زيارة بن سلمان للجزائر بين الاعتبارات الإنسانية والمقتضيات الدبلوماسية

أربعاء, 11/28/2018 - 00:21

عبدالله راقدي

شكلت الزيارة المزمع القيام بها من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للجزائر مادة دسمة لمختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي والأحزاب السياسية، وبعض منظمات المجتمع المدني. حيث سعت فيها عبر استخدام عبارات التنديد والوعد والوعيد والرفض بهذه الزيارة إلى التأثير ومن ثم إقناع الحكومة الجزائرية بضرورة صرف نظرها عن هذا الاستقبال. كون ولي العهد لديه سجل حافل بانتهاكات حقوق في فترة قصيرة منذ توليه الحكم في السعودية. فهل تنجح مثل هذه الدعاوى في ثني الحكومة الجزائرية عن استقبال بن سلمان؟ وهل من تداعيات للقبول  بالاستقبال من عدمه لولي العهد السعودي على أداء وسمعة الدبلوماسية الجزائرية؟

دبلوماسية المبادئ في زمن بكاء اليتامى وصيحات العجزة…

تجدر الإشارة إلى استمرار الجزائر في تبني نهجها الدبلوماسي القائم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان ذات السيادة رغم التحولات العميقة التي مست بنيتها ومحيطها الإقليمي والعالمي. أيضا ظلت تقف على مسافة واحدة من الأطراف المتنازعة في القضايا العربية الإسلامية بل وحتى غير الإسلامية وتدعو إلى حل النزاعات بينها بالطرق السلمية ( النزاع العراقي/ الإيراني ، العراقي/ الكويتي، المصري /السوداني). وحتى أثناء بروز ما يسمى “ثورات الربيع العربي”، طالبت بضرورة تغليب الحوار بين الأطراف المتنازعة والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الأزمات الداخلية للبلدان وفي تأجيج الصراعات.

وهو ما ينسحب على علاقتها مع العربية السعودية فعقب إعلان السعودية عاصفة الحزم في  2015 أعلنت الجزائر عبر وزير خارجيتها رمطان لعمامرة رفضها للعملية والمشاركة فيها وفي نفس الوقت دعت إلى التركيز على إجراء الحوار السياسي. وحتى بالنسبة لجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الشنيعة – التي يبدو أن من أوجدها كان يستهدف تحقيق إنجازات جيوستراتيجية بامتياز- فقد التزمت الحكومة الجزائرية الصمت حتى انقشاع غيوم الجريمة لتخرج علينا بتصريح للناطق  باسم وزارة الخارجية الجزائرية مما جاء فيه ونقتله وكالة الأنباء الجزائرية “إن الجزائر التي تربطها مع السعودية علاقات الأخوة والتعاون وتتبادل معها نفس المصير المشترك، على قناعة بأن القضاء السعودي سيسلط الضوء على هذه الجريمة.  وأضاف أن “الجزائر التي تدين بقوة الاغتيال المريع الذي استهدف المواطن السعودي، قد سجلت النتائج التي توصلت إليها العدالة حول ملابسات ارتكاب الجريمة وهوية أولئك الذين أمروا بها وبتنفيذها”. ويبدو انه وخلافا لمواقف بعض الدول التي وجدت في الجريمة فرصة لتعظيم مكاسب جيوستراتيجية من قضية إنسانية كأمريكا وتركيا وإسرائيل، في حين وجدت قطر الفرصة مواتية لتسخير كل الإمكانيات لاسيما الإعلامية (قناة الجزيرة أساسا) من اجل ممارسة أقصى مستويات الضغط والانتقام من حكومة بن سلمان المتورطة في حصارها. ولان مثل هذا التصريح يشي ضمنيا بترحيب رسمي ، فهل ينجح بن سلمان في إحداث اختراق عبر هذه الزيارة  يسمح له بتلميع صورته؟

بن سلمان في مواجهة أخلاق الجزائريين: رفض الظلم والحقرة

أثار الإعلان عن نية ولي العهد السعودي زيارة الجزائر جدلا واسعا في مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. حيث تكاد تتفق معظمها حول مسالة حث الحكومة على الناي بنفسها من إن تتورط في استقبال ولي عهد حفل سجله بعد فترة وجيزة من توليه الحكم بالكثير من المشاكل والأزمات والحروب. فهذه القوى تتهمه بالاستمرار في دعم الجماعات الإرهابية في سوريا ( النصرة وداعش) وفي ليبيا، وفي اليمن التي تسببت عاصفة الحزم منذ 2015 في تدمير اليمن الفقير وقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين في ظل تفشي اخطر الأمراض الفتاكة واليمن البائس يتجه نحو مجاعة شاملة. وآخرها جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي التي حظيت بتغطية ومعالجة إعلامية عربية وعالمية كبيرة. ويتهم أيضا بن سلمان بهندسة مسار التطبيع مع إسرائيل.

وعلى نحو متصل ينظر إلى سياساته القائمة على زيادة الإنتاج وإغراق الأسواق بكميات أكبر من البترول بأنها انصياع لأوامر الرئيس  ترامب الذي طالب  السعودية بالعمل على تخفيض أسعار النفط في الأسواق العالمية وأثنى على جهودها بالخصوص. وشبه أي الرئيس الأمريكي تدني أسعار النفط “بخفض ضريبي كبير” قد يدعم الاقتصاديين الأميركيين والعالميين. وقال شكرا للسعودية، لكن لنخفض أكثر أو كما قال ترامب. ورغم هذا السجل  غير المشرف إنسانيا، نتساءل عن مدى رجاحة قرار استقباله من عدمه؟ وما الذي يتوجب أن يتلقاه من الحكومة الجزائرية؟

الفعالية الدبلوماسية رهن جبهة داخلية متماسكة واعية

كغيره من القطاعات الحيوية تأثر أداء الجهاز الدبلوماسي بمرض الرئيس بوتفليقة الذي عمل منذ مجيئه عام 1999 على إعادة الاعتبار لنهج سياسة خارجية نشطة. فنتيجة لذلك لم تتعامل الجزائر بالجدية المطلوبة مع قضايا كان لها تأثير مباشر أو غير مباشر على أمنها الوطني، كما هو الحال مع النزاعين السوري والليبي، أو ظاهرة هجرة الأفارقة التي أَضحت ورقة ضغط تمارسها منظمات حقوق الإنسان على الجزائر. فبسبب انكفاء الدبلوماسية الجزائرية، تحولت ليبيا القذافي إلى ساحة صراع من اجل النفوذ وممارسة لعبة التفكيك والتدمير من قبل دول صغيرة كقطر والإمارات. وإذا كان الحال على هذا النحو، كيف يمكن لمواقف الجزائر أن تأثر على سلوك دولة كالسعودية في مسائل حقوق الإنسان أو في سياسة التطبيع مع إسرائيل الذي يبدو أن السعودية عاقدة العزم على تكريسه كي تتمكن من إنجاح مشروع القرن “نيوم” ومن ثم القبول بها لقيادة المنظومة الأمنية الاقليمة. أيضا الجزائر ليست قوة تضاهي قوة دول (كالولايات المتحدة الأمريكية، الصين، وروسيا، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا) المسيطرة على القرار الدولي والمؤثرة على الكثير من وسائل الإعلام والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية لاسيما ما تعلق بقضايا حقوق الإنسان.

وعليه فأي موقف للجزائر حيال السعودية يجب إن يأخذ في الاعتبار مكانتها كدولة كبيرة غنية، حليف استراتيجي لأمريكا وإسرائيل. لها اذرع إيديولوجية (جماعات تعتنق الفكر الوهابي) في أكثر من بلد عربي وإسلامي تدين لها بالولاء. وهي في النهاية خلايا نائمة تستدعى للنشاط والفعل في أي لحظة توجه لها الأوامر. بل والأكثر من ذلك تتحدث تقارير إعلامية عن أن بن سلمان سيجلب معه عروض للاستثمار  بأكثر من 15 مليار دولار. ولنا أن نتساءل عن جدوى رفض استقباله، بمعنى هل يفيد في تغيير سياسات المملكة غير السليمة بل الهدامة في المنطقة كما تطالب بذلك بعض الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وشبكات التواصل الاجتماعي. أرى أن لا ترفض الحكومة قدومه للجزائر، مقابل ذلك عليها أن تسمعه امتعاضها من سياساته حيال مختلف القضايا التي تهم المصالح الحيوية المشتركة للبلدين وللمنطقة العربية والإسلامية ككل؟

واخلص إلى أن القراءة والفهم الجيدين لمسار الأحداث إقليما ودوليا، فضلا على وضع ومكانة الجزائر  في نظام دولي بدأ يدير ظهره لعولمة “قيم حقوق إنسان مزعومة” ويسير في اتجاه إعادة التأكيد على معتقداته الراسخة (المصلحة والقوة)، يسمح بالقول أن محاسبة بن سلمان وغيره بسبب انتهاكات حقوق الإنسان مؤجلة إلى حين قيام “الحكومة العالمية الفاضلة”. وعليه فإن استقباله قد يفيد الجزائر على الأقل في الاتجاه الذي تسمعه طبعا إذا رغبت من امتعاضها من سياساته المثيرة للقلق. أيضا وعبر هذا الاستقبال سوف ترسل إشارات لمهندسي السياسات الدولية مفاده “ألي فينا يكفينا” (مثل جزائري يعني لا حاجة لنا بمشاكل الغير.

أستاذ العلاقات الدولية جامعة باتنة .1 الجزائر