حرب الجيل الرابع والتلاعب بمصائر الأمم

اثنين, 09/03/2018 - 19:40

موسى العدوان

عنوان المقال المبين بأعلاه، يوحي بأن هناك ثلاثة أجيال سابقة، وهي حقيقة كان قد اتفق عليها خبراء الإستراتيجية العسكرية الأمريكيين، في أواخر عقد الثمانينات الماضي. ويعتمد تصنيف هذه الأجيال على زمن وقوعها ووسائل القتال المستخدمة في كل منها. ولكن قبل أن أتناول الموضوع بشيء من التفصيل، لابد لي من إعطاء القارئ الكريم، فكرة موجزة عما يقصد بأجيال الحروب الثلاثة السابقة، التي ابتدأ تاريخها قبل أربعة قرون تقريبا، وهي كالتالي:

حرب الجيل الأول: ويقصد بها المعارك التقليدية التي جرت بين جيوش نظامية، بمواجهة مباشرة على ساحة معركة محددة، تضمنت استخدام الحشود البشرية بتكتيكات خطية وعمودية، واستعمال الأسلحة البسيطة. ومن الأمثلة على ذلك : الحرب الأهلية الإنجليزية، حرب السنوات السبع، الحروب النابليونية.

حرب الجيل الثاني: ويقصد بها الحرب التقليدية المشابهة للجيل الأول من حيث طبيعتها، ولكن مع استخدام المدافع والدبابات والطائرات، كما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية، الحرب العالمية الأولى، والحرب الأهلية الإسبانية.

حرب الجيل الثالث : وهي الحرب الوقائية أو الإستباقية، التي طورها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أطلق عليها حرب المناورة لكونها تتميز بالمرونة وسرعة الحركة، والعمل خلف خطوط العدو، إضافة لاعتماد عنصر المفاجأة والحرب النفسية. وقد استخدمت خلالها الدبابات والمدفعية والطائرات، ومن الأمثلة على ذلك : الحرب العالمية الثانية، الحرب الكورية، حرب فيتنام، حرب حزيران 1967، حرب الخليج الأولى1991، وحرب الخليج الثانية 2003.

أما حرب الجيل الرابع موضوع هذا المقال ( واختصاره باللغة الإنجليزية GW4 )  فيطلق عليها     ( الحرب غير المتماثلة أو غير المتكافئة )، التي تتداخل بها الخطوط بين الحرب والسياسية، وبين الأشخاص المدنيين والمقاتلين، فهي حرب أمريكية خالصة، طورها الجيش الأمريكي عام 1989.      و بنيت هذه الحرب في أساسها على ( إستراتيجية الإنهاك البطيء )، الذي يهدف إلى زعزعة الاستقرار وإشاعة الفوضى في بلاد الخصم وإفشال الدولة، دون تدخل عسكري أمريكي إلا في حالات نادرة، يتلوها فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية.

تلعب الحرب النفسية دورا بارزا في هذه الحرب، من خلال استخدام وسائل الإعلام المختلفة. وقد  تلجأ الدولة المهاجمة إلى تحريض الشعب في دولة ما ضد نظام الحكم القائم فيها، أو تسلّط الجيش والأمن ضد شعبها، أو تدفع الأجهزة الأمنية للتخلي عن مهامها الأمنية والنظامية، لتصبح أداة لإرهاب المواطنين وقمعهم من أجل إثارة الفوضى.

من أهم أدوات هذه الحرب ما يلي :

استخدام وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، لتنفيذ المخططات الموضوعة في إشاعة الفوضى، وإنزال الهزيمة بالخصم المستهدف.

استخدام منظمات المجتمع المدني والمعارضة والمنظمات الإرهابية، لتنفيذ مخططاتها وتحقيق غاياتها تحت ذريعة الديمقراطية، ودعم الحريات، وحقوق الإنسان، والادعاء باستخدام العوامل الكيماوية. وعليه فهي تقوم بتشكيل لجان التحقيق المضلّلِة، وتموّل بعض المنظمات التي تدور في فلكها، وتسعى لحمايتها خلال عملها ولكنها تتخلى عنها بعد أن تحقق أغراضها.

القيام بالعمليات الاستخبارية، والسيطرة على وسائل الإعلام والإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومختلف وسائل التكنولوجيا، وتكريسها لخدمة أهدافها المقررة.

تغذية الصراعات الداخلية وتأجيجها، باستغلال الاختلاف والتنوع في المجتمع عرقيا وطائفيا وأيديولوجيا.

القيام بحرب الأفكار وتغيير عقائد المجتمع وتقاليده، وهذا من أخطر أسلحة حرب الجيل الرابع. وقد كان عرّابها وأول من أطلق شرارتها وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد، ضمن ما أسمته أمريكا ( الحرب على الإرهاب )، الذي أصبح شمّاعة تعلّق عليها مختلف الدول حروبها الداخلية والخارجية.

كما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس عام 2002، بأنه : ( لابد من اتباع أساليب الحرب الباردة التي أتبعت في مواجهة الشيوعية، لمواجهة الكراهية والموت في الشرق الأوسط ). واعترفت أيضا في تصريح لاحق قائلة : ( إننا ضالعون في حرب الأفكار أكثر مما نحن منخرطون في حرب الجيوش ).

وفي محاضرة للخبير الإستراتيجي الأمريكي ( ماكس مانوا رينج ) أوضح أن أسلوب الحرب التقليدية بأجيالها الثلاث قد أصبح قديما، والبديل عنه هو أسلوب حرب الجيل الرابع. ومن خلال هذا الأسلوب تصر الولايات المتحدة الأمريكية، على خلق بؤر التوتر والصراعات في مختلف دول العالم، بقصد السيطرة عليها وتفكيكها إلى دويلات عرقية وطائفية، وإشعال الخلافات والحروب بينها. هذا بالإضافة إلى تحريض الشعوب على حكامها، وتطبيق إستراتيجيتها الجديدة، باستخدام مواطني الدولة نفسها، لإرغام العدو على الرضوخ لإرادتها.

وإذا ما دققنا في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في العقود الماضية والحالية، فسنجد أنها مارست وتمارس ( إستراتيجية الإنهاك البطيء والتلاعب بمصائر الشعوب )، من خلال مؤامرات قذرة تزعزع استقرار الدول المستهدفة. وخير دليل على ذلك ما قامت به من تدمير لاستقرار أفغانستان والعراق، وإشعال للحروب في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من دول العالم. ومن جانب آخر فهي تمارس حاليا حصارها الاقتصادي على كوريا الشمالية، وإيران، والصين الشعبية، وأخيرا تركيا لزعزعة استقرارها.

ولكن صمود تلك الشعوب وإدراكها لتآمر الولايات المتحدة عليها من أجل تدمير أوطانها، سيجعلها تزداد تماسكا وصلابة لتشكل سدا منيعا في وجهها، وإفشال مخططاتها التي تهدف في النهاية التلاعب بمصائر الأمم، وتقويض النظام العالمي بصورة عامة، من خلال تطبيق إستراتيجيتها الشريرة في حرب الجيل الرابع ( حرب الإنهاك البطيء )، التي راحت تمارسها ضد مختلف دول العالم بإصرار.

 فريق ركن متقاعد