بوركت انتفاضة شباب العراق وبورك إصرارهم على التحدي

اثنين, 07/23/2018 - 20:14

د. سعد ناجي جواد

مع تصاعد وتيرة التظاهرات والاحتجاجات الشبابية العراقية، ومع ازدياد ارتعاب الوجوه المشاركة في العملية السياسية، و قيادات ما يسمى بأحزاب العملية السياسية، والتحالفات والمليشيات المتنفذة المختلفة، وازدياد العنف في مواجهة هذه الاحتجاجات،  يتأكد المراقبون بان لا الحكومة العراقية ولا قادة المليشيات الداعمين لها والمشاركين فيها،  قد استوعبوا الدرس، وان اقل وأسرع ما عليهم ان يفعلوه هو ان يتنحوا جانبا،  ويتركوا الامر لحكومة طوارىء من الاكفاء لكي تحاول ان تنقذ البلاد من نهاية مأساوية،  وتصلح ما يمكن اصلاحه. و هذه نصيحة مجانية متواضعة يجب ان يقدمها كل محب للعراق سواء كان من مؤيدي النظام الحالي او من معارضيه.

وعلى كل حال فان هذا هو ليس موضوع هذه المقالة المتواضعة او سبب كتابتها. إنما السبب الحقيقي هو  بعض الكتابات التي بدات تتكاثر و تنتشر هنا وهناك، ووجوه، تدعي خبرتها ببواطن الأمور، تظهر على القنوات الفضائية اما تستنكر تظاهرات الشباب المسحوق المشروعة، او تتهم تحركاتهم بانها استجابة (لمندسين)، او تحاول ان تشوه تحركاتهم السلمية. ان يأتي هذا الكلام من أُناس بسطاء او يتصفون بالسذاجة، فذلك يمكن ان يكون مقبولا، او ان يأتي من أشخاص استفادوا ولا يزالون، ماديا وامتيازات لا تعد ولا تحصى فهذا ايضا يمكن ان يكون مفهوما، او ان يأتي من مشاركين في العملية السياسية يتركون عوائلهم وابناءهم خارج العراق يتنعمون بما يرسلونه لهم من ما يجمعوه من سحت حرام لكي يبذخون في ملذاتهم، او ان يشتروا الاملاك في الخارج، فهذا امر طبيعي.  لكن ان يأتي التشكيك والتخوين والاتهام من أشخاص متبرعين و يعتبرون أنفسهم (مناضلين ومثقفين ووطنين بل وحتى من أكاديميين)، فان هذ الامر لا بد وان يثير الاسى والحزن على مستقبل العراق الحبيب.

بغض النظر عن كل ما يمتلكه اي إنسان من مشاعر ومواقف سياسية وانتماءات فكرية، هل يستطيع احد من المشككين بهذه الانتفاضة الشعبية المباركة واسبابها المشروعة،  ان يعطينا سببا واحدا مقنعا لموقفه المعارض لها او المحذر و المشكك فيها ومنها؟ الم يعيش العراق والعراقيون وسط انهار من الدم بسبب السياسة الطائفية التي انتهجتها الولايات المتحدة ومن جاء معها مِن مٓن يلقبوا أنفسهم سياسين بعد عام ٢٠٠٣؟ الم تتم سرقة أموال العراق بالكامل سواء بالمشاريع الوهمية او بالسرقة الواضحة او بالرواتب والامتيازات الفلكية، او عن طريق الفضائيين؟ الم تفشل الحكومات، او المافيات، المتعاقبة ليس في تحسين الخدمات وانما حتى في الإبقاء على الجزء الذي كان متيسرا منها؟ الم تزداد نسبة الفقر الى حدود غير مسبوقة و كذلك البطالة والامية الى درجات مخيفة؟ الا تفتقد الغالبية العظمى من العراقيين لابسط انواع الخدمات كالماء الصافي، او حتى العكر، والكهرباء والغذاء والدواء، في الوقت الذي تشير فيه الميزانيات العامة الى تخصيص و انفاق المليارات من الدولارات على هذه الخدمات، ويتمتع وزراء سابقون بالملايين التي سرقوها خارج العراق وبدون اي عقاب او مسآءلة، الا تقوم المليشيات المنفلتة، والتابعة لكل الاحزاب والمكونات وبدون استثناء، باستفزاز الناس وخطفهم متى ما تشاء وقتلهم اذا رغبت دون محاسبة. الم تقم كل اطراف العملية السياسبة البائسة بالمساهمة في تزوير الانتخابات، التي هي بالاساس كانت عملية لتدوير الفاسدين حتى لو لم تزور؟

وأستطيع ان استرسل في سرد ما حل بالعراق منذ الاحتلال وحتى اليوم. من ناحية اخرى فان أولئك الذين يطالبون الشباب والثائرين بالهدوء و الانتظار هل سألوا أنفسهم على اي أساس يطلب منهم ذلك؟ هل تم محاسبة فاسد كبير واحد وحكم عليه بالسجن واسترداد الأموال التي سرقها؟ هل تم سحب الثقة من وزير حالي او سابق، او الحصانة عن نائب فاسد واحد، سابق او حالي، وما أكثرهم، وحوسبوا على ملفات الفساد التي تعلن عنها الجهات الحكومية بنفسها، و ليس المعارضين المغرضين المندسين، وتقول انها تحتفظ بها عنهم. هل تم محاكمة من تسببوا باحتلال الموصل ومجزرة سبايكر وغيرها من الكوارث التي حلت بالعراق وبسبب الاخفاق الحكومي؟

لو تحقق اي شيء من ذلك لكنت انا شخصيا، وبكل تواضع،  اول من يطلب من الشباب ان يهدأوا و ان يستبشروا خيرا لان عجلة محاربة الفساد بدات بالدوران و يجب ان ننتظر النتائج. اما ان تكون ألسِنٓةُ الفاسدين هي الأطول، وأفعال مليشياتهم هي الأكثر وضوحا وأصوات الأمعات، ولا اريد ان استخدم هنا كلمات نابية ووصفا يليق بهم، هي من تعلو، و تحاول ان تشوه اعمال الثائرين و مطالبهم المشروعة، فهذا امر مشين وغير اخلاقي وغير وطني ويخالف الشرع والدين حتى وان صدر من معمم. ثم انه اذا كانت الوجوه السياسية المرعوبة أخذت الواحدة تلو الاخرى تعترف بخطئها وتحاول ان تعتذر، ولو بصورة مشكوك فيها وفِي جديتها وصدقها، ولاسترضاء المتظاهرين، علنا وصراحة ومن على شاشة المحطات الفضائية، فما الذي يجعل بعض الذين ذكرتهم أعلاه، ان يتهجموا، تبرعا، على الثوار والمتظاهرين والشباب البائس الذي لا يطالب الا بالجزء اليسير من حقوقه.

وأخيرا وليس اخرا الا بخجل من لا يزال يدافع عن الاحتلال ونتائجه، وعن الحكومات والاحزاب الطائفية والعرقية الشوفينية ومن كل مكونات الشعب العراقي، من الاستمرار في اتهام الاخرين والانظمة السابقة والاحزاب التي غابت عن المشهد منذ اكثر من خمسة عشرة عاما، او عصابات داعش التي انتصر عليها الجيش العراقي على الرغم من كل العقبات التي كانت توضع في طريقه؟  وهل حقيقة بعتقد من يدافع عن النظام في العراق بانه يدافع ديمقراطية حقيقية او عن نظام سيحقق الخير والرفاه والعز للعراقيين؟ واذا كان هناك من يقول نعم فهذه كارثة اكبر.

ان من بين الذين قرأت لهم أشخاص يحملون شهادات عليا واخرين بلغوا خريف العمر بل وارذله، و قسم منهم يتبجح بتاريخه النضالي وتجاربه السياسية، و مع ذلك لم يتورع عن الدفاع عن الحكومات الفاسدة سواء لأسباب طائفية او عرقية او مصلحية. اخيرا انا اقول، لكل الذين قصدتهم في كلامي، اتقوا الله في العراق الذي تفضل عليكم وترعرعتم في أزقته و حواريه و مدارسه، حتى وان هجرتوه. وفكروا بمعاناة شعبكم، فلا الظلم يدوم ولا القاتل او السارق يمكن ان يفلت من عدالة الدنيا قبل عدالة الآخرة. وحاولوا أن تثبتوا في سجل حياتكم مواقف تحسب لكم و لا تحسب عليكم في قادم الأيام، الا هل بلغت اللهم فاشهد.

كاتب عراقي