الحرب السيبرانية … حرب القرن القادم

جمعة, 11/16/2018 - 09:03

د. نانيس عبدالرازق فهمي

الأمن السيبراني من أهم مجالات الأمن في القرن الحادي والعشرين  , ومن المعروف ان الهيمنة السيبرانية ترسم ملامح الحروب في القرن القادم مما يستلزم تغيير الإستراتيجية في اتجاه التصعيد مع قوى أخرى معادية نشطة في ساحة الحرب السيبرانية التي تحارب عليها منذ أكثر من عشرة أعوام فرق من القوات الخاصة للدول الكبرى  ومجموعات من قراصنة الانترنت المرتزقة  المجندين حسب اللزوم. ويقصد بالحرب السيبرانية هي عمليات في الفضاء الإلكتروني تستخدم وسائل وأساليب قتال ترقى إلى مستوى النزاع المسلح أو تُجرى في سياقه، ضمن المعني المقصود في القانون الدولي الإنساني. ويثور  القلق بشأنها بسبب ضعف الشبكات الالكترونية والتكلفة الإنسانية المحتملة من جراء الهجمات السيبرانية. فعندما تتعرض الحواسيب أو الشبكات التابعة لدولة ما لهجوم أو اختراق أو إعاقة، قد يجعل هذا الأمر المدنيين عرضة لخطر الحرمان من الاحتياجات الأساسية مثل مياه الشرب والرعاية الطبية والكهرباء  وغيرها.

واذ تعددت أشكال وأجيال الحروب بدءا من الحرب التقليدية التي مثلت الجيل الأول من الحروب والتي كان طرفيها واضحين معلومين تكون النتيجة بانتصار طرف وخسارة الأخر ،  ثم الجيل الثاني من الحروب الذي تمثل في الحروب الشاملة ليس فيها مدني ولا عسكري بل كل موارد الدولة السياسة والاقتصادية والديمغرافية والقافية والدعائية مسخرة للمجهود الحربي ، اما الجيل الثالث من الحروب هو الذي أعقب الحرب بالعالمية الثانية  ، تميز بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية ،مسرحها العالم بأسره وطابعها حرب الوكالة (كوريا –فيتنام-أفغانستان) وحروب الجوسسة الشاملة والدعاية العقائدية الشاملة والحرب الاقتصادية والانقلابات العسكرية والدوران في فلك إحدى الكتلتين ،كما تميزها ظاهرة جديدة هو حروب التحرير الشعبي من الاستعمار أو من الأنظمة المستبدة التي لها طابعا خاصا هو حرب العصابات الثورية وهي حرب الضعفاء ضد الأقوياء تعتمد استنزاف العدو عسكريا واقتصاديا وانهاكه وتشويهه دعائيا وتعتمد على الغارات التكتيكية والاستناد الى حليف قوي ، حروب الجيل الرابع  سادت منذ تسعينات القرن العشرين وسقوط الاتحاد السوفيتي وتمثلت في اختلال موازين  العسكرية وأنتجت حروب الصدمة والترويع التي تدمر كل شيء كما في حرب امريكا ضد العراق ثم افغنستان والعراق وصربيا ، تعتمد أساليب خاصة كالاغتيالات والتفجيرات والاختطاف والسطو اضافة الى ظهور الحرب الأهلية في دول العالم الثالث . اما الجيل الخامس فهو حرب اللا عنف لإسقاط الأنظمة بلا سلاح مباشر عبر المظاهرات والاضرابات والاعتصامات والعصيان المدني ومحاصرة مقرات الدولة واحتلالها سلميا ليس فيها جانب عسكري وهو ما حدث في الثورات العربية منذ 2011.

وقد ظهرت الحرب السيبرانية كأداة من أدوات الجيل الخامس للحروب،  واذا كان هدف القوات الخاصة الأمريكية  للحرب السيبرانية يكمن في صد هجمات من الفرق السيبرانية المعادية الا انها أيضا عملت على اختراق مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم داعش مما أسهم في التعتيم على القنوات المذاعة النشطة في تجنيد الارهابيين المحتملين . وفي اطار ما قام به البنتاجون بزيادة صلاحيات القيادة السيبرانية للفرقة العسكرية التي أنشئت خصيصا للحرب السيبرانية بهدف السماح لها باتباع نهج أكثر عدوانية والقيام بعمليات ذات طابع هجومي وهو خيار يدل على استراتيجية واشنطن الجديدة.

في ظل تطور أشكال وأنواع الحروب عبر الزمن الى 5 انواع من الحروب يشكل أخطرها  ما نعيشه في القرن الحادي والعشرين وهو الحرب السيبرانية التي قد لا تعرف الدولة انها مستهدفة ومن أي جهة وما الهدف  لذلك من المهم ان تستثمر دول الشرق الاوسط وخاصة الدول العربية كما تفعل مصر في المعلومات والاتصالات ، البنية التحتية الاجتماعية القطاع المالي الخدمات الحكومية ، وذلك في ظل تزايد الطلب في دول الشرق الأوسط على تكنولويجا الاتصالات والمعلومات وعلى خدمات الانترنت  ،وأصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزءا لا يتجزأ من مستقبل الهياكل الأمنية الوطنية ، لذلك من الضروري  ان تصبح كل مؤسسات الدولة تعتمد على هذه التكنولوجيا .وهو ما تتجه له الحكومة المصرية بتدشين الحكومة الالكترونية حيث أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزءا لا يتجزأ من المستقبل ، لكن تحت شرط التشديد على تطوير الأمن السيبراني الفعال ، فعلي المستوى الاقليمي يجب على القوات المسلحة لكل دولة عربية ان تطور قدرات للحرب السيبرانية لتحسين الدفاعات ضد الارهاب الالكتروني والهجمات السيبرانية،خاصة وان  الشرق الاوسط يعد هدفا مرغوبا لكثير من محترفي الجريمة السيبرانية للكسب المالي نتيجة ضعف الوعي لكثير من مستخدمي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونقص القدرة الفنية والتشريعات المناسبة  التي تقنن استخدام هذه التكنولوجيا.

وبشكل عام فان الأمن السيبراتي ليس مجرد قضية قومية بل قضية الأفراد أيضا ولكي يتحسن الأمن السيبراني القومي فان الخطوة الأولي هي تشجيع الأفراد لتحمل المسؤلية عن أمانهم الشخصي علي الانترنت ، فالانترنت يربط بين أكثر من ثلاثة بليون شخص،  ومع ذلك هناك اكثر من نصف سكان العالم غير متصلين. وفي هذه الحالة حيث باقي النسبة ليس لديها الفرصة للدخول علي الانترنت . هذه المسألة يمكن معالجتها من خلال انتشاء برامج تدريب للمواطنين في الدول النامية لمساعدتهم لمواجهة الانقسام الرقمي من خلال تدريس  أمن المعلومات ضمن مواد دراستهم في النظام التعليمي في كل المراحل الدراسية في المنطقة.  وعلي الحكومات ان تستثمر وتنشئ نقاط للوصول للانترنت والتي تسمح للشعب بالدخول علي الانترنت وذلك من اجل ضمان ان الشعب غير بعيد عن مزايا الدخول علي الانترنت لأي سبب لكن مع ضمان الحماية من الحرب او الهجمات السيبرانية. كما إن التعليم والوعي مهمان لمواجهة التهديد السيبراني لذلك هناك حاجة لبناء القدرات وتعليم المواطنين  في هذا الشأن.