تصفية القضية سترتد على كل دولة عربية وشعبها.. الأردن في قلب الحدث والخيار الوطني أمام الملك

أحد, 12/09/2018 - 09:17

فؤاد البطانية
إذا كنا نعتقد كعرب، بأن القضيه الفلسطينية هي مجرد احتلال فلسطين والأقصى وسلب حقوق الفلسطينيين فنحن مخدوعين وفي قلب الشِباك، وإذا كان الحكام العرب وخونة الأمة يحسبونها هكذا ويعتقدون بأنه يمكن لهم استخدام فلسطين وشعبها والقدس والأقصى فداء لعروشهم ورشوة، أو كبش فداء للكعبة ولدولهم فهم واهمون ومبتلعون لخدعة الصهيونية، فاسرائيل والصهيونية لا تحسبها كذلك، ولا تحسبها بالمنطق الذي تُسوقه لعملائها من الحكام وغيرهم، بل تحسبها بمنطق الشعوب والأحرار واستحقاقات الأوطان والعقيدة والتاريخ، فصحيح أن هدفها هو فلسطين كجزء أساسي في المشروع الصهيوني، إلا أنها تعلم بان فشل تحقيقه المحتوم مرتبط بصحوة شعوب الدول العربية وباستقلال ونهضة دولها ـ وبعقيدتها ووطنيتها وقوميتها ، وبالأمة الاسلامية.
إسرائيل تدرك بأنها لوقضت على المقاومة الفلسطينية أو حتى على خمسة عشر مليون فلسطيني ، فإنها لن تفلت من صحوة شعوب الدول العربية ولا من الدول العربية إن استقلت ونهضت.لأنها تعلم بأن فلسطين جزء مقدس من الوطن العربي وكلها وقف اسلامي والأقصى حاضر في صلواتهم اليومية. ومن هنا تدرك بأن هدفها في احتلال وامتلاك فلسطين لن يستقر ولن يكون أمنا لها مالم تُخضع الدول العربية كلها وتجردها من استقلالها ومن قوتها العسكرية وغير العسكرية والعمل على الإبقاء على هذه الحالة ، المرتبطة بإخضاع شعوبها ووضعهم على طريق ونهج متراجع.
وعليه فلا يحلمن عربي أن يكون ساعة واحدة في دولته أو قطره متمتعا بحقوقه الانسانية والسياسية والقانونية ولا بعدالة اجتماعية ولا ديمقراطية ما دامت اسرائيل ترغب أو تنجح بالبقاء بفلسطين. ولا يحلم حاكم عربي بالنجاة بنفسه وبدولته. فالواقع أن القضية الفلسطينية هي التحدي الأساسي لكل دولة عربية أو اسلامية ، وقضية كل مواطن عربي في أي قطر كان مباشرة. بل من المفترض أن تهمه أكثر من الفلسطيني الذي تمرس على التعايش مع المعاناة. وأتمنى على شعوب الدول العربية الذين عانوا خلال السنوات الأخيرة ويعانون اليوم أكثر من معاناة التجربة الفلسطينية أن يوصلوا الرسالة لكل شعب عربي يعتقد بأنه سيفلت من الأسوأ القادم أو أنه سيخرج من ذاك الأسوأ القادم مهما ركع ، ما دامت فلسطين بيد الصهيونية. فالركوع مرحلة شهر عسل سيمر ، ولن يشفع لأصحابه في مرحلة لاحقه.
الأردن والشعب الأردني لهما خصوصية يتميزان بها على هذا الصعيد عن باقي دول وشعوب العرب. فهما توأمان لفلسطين والشعب الفلسطيني. والقضية واحده. وكل أذى لفلسطين أو لفلسطيني لا يمكن ان يستقر أو يمر إلا بأذى مباشر على الأردن والأردني. فمن يريد السلامة للأردن عليه أن يريد ويعمل على سلامة فلسطين. وعلى الغافل أن يعلم ذلك وعلى الكاره أن يعلم بأنه قدر لا مفر منه. الهدف الصهيوني في فلسطين لم يكتمل بعد ، وصفقة التصفية لم تكتمل بعد.وإن اكتمالها لا يكون إلا في الأردن وبالعمل السياسي مع الأردن لا باستخدام القوة. لكن اكتمالها وتحقيقها هذا مرتبط بالإجهاز على الأردن وتركيع شعبه ، وهذا بدوره مرتبط بالسلوك الأردني قيادة وشعبا.
ولذلك نرى الهجمة اليوم تتركز على الأردن ، تُكسر فيها قواعد الدولة الراشده وقواعد الإقتصاد والمال وقواعد الأخلاق والمنطق والسلوك. والهدف هو افشال وتركيع الدولة والشعب معا. وللأسف أقول بأنهم لا يكتفون بالمراهنة على الملك كحليف يأخذ ويعطي معهم. ولكنهم يراهنون على إضعاف وتفتيت جبهتنا الداخلية وفك عراها مع نفسها ومع الدولة وقيادتها، وفرض الضغوطات على المواطنين لما يتجاوز سقف التحمل ليصبح ورقة ضغط وابتزاز جاهزة لتنفيذ المخطط. ولكنهم لم يحسبوا أن هذا من شأنه أن يصنع بيئة داخلية تنذر بانفجار بوجه الجميع.
الشعب الأردني يقف وحده اليوم يتحمل نتائج سياسات مفتعلة تقف وراءها أهداف سياسية ولن تنتهي المعاناة ما لم تتم مواجهة تلك الأهداف السياسية ، لا مظاهرها ووسائلها التي تتخذ شكل الضغوطات الإقتصادية والمعيشية والتهميش والفساد والاختلالات بأنواعها. نتائج يتحملها الشعب ولم يكن له يد فيها أو بصنعها. ولم تترك أمامه نافذة إلا وأغلقتها الدوله. تفصل له حكومات لا ينتخبها والعلاقة معها من طرف واحد ، ولا عمل لها الا تنفيذ مشاريع توضع أمامها جاهزة. ونواب يُفرضون عليه ويشرِّعون ما تسنه الحكومات ، وأحزاب تحكمها محددات الدولة. فلجأ هذا الشعب الى النقابات ومؤسسات المجتمع المدني فاخترقتها أجهزة الدولة واشترتها ، وحشر الشعب في زاوية حادة ويجد نفسه اليوم مطالبا بالدفاع عن نفسه بنفسه مباشرة بعد فشل استجارته بالملك صاحب القرار في التغيير ووقف كل ما يجري.
على النظام أن يعرف بأن الشعب الأردني في ظل افتقاده لبيئة العمل السياسي الشعبي الحر وأسوة بالحكومات المتخلية عن ولايتها الدستورية وغياب الممثلين الحقيقيين له وتحت وطأة ضغوطات المعيشة ، فقد اضطر على ترك السياسة والعمل السياسي الى الملك. واكتفى بالمواظبة على المطالبات بالاصلاح ووقف الفساد وتحسين مستوى معيشته إلا أن كل ذلك تعمق لغياب الحكمة والرضوخ للبرامج الدولية بعيدا عن الواقع الأردني والحسبة الوطنية ، غير أن سنين المعاناة دون توقف وزيف الوعود ومسار التراجع المستمر المترافق مع التهميش أفقده الثقة والأمل وبات يرى الحبل يلتف على رقبته وينظر لتغيير مسار مطالباته واحتجاجاته ووجهتها نحو النهج السياسي ويحمل صاحب القرار السياسي المسئولية. فنحن على موعد مع تغيير الخطاب الشعبي ووضعه في المسار الصحيح .
المنطق يقول والواقع يشير إلى أن الحفاظ على الأردن ومؤسسة العرش في هذه المرحلة على المحك. ولن ينجو كلاهما ما دام النظام حليفا لمعسكر الصهيونية والاحتلال وبعيدا عن الشعب. فالدوائر تدور في الأردن على الجميع ، ومن الحكمة أن يستبق الملك الشعب ويتصرف وفقا للحاجات الوطنية ومستحقاتها. وأن لا يستهين به ولا بوسائله وسلوكه حين يكون بموقف الدفاع عن النفس والولد والوطن. سيخرج للشارع بخطاب سياسي بلا قيادة شعبية تضبط إيقاعه. وفي لحظة ما لن تكون الأجهزة الأمنية ولا الجيش قادرا على السيطرة على الموقف.
لا نريد لمعسكر الصهيونية الذي سيفشل في تركيع هذا الشعب أن ينجح في مراهنته على الملك والايقاع بين مؤسسة العرش والشعب ، فهذا إن حدث سيكون مدخلا لأحداث جسام يصعب حساب نتائجها ، ومدخلا لكل الحلفاء المزيفين من أجل زيادة الضغوطات على الملك وعلى الدولة لصفقة التصفية. وإذا تجاوب الملك مع تلك الضغوطات الخارجية فعندها سيطاح بالمجمل. فمستقبل الأردن والشعب الأردني لا يمكن إلا أن يكون من نوع مستقبل فلسطين وشعبها. التاريخ يحدث بأن الخيار الوطني هو الحل والطريق الأسلم. فهل يسلكه الملك في الوقت المناسب.
كاتب وباحث عربي