التخلف في موريتانيا: أي سبيل لاقتلاع الجذور؟/محمد المختار ولد بلاتي

جمعة, 05/15/2015 - 11:31

إن ظاهرة الدولة قد تثير أكثر من سؤال. و تبدو الأسئلة متفاوتة في أهميتها ووجاهتها. بالنسبة لموريتانيا، قد يكون السؤال الأكثر إلحاحا هو ذلك المتعلق بواقع التخلف وبالأساليب الكفيلة باقتلاع جذوره، لما له من تأثير سلبي على حياة المواطنين وعلى مستقبل الدولة. 

يمكن تعريف التخلف بأنه ضد التقدم، أو بأنه حالة من التأخر والركود والتباطؤ التي تصيب جوانب من حياة المجتمع فيوصف بالمتخلف. فيقال:

 ’’تخلف عن القافلة بقي وراءها‘‘ و’’تخلف الشعب تأخر وتجاوزته الأمم في مضمار الحضارة‘‘ [1]  و كما قد يتعلق التخلف بالحالة  الاقتصادية  أو البنية الاجتماعية لدولة ما، فإنه قد يطال عقل الانسان فيوصف بالتخلف الذهني،هكذا يبدو التخلف من المفاهيم الواسعة التي قد تشمل جوانب  مختلفة من الحياة. إنه يتمثل في بط ء عمليات التنمية يرافقه تدهور في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وانعدام القدرة لدى مجتمع ما على تحقيق احتياجات أفراده.

إنه يعبر فعلا عن حالة منالركود السياسي و التدهور الاقتصادي والجمود الاجتماعي، تشكل خصائص لبعض البلدان تميزها عن البلدان المتقدمة. بالنسبة لموريتانيا ـ وبكل أسف ـ تبدو مظاهر التخلف ماثلة للعيان في جميع الأصعدة وعلى كافة المستويات، فلا أحد يجهل مدى الهشاشة و عد م الاستقرار التي تعيشها المؤسسات السياسية في البلاد،كما لا يخفى بطء النمو الاقتصادي وصعوبة الوضع الاجتماعي، ناهيك عن غياب مفهوم المواطنة لصالح  العصبية والفئوية.

إنها مظاهر تؤكد جسامة التخلف الذي تعيشه بلادنا، والذي كان من نتائجه:

الفقر المدقع، والامية، والبطالة المستشرية بنسب مرتفعة، قد تكون لغة  الأرقام  أكثر تحديدا في هذا السياق، حيث تشير إلى وصول الامية بين الموريتانيين إلى نسبة 42 % حسب تقرير المنظمة العربية للتربية  والثقافة والعلوم    ’’ أليسكو‘‘  الصادر في سبتمبر 2014، أما نسبة البطالة فهي في حدود 30 % وهو ما أدى إلى تنامي نسب الفقر بين السكان لتصل الى حدود 46 % وفق تقديرات  خبراء منظمة العمل الدولية لسنة 2015.  !! 

لكن، قد نجانب الحقيقة و الانصاف، إن نحن ألقينا بالمسؤولية عن هذا الواقع الأليم على نظام مَا، حكم البلاد في الماضي أو يحكمها في الحال، بل إن المسؤولية عن ظاهرة التخلف في موريتانيا، بالإضافة الى ما فرضه الماضي التاريخي والطبيعة الجغرافية للبلاد، هي مسؤولية شاملة ـ عموديا وأفقياـ ساهم الجميع ـ كل من جهته ـ في ديمومتها.

إنها قبل كل شيء مسؤولية دولة ومجتمع، ومسؤولية نُخب بالأساس، وإن بدرجات متفاوتة. 

ليس المهم هنا أن نحدد من يكون المسؤول عن هذا الواقع، بل المهم أن ننطلق في اتجاه القضاء عليه أو التخفيف من تداعياته، كل ذلك قد يكون متاحا وممكنا، لكنه ليس بالأمر اليسير، ويجب الانتباه إلى أن جهود الدولة لن تكون كافية في هذا الصدد، إلا إذا تعززت بحماس المواطنين وإثارة غيرتهم على الصَّالح العام، وإلا إذا تم الاستئناس من جهة أخري، بِخِبرْات وتجارب الدول ذات السياسات الناجحة في مجال التنمية، لاسيما تلك الدول التي تشابه بلدنا من حيث الموارد الاقتصادية والبشرية. لا أحد يبلغ به التفاؤل أن يأمل لموريتانيا أن تكون مثل اليابان أو كوريا الجنوبية  أو حتى أن تكون مثل تركيا، لكن، لا أحد يرضى ’’لبلاد شنقيط‘‘ أن تكون أقل شأنا في مجال التنمية ومحاربة التخلف من جاراتها من الدول العربية والافريقية ذات الثروات المحدودة. 

إن مسألة التخلف في موريتانيا متشعبة وذات أبعاد مختلفة، ويتطلب التخفيف من هذه الظاهرة المزمنة تبني سياسات هادفة وطموحة تعتمد رقابة الجدوائية الاقتصادية، وتبدأ بإصلاح القطاعات ذات الأولوية، مع التركيز في نفس الوقت على خلق مناخ ملائم لجلب الاستثمار الخاص، وتشجيع الخواص الوطنيين على  الاستثمار في الداخل الذي يعاني أكثر من وطأة التخلف. 

إنه من الأهمية بمكان، أن تتخذ بلادنا من إصلاح التعليم أولوية لمواجهة التخلف.

وهو ما يستدعي إصلاح المناهج و تخصيص ميزانية كبرى لقطاع التعليم واعتماد التكوين المستمر لطاقم التدريس….الخ،

وقبل هذا كله، يجب أن يبدأ لإصلاح باستعادة سيادة الدولة على قطاع التعليم، وانتزاعه من المدارس الخاصة متعددة الجنسيات.

فليس من النطق أن تتربى أجيال كاملة في كنف مدارس أجنية وافدة مما وراء البحار!!،

فلا الدخل الفردي في موريتانيا يسمح بمثل هذه المدارس ذات النهج الليبرالي، ولاهي مؤتمنة كذلك على تربية الاجيال، كما أنها، لم تُثبت ـ فعلاـ جدارتها في تخريج تلامذة أفذاذ، فقد آن الاوان لموريتانيا أن تضع يدها على التَّعليم، وأن تعيده سيرتَه الأولى كما كان، تعليماً وطنياً واجتماعياً، يجمع ولا يفرق، ذلك ماكنا نبغي في هذه السنة ’’سنة التعليم‘‘ ولايزال لدينا أمل في أن يتحقق.

كما لا نزال نأمل في أن يتحقق إصلاح المنظومة التربوية وتحيينها بما يتلاءم ومتطلبات سوق العمل، ولا يمكن لأي إصلاح أن يكون ذا جدوى مالم تستعد التربية الاسلامية مكانتها اللائقة في موريتانيا الاسلامية.

وما دمنا في سنة التعليم،  فمن اللاَّزم لإصلاحه أن تنظر الدولة باهتمام إلى تحسين الوضع المادي والمعنوي لأعضاء هيئة التدريس، من معلمين وأساتذة ومحاضرين جامعيين، مع إيلاء أهمية خاصة للمعلمين ومنحهم ميزات مغرية ومغرية جدا، أليسوا هم  من ينشئ الاجيال ويؤسسها ؟

  ولقد أحسن أحمد شوقي حين قال: 

قم للمعلم     وفهِ      التَّبجيلاَ              كادَ المعلمُ أن يكونَ رسولا أَعلِمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي            يَبني وينشئُ أنفساً وعقولا إن سياسة إصلاح التعليم لا يمكن أن تنجح في بلد تسود فيه البطالة ويَرمزُ فيه التَّعلُم إلى ضياع سنوات الشباب والصيرورة نحو مستقبل مجهول، وهو ما يؤكد ترابط إصلاح التعليم بمسائل التشغيل، ويستدعي ذلك خلق ضمانات في القطاعين العام والخاص لإد ماج خريجي التعليم في الحياة العملية، وإبعادهم عن البطالة التي هي أكبر دليل على فشل النظام التعليمي. إن إصلاح التعليم يمثل مدخلا لرقي الأمم وازدهارها ويفتح الباب أمام التحسينات الأخرى التي توقف زحف التخلف، لكنه ليس كافيا لوحده، بل لا بدمن إعادة النظر في قطاعات حسَّاسَة أخرى، خاصة قطاع الصحة. فمن المؤسف أن ينُظر إلى الطائرة القادمة من موريتانيا ـ في العديد من البلدان الشقيقةـ كما لو كانت طائرة إسعاف، وهو ما يستدعي التركيز على تأسيس منظومة صحية شاملة تجنب المواطنين عناء الانتقال إلى خارج البلاد، وتضمن لهم الصحة البدنية والنفسية، التي لا غنى عنها لتطور أي إنسان. كما أن خلق شبكة من المواصلات  الطرقية بين مختلف أقاليم البلاد وتحسين وسائل النقل سيكون ضروريا للتعارف الوطني، وتبادل الافكار وتعميم نمط مشترك للعيش، يدعم الوحدة الوطنية، ويمهد لبناء الشخصية الموريتانية المستقلة، ويسهم في محاربة التخلف.

 وفي الختام، لابد لدحر التخلف من الانطلاق من قيَّم مؤسِّسَة، وفي مقدمتها إحياء جَذوة المواطنة، ومحاربة بذور التفرقة، والقضاء على الفساد بكل أنواعه، و نشر المساواة، وترسيخ قيم الفضيلة، والتَّسامح والتعاون بين المواطنين والشفافية، وحرية التعبير. والأهم أن نحقق شعار جمهوريتنا المتمثل في الشرف والإخاء والعدالة.