حذار من وقوع حركة حماس في مصيدة الهدنة مع الكيان الصهيوني

ثلاثاء, 08/07/2018 - 00:20

عليان عليان
في الوقت الذي تنشط فيه المخابرات المصرية، لتفعيل خطط المصالحة بين حركتي فتح وحماس، عبر خطة جديدة تنطوي على أربع مراحل، حدث متغير جديد يقفز عن المصالحة، وينطوي على مخاطر جمة ليس على قضية المصالحة الفصائلية فحسب بل على القضية الفلسطينية برمتها.
تمثل هذا المتغير بمشروع الهدنة بين حركة حماس والكيان الصهيوني برعاية من الحكومة المصرية ومبعوث الأمم المتحدة للمنطقة نيكولاي ميلادينوف، فالهدنة حسب مسؤولين من حماس والامم المتحدة، يمكن أن يشمل وقفا طويل الامد (للأعمال العدائية!) بين اسرائيل وحماس ،مقابل تخفيف ملحوظ للحصار البري والبحري الذي تفرضه اسرائيل على القطاع.
وفي التفاصيل، بالاستناد إلى لقاء سابق للمبعوث الأممي ميلادينوف مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فإن خطة الهدنة تنطوي على ثلاث مراحل ، تبدأ المرحلة الأولى خلال أسبوع، وتتضمن “إنهاء (الاستفزازات على الحدود!)، أي ظاهرة الطائرات الورقية الحارقة، وعمليات اختراق الحدود، وحرق المواقع الحدودية على يد الشبان، مقابل إعادة فتح معبر كرم أبو سالم مع فلسطين المحتلة، وفتح معبر رفح (مع مصر) بصورة دائمة” وزيادة مساحة الصيد في بحر القطاع، وبعدها زيادة الكهرباء بتأمين أربع ساعات إضافية، وتقديم مساعدات بقيمة 31 مليون دولار من قطر، وتأمين 91 مليوناً لدعم وكالة “الأونروا”، وزيادة 10 ملايين دولار شهرياً على رواتب السلطة لتصبح نسبة ما يستلمه موظفوها 80% بدلاً من 50%، وليس أخيراً حلّ مشكلة رواتب موظفي “حماس″، لكن بعد شهرين.
المرحلة الثانية تتضمن “تحسين الظروف المعيشية وفك الحصار كلياً عن سكان القطاع، والسماح بدخول البضائع كافة وزيادة التيار الكهربائي عبر الخطوط الإسرائيلية
أما المرحلة الثالثة، تقوم الأمم المتحدة خلالها بالالتزام بتعهداتها بتنفيذ مشاريع إنسانية كانت قد طرحتها، مثل إنشاء ميناء (في الإسماعيلية في مصر) وتشغيل مطار على الأراضي المصرية، إضافة إلى بناء محطة كهرباء في سيناء، ثم إعادة إعمار القطاع.
ما يلفت الانتباه ثلاثة أمور يجب الوقوف عندها وقراءتها جيداً ، (الأمر الأول) هو أن قيادة حركة حماس لم ترفض العرض ابتداءً، بل وافقت على عقد اجتماع لعموم أعضاء المكتب السياسي في قطاع غزة لمناقشته ، وبالفعل وصل الوفد إلى القطاع وبدأ بعقد جلسات متواصلة لمناقشته ابتداء من يوم الجمعة 3-8-2018.
والأمر الآخر هو أن حكومة العدو الصهيوني لم ترفض الخطة حتى اللحظة ، وأن رئيس وزراء حكومة العدو الصهيوني أجل زيارته لكولومبيا لمناقشة الخطة في إطار اجتماع المجلس الأمني الوزاري المصغر ( الكابينت ) .
والأمر الثالث أن حكومة العدو لم تعترض على دخول أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في الخارج إلى قطاع غزة ، بحيث بات عقد اجتماعه في مأمن من أي قصف إسرائيلي محتمل ، خاصة وأن العاروري – أبرز المطلوبين – للكيان الصهيوني بوصفه مسؤول الجناح العسكري الحمساوي في الضفة الغربية، هو جزء من الوفد الحمساوي، وفي الذاكرة القريبة أن حكومة أردوغان سبق وأن طردت العاروري من تركيا استجابة للطلب الإسرائيلي.
لا نريد أن نستبق الأمور ، على أمل أن لا توافق حركة حماس على المشروع ، إذ ليس من مصلحة المشروع الوطني الفلسطيني برمته، أن تنزلق حركة حماس إلى هذا المنزلق الخطير ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار دورها المقاوم ، ودورها الفاعل في التصدي للعدوان الصهيوني في الأعوام 2008 ، 2012 ، 2014 ، ولكن يجب علينا أن نحذر من الأخطار المترتبة على عقد مثل هذه الهدنة وأبرزها :
أولاً : أن الهدنة التي قد تمتد لمدة خمس سنوات، هي ضربة في الصميم لمشروع المقاومة في قطاع غزة ، فحالة الاسترخاء المدعومة بالرخاء الاقتصادي المزعوم ورفع الحصار ، ستخلق بيئة غير حاضنة للمقاومة مستقبلاً ، وتتنكر عملياً لدماء الشهداء الذين ارتقوا خاصةً منذ بدء مسيرات العودة منذ نهاية شهر آذار الماضي.
ثانياً : أنها عملياً تكرس انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية ، لا سيما وأن حماس معنية بالفصل في خطة الهدنة بعيداً عن فصائل المقاومة، التي تشاركت معها في إدارة دفة مسيرات العودة والمقاومة عموماً .
ثالثاً : أن خطة الهدنة في التحليل النهائي، تشكل ضرباً للثوابت الوطنية الفلسطينية في العودة والتحرير ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن المغريات الواردة فيها من إقامة مطار وميناء ومحطات للكهرباء وفتح للمعابر مع قطاع غزة ..ألخ سبق أن وردت في المزايا والمشاريع الموعودة لقطاع غزة، التي سربها كل من جاريد كوشنير – مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجيسون غرينبلات- المبعوث الأمريكي للمنطقة ، أثناء زيارتهما للمنطقة ، لتسويق صفقة القرن بتمويل خليجي ، ما يجعلنا نحذر من أن تكون الهدنة أحد القنوات الموصلة إلى صفقة القرن الأمريكية.
رابعاً : أن الحكومة المصرية – صاحبة مبادرة الهدنة – معنية بوقف المقاومة في قطاع غزة ، انسجاماً مع نهج كامب ديفيد الذي لم يعد يتعامل مع الكيان الصهيوني كخطر على الأمن القومي المصري ، بل يرى في وجود المقاومة المسلحة في قطاع غزة خطراً على أمنها القومي، تحت مبرر إمكانية تسرب عناصر إسلاموية إرهابية من القطاع إلى سيناء .
كما أن الهدنة المقترحة في حال موافقة حركة حماس عليها ، تشكل ضربة لمشروع مصالحة المحاصصة بين حركتي فتح وحماس ، التي يجري استخدام بقية الفصائل كديكور لها ، أو بالأحرى كشاهد زور ومناسبة لالتقاط الصور التذكارية.
قد تحاول قيادة حماس إجراء تعديلات على الخطة لإلباسها لبوساً وطنياً ، لكن مشروع الهدنة طويلة الأمد إذا ما تمت الموافقة عليه من قبل حركة حماس ،لن يقل خطورة عن اتفاقات أوسلو ، لأن اتفاقات أوسلو ومشروع الهدنة يصبان في خانة واحدة ، وهي ضرب وتصفية استراتيجية المقاومة.
وأخيراً : ليس من مصلحة القضية الفلسطينية، أن تنزلق حركة حماس إلى هذا المنزلق ، ونتمنى أن يكون تعاملها مع مشروع الهدنة في سياق تكتيكي، وليس في سياق تطبيقي .. وفي ذات الوقت ننتظر موقفاً من فصائل المقاومة يرفض بقوة مشروع الهدنة مع العدو الصهيوني ، وأن تعمل على إفشاله في حال موافقة قيادة حماس عليه.
انتهى.