاريخيّاً بدورها الريادي في نشر الإسلام, وقيام الدولة الإمامية الإسلامية في القرن الثامن عشر الميلادي, وشهدت المنطقة في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي قيام دولة الحاج عمر الفوتي التي وقفت أمام توغّل الاستعمار الفرنسيّ في المنطقة فترةً من الزمن, ثمّ أدرك الحاج عمر أنّ إمكانياته، سواء على المستوى العسكريّ أو المستوى التنظيميّ لدولته الفتية, لا يمكنها الصمود طويلاً أمام الآلة العسكرية الفرنسية؛ لذلك اتجه نحو الشرق (3)؛ الأمر الذي مكنّ الفرنسيين من السيطرة على بعض الأقاليم في فوتا تورو وغيرها, وفي النهاية تمكّن الاستعمار الفرنسي من إسقاط الدولة الإمامية, حيث استسلم الإمام سيري بابا عام 1881م للانتداب الفرنسي, وكان آخر إمام للدولة الإمامية في فوتا تورو.

ثم تمكّن الاستعمار من إسقاط دولة الحاج عمر الفوتي في عام 1898م في مالي في عهد خليفته أحمد بن عمر الفوتي, ما جعل الفترة التي عاصرها الشيخ موسى كمرا تتميّز بالتسلّط الاستعماري الفرنسي على غرب إفريقيا؛ لأنّ فرنسا كانت قد بسطت نفوذها بقوّة السلاح على كلّ أنحاء المنطقة, وأخمدت جميع الحركات الجهادية المناوئة لها, مثل: حركة أحمد شيخو (أحمد بن الشيخ عمر الفوتي في مالي)، وحركة أحمد الأمين درامي في مالي, وحركة ساموري توري في غينيا, وحركة ألفا شعيب ومحمد كاووسن في النيجر, وغيرهم من العلماء الذين قادوا الحركات الجهادية ضدّ الاستعمار الغربي للسودان الغربي.

إنّ الشيخ موسى كمرا من علماء حوض السنغال الذين ساهموا مساهمةً فعّالةً في نشر الثقافة العربية الإسلامية في المنطقة, من خلال كتاباته، وبخاصّة علم التاريخ, في فترة اتجهت فيها كتابات ومؤلفات جلّ علماء المنطقة نحو العلوم الإسلامية (الفقه، والعقيدة، والتصوف)؛ ما جعل بعض الباحثين الأفارقة المعاصرين يعتبرونه من العلماء الذين دفعوا بدماء جديدة في التاريخ (تاريخ السودان الغربي) بعدما دبّ إليه الهرم والشيخوخة؛ لانصراف جلّ الكتّاب في المنطقة عنه, وذلك للضعف الذي أصاب اللغة العربية والثقافة الإسلامية, بعد هيمنة الاستعمار على المنطقة, ومحاربته للإسلام ولغته العربية, ومحاولته المتعمّدة لتشويه تاريخ شعوب المنطقة المضيء في العصور الإسلامية الزاهرة.

 

حياة الشيخ موسى كمرا:

ولادته:

وُلد الشيخ موسى بن أحمد بن الحبيب كمرا في قريةٍ واقعةٍ في الجنوب الشرقي لمدينة ماتم (matam) بجمهورية السنغال عام 1863م (4) ، وقيل 1864م, وذكر دكتور عامر صمب أنه عُثر في مدينة ماتم، من بين الوثائق الرسمية، على وثيقة مؤرّخة بالسابع من شهر فبراير 1930م، وجاء فيها ما يأتي: (إنّ الذي سُمّي بالشيخ موسى كمرا ابنٌ لأحمد الحبيب المرحوم, ومريم دادو (dado) المغفور لها, قد وُلد حوالي 1864م في كُريكه صمبه جُم في مقاطعة دَمكه بدائرة ماتم بالسنغال) (5).

وكذلك ترجم الشيخ موسى لنفسه في كتابه: (تبشير الخائف الحيران)، وذكر تاريخ ميلاده بتردد، حيث قال: «وُلدت في عام 1280هـ (يوافق 1864م)، وقيل عام 1276 من الهجرة النبوية (يوافق 1860م)، في قريةٍ صغيرةٍ واقعةٍ في جنوب الشرق لمدينة ماتم» (6).

ويبدو أنّ تاريخ 1864م هو الأرجح؛ لوروده في تاريخ ميلاده في وثائق الاستعمار الرسمية, ولم ينكره، بل ذكر ذلك في ترجمته لنفسه.

نشأته ورحلاته العلمية:

نشأ الشيخ موسى كمرا في قريته, وتلقى تعليمه الأساسي على علمائها, وقال في ذلك: (وأول مَن علّمني حروف الهجاء رجلٌ كان يسكن في كُريكه، اسمه: يشرنو مالك, وكان يعلمني القرآن... ثم علّمني رجلٌ آخر في فولل جاوب Kpoolel jaawbe))، اسمه: تشرنو محمود، القرآنَ أيضاً) (7)، ولتعميق معرفته شدّ الرحال إلى بلاد شنقيط, وتلقى العلم على يدي علمائها، ولازم علماء قبيلة لمتونة, وبالتحديد الشيخ عبد أول سفاف زمنا، ثم غادره إلى شيخ آخر اسمه: فال ولد طالب, ثم رجع إلى فوتا.

وعند رجوعه ذهب إلى أحد الفقهاء في قرية سينو باليل (seno baalel) اسمه عبدُل إلمان, وقرأ عليه (الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني في الفقه, ومقصورة ابن دريد في الأدب, وأثناء هذه الفترة جاءه النعي بوفاة والدته (8), ولكن هذا الحدث الأليم لم يحل دون استمراره في طلب العلم, حيث واصل رحلاته العلمية, ورحل إلى شيخ يُدعى: ألفا صمب تيام, ودرس عليه جزءاً من كتاب (تحفة الحكام) لابن أبي عاصم الغرناطي, ثم أكمله عند الشيخ محمد سامب بلاّ, ودرس الفرائض على الشيخ ألفا محمدآو, ثم قصد فقيهاً فوتجليّاً يُسمّى: مودي حامد, ودرس عليه الجزء الأول من (مختصر خليل) في الفقه المالكي, ثم جاء فقيهاً آخر من فوتا جلون إلى فوتا تورو اسمه: موُدُ ممَّد، فقرأ عليه شيئاً من الجزء الثاني من (مختصر خليل), وشيئاً من (مقامات الحريري).

ثم زار فوتا جلّو مع شيخه موُدُ ممّد لتعزية بعد معارف شيخه, وبقي موسى كمرا بعد التعزية في فوتا جلوّ لطلب العلم، حيث قصد الشيخ ألفا إبراهيم, فدرس عليه (القصائد العشرينية) للفازازي, و (دالية اليوسي), ثمّ شّد رحاله إلى عالم آخر في فوتا جلّو لدراسة الأدب والنحو, وهو: الشيخ حامد كَن الذي يُضرب به المثل في إتقان (مقامات الحريري), بدرجة أنه يحفظ المقامات كاملاً, رحل إليه الشيخ موسى كمرا, وقرأ عليه المقامات وغيرها من الكتب, وبخاصّة المتون النحوية, مثل: (ملحة الإعراب) و (الآجرومية) (9) .

وبعد ما ملأ الشيخ موسى كمرا عيبته بالعلم في فوتا تورو, وبلاد شنقيط، وفوتا جلّو, أراد أن يتوّج ذلك بالحجّ إلى بيت الله الحرام, فغادر السنغال في عام 1886م بنيّة الحج, وقصد فوتا جلّو, ومكث فيها مدة يزور علماءها وحكامها, حيث زار إمام فوتا جلو ألفا إبراهيم, وكذلك زار مدينة دينغراي (dinguiraay) (10) لمقابلة عاقب بن الشيخ عمر الفوتي.

لكن بعد هذه الزيارات والمقابلات غيّر الشيخ موسى كمرا رأيه, ولم يسافر إلى مكة, حيث رجع إلى بلاده فوتا تورو, ولم يذكر لنا الأسباب التي منعته من الحج, والمصادر التي ترجمت له لم تتطرق لذلك.

وبعد رجوعه إلى فوتا تورو زار الشيخ سعد بوه- من شيوخ بلاد الشنقيط-، ودعا له الشيخ, ومنحه لقب: (الشيخ) لمّا رآه يستحق اللقب بجدارة من حيث العلم والأخلاق (11).

 ثمّ عاد الشيخ موسى بعد ذلك إلى فوتا تورو, واستقر في قرية سكّيت cikkite)) أربع سنوات يمارس التدريس, وفي عام 1893م انتقل منها إلى قرية تُسمّى: كنكيل (GANGUGUEL)، وتفرغ للتدريس والتأليف, ما جعله يعتذر عن تولّي القضاء في منطقة ماتَمْ (matam) لمّا قال له ضابط من ضباط فرسا في السنغال: «أحبّ أن أطلب لك من أمير أندر Andar خطة القضاء، تكون قاضياً على سائر مَن في ديوان ماتَم. فأجابه موسى: لا أقدر على حمل هذه الخطط. فقال له العسكري: ما الذي تقدر عليه من الخطط؟ قال الشيخ موسى: لا أقدر إلاّ على تعليم العربية» (12)، وتوافد عليه طلاب العلم من فوتا تورو ومن خارجها, وبخاصة من فوتا جلّو، حيث كان لأهل تلك المنطقة معرفة سابقة به, بعد أن كان أمضى بينهم بضع سنين  (13) لطلب العلم.

وكان من المواد التي يدرّسها في حلقته العلمية: تجويد القرآن الكريم, واللغة، والنحو والصرف، والبلاغة، والفقه، والتفسير، والتوحيد، وغيرها من العلوم الشرعية واللغوية.

وفاته:

بقي الشيخ موسى كمرا في قرية كنكيل يدرّس ويؤلّف حتى وافته المنية في عام 1365هـ الموافق 1945م، عن عمر تجاوز الثمانين سنة, تاركاً العديد من المصنفات، ما عُرف منها خمسة وثلاثين مصنفاً، في العلوم الشرعية واللغوية والتاريخية والتصوف.

مؤلفاته:

ساهمت الرحلات العلمية التي قام الشيخ موسى كمرا في وقوفه على حقيقة أحوال البلاد والعباد, وتمكّن من تكوين شبكة من العلاقات والصداقات, ساعدته في كتابة تاريخ المنطقة فيما بعد, حيث كان أصدقاؤه وزملاؤه وطلبته يمدّونه بما يحتاج إليه من معلومات عن المناطق التي يجهل أحوالها وعاداتها, زيادةً على شغفه بالقراءة وحبّه للكتابة.

بدأ في تصنيف الكتب، تلخيصاً وتأليفاً, وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره, وهذا ما مكّنه من إنجاز العديد من المصنفات.

ألّف الشيخ موسى كمرا في معظم العلوم والفنون المتعارف عليها في السودان الغربي, ومؤلفاته تعكس ثقافة مجتمعه، ومعارف عصره، واهتمامات الجماعة المثقفة في زمنه, وهذا ما جعلها تشكّل إسهاماً ثقافيّاً متكاملاً، وتعبيراً أصيلاً عن تراث السودان الغربي (14) .

ويمكن تصنيف مؤلفاته إلى ستّ مجموعات:

أ - مجموعة تاريخية، من أهمّها:

1 - زهور البساتين في تاريخ السوادين - (مطبوع).

2 - أشهى العلوم وأطيب الخبر في سيرة الحاج عمر - (مطبوع).

3 - المجموع النفيس سرّاً وعلانية في ذكر بعض السادات البيضانية والفلانية - (مطبوع).

4 - تاريخ داره في زغاوة - (مخطوط).

5 - تبشير الحيران في ذكر رحمة ربّه المنان - (مخطوط).

6 - أكثر الراغبين في الجهاد ممن يختارون الظهور وملك البلاد - (مطبوع) (15) .

ب -  مجموعة لغوية، من أهمها:

- دليل السالك على معاني ألفية ابن مالك - (مخطوط).

ج - مجموعة أدبية، من أهمها:

1 - آلة العلوم على اليقين البت في شرح دواوين السّتّ - (مخطوط).

2 - الأستاذ الكافي في علمَي العروض والقوافي - (مخطوط).

3 - تفصيل عقود الجمان بالدر والجمان - (مخطوط).

د - مجموعة فقهية، ومن أهمها:

1 - تقاييد مفيدة على مختصر خليل - (مخطوط).

2 - البساتين اليانعة المجتمعة في الكلام على صلاة الجمعة - (مخطوط).

3 - رفع الحرج والإثم عمّن تعاطى ما لا يضره من الدخان والشمّ - (مخطوط).

ه  - مجموعة عقدية، من أهمها:

1 - كاد أن يكون الاتفاق والالتئام بين دين النصارى ودين الإسلام - (مخطوط).

2 - بلوغ القصد في ذكر الأسماء الحسنى - (مخطوط).

و - مجموعة التصوف، من أهمها:

1 - العز الأسمى والحرز الأحمى في ذكر الأوراد - (مخطوط).

2 - الحقّ المبين في إخوّة جميع المؤمنين، والاتحاد طرق سائر السائرين ... - (مخطوط).

وله كتابٌ في الطب اسمه: حصول الأغراض في شفاء الأمراض - (مخطوط) (16).

والشيخ موسى كمرا شاعرٌ مطبوع, وله قصائد في المديح النبويّ والرثاء والحكمة والتوسل ، وجلُّ مؤلفاته في المعهد الأساسي لإفريقية السوداء (IFAN) بدكار، وبخاصة التاريخية منها، اهتم بها الدكتور عامر صمب, وترجم بعضها إلى اللغة الفرنسية, ونشرها في سلسلة من المقالات بمجلة إيفان (IFAN) في بداية عام 1970م.