غياب الأجهزة الرقابية في الأردن واستفحال الفساد

جمعة, 07/27/2018 - 15:52

موسى العدوان
ظهرت خلال العقود الماضية قضايا فساد مختلفة الأنواع والأحجام على الساحة الأردنية، ارتكبها مسؤولون في بعض أجهزة الدولة الرسمية. وأتى اكتشاف تلك القضايا في وقت متأخر، بعد أن وقع الضرر في المؤسسات المتأثرة به، وانتشر في مفاصلها بصورة سرطانية مؤذية. تراوحت تلك القضايا بين أمور مالية وإدارية وسوء في استخدام السلطة. ولكن لم يُحاسب مرتكبوها على سوء أفعالهم بحجة واهية، هي الحرص على سمعة المؤسسات الرسمية التي ينتمون إليها.
ولكي نتعرف على جوانب هذا الموضوع لابد من مقدمة أكاديمية بسيطة، تلقي الضوء على طبيعته ابتداء من تعريفه بالجملة التالية : الرقابة بأنها عملية التأكد من تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات بما يتناسب وتحقيق الأهداف الإستراتيجية العامة للدولة. إذ لا يكفي إصدار الأوامر والتعليمات دون مراقبة تنفيذها من قبل المعنيين بصورة صحيحة.
والرقابة على مؤسسات الدولة هي إحدى مكونات العملية الإدارية، التي تشمل سبعة محاور هي: اتخاذ القرار، تنظيم العمل، التخطيط، الرقابة، التواصل، التوجيه. وقد يكون الفساد في أجهزة الدولة مالي أو إداري أو استغلال السلطة. وفي هذه العجالة سأقتصر حديثي على الرقابة فقط موضوع هذا المقال.
من الواضح أن عدم اكتشاف قضايا الفساد والفاسدين في وقت مبكر، يعود لضعف الأجهزة الرقابية، وعدم متابعتها لسير العمل في مؤسسات الدولة، الأمر الذي شجع الفاسدين على الاستمرار في غيهم، وتضخيم حجم مكتسباتهم المغلّفة بأثواب الحرام. وهذا شجع صغار الفاسدين على تقليد رؤسائهم الغارقون في الفساد، ويكونوا بمأمن من المحاسبة.
قضايا الفساد التي نشرت في الأخبار وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في هذا البلاد، لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال وهي معروفة لعامة الشعب، كان آخرها ما يجري التحقيق به في قضية مصنع الدخان، الذي مضى عليه سنوات وهو يعمل ويسوق بضاعته الفاسدة داخل البلاد وخارجها، دون اكتشافه من قبل أجهزتنا الرقابية، إلى أن كشفه أحد النواب الشرفاء تحت قبة البرلمان في الدورة الاستثنائية. وها نحن بانتظار ما تسفر عنه التحقيقات الجارية.
هذه القضايا أساءت لسمعة للأردن النظيفة، وهو البلد الذي يحظي باحترام العالم أجمع. فتفجرت قضايا الفساد في أوقات متأخرة رغم توفر الأجهزة الرقابية المتعددة والتي منها : البرلمان، دائرة مكافحة الفساد، ديوان المحاسبة، المخابرات العامة، الأمن الوقائي، البحث الجنائي، الأمن العسكري. وغياب هذه الأجهزة عما يدور على الساحة الأردنية ذكرني بقول أبي الطيب المتنبي :
نامت نواطير مصر عن ثعالبها * * فقد بشمن وما تفنى العناقيد
لقد بشمت ثعالب مصر . . ولكن ثعالبنا لم تُبشم . . وستبقى جوعى رغم فناء العناقيد، فستلهط كل ما يقع تحت أيديها، لا يُحرم عليها إلا الذي لا تطوله تلك الأيدي الملوثة.
والرقابة تتم ممارستها عادة بثلاثة وسائل هي :
الرقابة الداخلية، من خلال إيجاد أجهزة وإدارات صغيرة الحجم تعمل في المؤسسات نفسها.
الرقابة الخارجية، من خلال إيجاد أجهزة مستقلة، تتمتع بصلاحية التدقيق على أية مؤسسة، وتعمل بسيطرة مركزية من قبل سلطة عليا.
الرقابة المجتمعية، وتشمل منظمات المجتمع المحلي من صحافة وأحزاب ونقابات مهنية، ورأي عام، وأية مؤسسات أهلية أخرى.
وهنا يمكن أن أضيف جهازا رابعا وهو : ( جهاز المفتش العام للمملكة ) يشارك به عسكريون ومدنيون من أصحاب الخبرة والنزاهة، يرتبط بأعلى سلطة في الدولة، ويخول كامل الصلاحيات لمراقبة عمل أجهزة الرقابة سالفة الذكر ويتلقي تقاريرها الشهرية، حيث يقوم بتوحيدها وإجراء اللازم مع الجهات المختصة. كما يخول المفتش العام بالتدقيق على جميع أجهزة الدولة بما فيها الأجهزة العسكرية والأمنية. وعلى ضوء تقاريره تتخذ الإجراءات اللازمة بكل شفافية وحزم.
وعملية المراقبة يجب أن تأخذ ثلاثة أشكال وبصورة متتابعة :
الرقابة المسبقة ( الوقائية )، لمحاولة اكتشاف الخطأ قبل حصوله.
الرقابة المتزامنة ( أثناء التنفيذ )، وتجري خلال تنفيذ العمل.
الرقابة اللاحقة ( بعد التنفيذ )، من خلال مقارنة النتائج مع المعايير المطلوبة.
ومع تقديم الشكر لدولة رئيس الوزراء الدكتور الرزاز، الذي وعد بفتح كافة ملفات الفساد ومحاسبة المتسببين بها، إلا أننا نرجو أن يكون هذا بأثر رجعي، يضع الفاسدين من كل أجهزة الدولة خلف القضبان، ويسترجع أموال الدولة المنهوبة. ونرجو دولته أيضا، أن يبعث الحياة في مشروع قانون ( من أين لك هذا ) الذي أغلقت عليه أدراج مجلس النواب منذ سنوات، لعله يرى النور ويقوم مسيرة الدولة نحو الإصلاح الحقيقي الذي نبتغيه.
دولة الرئيس الدكتور عمر الرزاز الأكرم
أخاطبك في ختام هذا المقال وأقول : من خلال تفعيلك لأجهزة الرقابة المار ذكرها، بشرط اختيار أعضائها من الشخصيات الوطنية المشهود لها بالأمانة والنزاهة، معززة بقانون ( من أين لك هذا )، ستحدّ من عمليات الفساد التي استشرت في مفاصل الدولة، وعطْلتْ مسيرة النمو والتقدم، وسيتردد الفاسدون وضعاف النفوس من الإقدام على ممارسة الفساد خوفا من سوء العاقبة. وحينها سنبني وطنا خالٍ من الفساد والفاسدين، وسيخلّد التاريخ اسمك إن فعلتها مع رجالات الأردن الشرفاء.