دول خليجية تسعى لتكرار سيناريو الثورة العربية الكبرى ولكن مع إيران هذه المرة

ثلاثاء, 11/13/2018 - 07:59

د. شهاب المكاحله

في السنوات الأخيرة ، وصلت التوترات السياسية في الشرق الأوسط إلى آفاق جديدة نظراً لتداخل الأزمات بدءاً من الحرب على الإرهاب في العراق إلى الصراع على سوريا  واليمن والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. فبدءا من العام 2012، بدأت دول الخليج العربية وخصوصاً المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بالشعور بالتهميش بسبب إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما التي أعطت الاهمية  والأولوية للاتفاق النووي على حساب أمن دول الخليج العربية. ومن  وجهة نظر دول الخليج، أدى ذلك إلى انتشار نفوذ إيران “المزعزع للاستقرار”مع اتهام القيادة الإيرانية بتأجيج الاضطرابات في المنطقة حسب وصف بعض وسائل الإعلام الخليجية.

أما إيران فتدافع عن نفسها بالقول: إنها لا تتدخل في شؤون الدول إلا عندما يُطلب منها ذلك رسمياً كما هو الحال في العراق وسوريا. وتعتبر طهران أن تدخلها نابع من السياسة الدفاعية لا الهجومية لحماية عُمقها الاستراتيجي للتصدي لأي تهديدات ووأدها بعيداً عن حدودها.

 خلال العقود الأربعة الماضية، عارضت كل من إسرائيل والولايات المتحدة  سياسات إيران من حيث نفوذها العسكري المتزايد في المنطقة وخصوصاً في دول الخليج. وفي الآونة الأخيرة، تضاعفت التوترات بين طهران والرياض بسبب حسابات إيران الإقليمية مع رغبة حقيقية سعودية لتشكيل تحالف إقليمي مناهض لإيران بالتعاون مع إسرائيل.

واليوم يبقى الأمن الإقليمي هو التحدي السائد الذي يواجه الشرق الأوسط. كما أتاح التشرذم داخل دول مجلس التعاون الخليجي لإيران فرصة للخروج من نظام العقوبات الاقتصادية والسياسية. لقد وفرت علاقات إيران مع عدد من دول الخليج فرصاً اقتصادية وسياسية واستراتيجية  لطهران ساعدت في الوقت نفسه على الحد من العقوبات وإضعاف مخططات الرياض. كما أثبتت أزمة قطر أن الحل للأزمات لا يأتي من أبناء المنطقة حتى وإن توافرت النية الحسنة لذلك. فالضوء الأخضر يأتي دائماً عابراً للقارات ومن وراء المحيطات.

إن توتر العلاقات بين إيران ودول الخليج ليس بالشئ الجديد. فعلى مدار التاريخ الحديث، نشأت خلافات بسبب التطورات السياسية الداخلية والاختلافات الطائفية والعرقية والمنافسات الاستراتيجية والإقليمية. وقد تفاقمت حدة تلك الخلافات نتيجة الثورة الإيرانية.  فسكان إيران البالغ عددهم 80 مليون نسمة (أي أكثر من دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة) وأيديولوجيتها الدينية التي تتحدى التقاليد والقيادات الملكية يشكلون بالنسبة لبعض دول الخليج العربية تهديداً حقيقياً.

أتاحت علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية تحديد وتوجيه السياسات الأوسع لدول مجلس التعاون الخليجي. بالطبع توقعت إيران تحدياتها الجيوستراتيجية الرئيسية القادمة من قوى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. ومع ذلك، قد يتغير هذا الوضع في السياق الحالي للسياسات الإقليمية بسبب الضغط السعودي والعقوبات على طهران. وفي ذات السياق، تنظر الرياض  إلى طهران وسياساتها المتعلقة بالتدخل والدعم للأطراف الفاعلة من غير الدول (Non State Actors) باعتبارها التحدي الإقليمي الرئيس. وفي نفس الوقت تُركز إيران على التهديدات الإسرائيلية والأميركية في الشرق الأوسط بدلاً من العلاقات مع جيرانها في الخليج.

وتبدو إيران عازمة على أن تكون جزءاً من الحل الأمني للمنطقة في ظل ضغوط إقليمية للحيلولة دون ذلك. وهذا ما يُفسر التقارب الخليجي الأخير من تل أبيب والزيارات المتبادلة لمسؤولين إسرائيليين وخليجيين. إن ما تخشاه عدد من الدول الخليجية اليوم هو سيطرة إيران على المنطقة من بغداد إلى بيروت ومن جنوب الخليج إلى باب المندب لأن ذلك يعني خنق دول الخليج العربية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وهذا ما يفسر تدخل عدد من تلك الدول في مناطق بها نفوذ إيراني وسط مخطط لإنهاء الثورة الإيرانية بما يشبه الثورة العربية الكبرى في العام 1916 ضد الحكم العثماني للدول العربية.